القانون الخاصالقانون الرياضيمقالات الرأي

الرهان الرياضي بين احتكار الدولة والخوصصة الموازية – الأستاذ رمزي محمدي

نشر بمجلة الأخبار القانونية INFOS JURIDIQUES هذا المقال بعنوان ” الرهان الرياضي بين احتكار الدولة والخوصصة الموازية وذلك في عدد مارس 2023 – عدد 354 / 355

الأستاذ رمزي محمدي المحامي لدى الإستئناف والباحث في القانون الرياضي

إحتكرت الدولة عن طريق شركة النهوض بالرياضة مسابقات التكهنات الرياضية بصفة حصرية ومنع الخواص من المشاركة في تأسيس أو تنظيم رهانات رياضية تدخل تحت طائلة المنع والتجريم.

قامت شركة النهوض بالرياضة بإبرام عقود مع عديد المحلات الخاصة بكامل البلاد لتركيز نقاط بيع القصاصات وتوزيعها لضمان أكبر عدد من المشاركين في المسابقات[1] ولكن ورغم وضوح النصوص القانوني فإنّ ميدان الرهان الرياضي ما فتئ يشهد عدة تحولات تقوّض مبدأ احتكار الدولة لهذا النشاط ويهدد دوره الرئيسي في توفير المداخيل العمومية لدعم النشاط الرياضي.

الجزء الأول: الإطار القانوني للرهان الرياضي

ينفرد الإطار القانوني للرهان الرياضي بتثبيته لاحتكار الدولة لهذا النشاط ومنع الخواص من ممارسته ولكنه يتميز كذلك بالمحافظة على وسائل تقليدية وقديمة في العمل هيكليا (الفقرة الأولى) ساهمت في ظهور مؤسسات رهان رياضي موازية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الرهان الرياضي: الدولة تحتكر ولا تتطور

يرتبط الرهان الرياضي بأكثر من نص قانوني ولكن هذه النصوص تشترك جميعها في تثبيت مبدأ احتكار الدولة عبر مؤسسة النهوض بالرياضة والتي تعرف باسم شركة “البرومسبور” لهذا النشاط ومنع ممارسته من قبل الخواص، وفي هذا الإطار تم تنظيم ألعاب الرهان القائمة على التكهنات بمقتضى المرسوم عدد 20 لسنة 1974 والمؤرخ في 24 أكتوبر 1974 والمتعلق بإقامة معارض الألعاب وألعاب البيت واليانصيب[2] ومنع المشرع في الفصل الأول من المرسوم الواقع ذكره ممارسة هذه الألعاب إلا في إطار ما استثناه القانون مؤكدا على أنّه: “تعتبر الألعاب التي يغلب فيها الحظ على البراعة وأعمال الفكر ألعاب قمار وميسر ولذلك تمنع ممارستها إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.”

أقر هذا الاستثناء القانوني ببعث شركة النهوض بالرياضة بمقتضى القانون عدد 63 لسنة 1984 والمؤرخ في 6 أوت 1984 والمتعلق بتنظيم وتنمية الأنشطة البدنية والرياضية وهي مؤسسة ذات صبغة صناعية وتجارية تحت سلطة إشراف الوزارة المكلفة بالرياضة.

كانت الغاية من تأسيس شركة البرومسبور النهوض بالأنشطة الرياضية وبتشجيع تمويلها وذلك بتنظيم مباريات وتكهنات رياضية وبكل العمليات التابعة لها، وتخصيص حصيلة أعمالها للنهوض بالأنشطة البدنية والرياضية فقط لتعدّ بذلك أهم آليات التمويل العمومي للرياضة بتونس، وتم تنظيم وتسيير الشركة بمقتضى الأمر عدد 1601 لسنة 1993 والمؤرخ في 26 جويلية 1993 والمتعلق بتنظيم وطرق تسيير شركة النهوض بالرياضة وضبط هيكلها التنظيمي في الأمر عدد 834 لسنة 2000 والمؤرخ في 17 أفريل 2000.

لم تصمد الطريقة التقليدية في تعمير القصاصات وتسليمها لنقاط البيع وانتظار المواعيد الأسبوعية لمعرفة النتائج أمام تطور ميدان الرهان الرياضي خاصة على شبكة الأنترنت في ظل وجود عديد المواقع المختصة في الرهان الرياضي على المستوى العالمي والتي يقع فيها المراهنة على كل تفاصيل الألعاب الرياضية بما في ذلك عدد الأهداف والبطاقات الصفراء والحمراء في الشوط الأول أو الشوط الثاني لمباراة في كرة القدم على سبيل المثال بما يعزز حظوظ المراهن في الفوز وتشكلت منظومة رهان موازي.

الفقرة الثانية: الرهان الموازي: منظومة تتشكل داخل القانون وخارجه

تم استغلال تقليدية العمل لدى شركة النهوض بالرياضة عن طريق عدة محلات خاصة انتشرت منذ سنة 2013 تقريبا وتتيح للمتراهنين المشاركة في مراهنات المواقع العالمية عبر توفير إمكانية المراهنة باسم تونسيين مقيمين بالخارج تسمح لهم قوانين الدول الأجنبية بفتح حسابات لدى شركات عالمية في الرهان الرياضي ومن ثم قيام المحلات المنتشرة في كامل تراب الجمهورية حينها باستغلال حساباتهم للرهان بها عبر تقديم الرهانات من قبل التونسيين في الداخل وبأموالهم بطريقة غير مشروعة.

وترافق هذا النوع من الرهانات الرياضية مع عمليات تحيل كبيرة خاصة في ظل رفض أصحاب المحلات دفع الأرباح لأصحابها إذا ما كان العائد المالي كبيرا باعتبار أن لا شيء يثبت قانونا قيام الفائز باسمه شخصيا بعملية الرهان.

ساهم الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم وغض الدولة النظر عن هذا المجال في تطور نشاط الرهان الرياضي الخاص إلى مستوى تأسيس عدة شركات خاصة تنشط وفقا لقانونها الأساسي ونشاطها المعلن لدى مصالح السجل الوطني للمؤسسات في “الخدمات الإعلامية” ظاهريا ولكنها واقعيا تركز نشاطها أساسا في تنظيم رهانات رياضية على شبكة الأنترنت وتؤسس مواقع خاصة بها في مخالفة للقوانين السابق ذكرها.

أفلت مجال الرهان الرياضي تدريجيا من سلطة الاحتكار ما اضطر الدولة للتعامل معه في مرحلة أولى ضمن قانون المالية لسنة 2018 وحاولت بمقتضى الفصل 56 من القانون المذكور إعفاء المبالغ الراجعة للمتراهنين الفائزين في مسابقات التكهنات الرياضية التي تنظمها المؤسسات العمومية من الخصم من المورد التحرري بنسبة 25 بالمائة دعما لقدرة شركة النهوض بالرياضة على منافسة الرهان الرياضي الموازي دون أن تمس بالأرباح المتعلقة بهذه الشركات ومن ثم تم إلغاء هذا المعلوم بمقتضى الفصل 24 من  قانون المالية لسنة 2021 وتم فرض معلوم جديد على منّظمي ألعاب الرهان والحظ الموازي  أي على هذه الشركات الخاصة بنسبة 15 بالمائة لتوظيفه على أساس ناتج الاستغلال الخام وهو الفارق بين قيمة الرهانات وقيمة الأرباح وحاولت شركات الرهان الرياضي الخاصة تثبيت وجودها بالتنظم نقابيا عبر تأسيس المجمع المهني الوطني لشركات الرهان الرياضي والألعاب على الخط بكونفدرالية المؤسسة المواطنة التونسية بتاريخ 23 جوان 2021 وحاولت تثبيت وجودها بعديد البيانات خاصة منها المؤكدة على ضرورة مكافحة الادمان الرياضي والرهانات الرياضية من قبل القصر.

الجزء الثاني: آفاق الرهان الرياضي

لا زال الرهان الرياضي انطلاقا مما سبق بسطه مجال نزاع متواصل بين الدولة والمؤسسات الخاصة تطور إلى حد القيام بحملات أمنية لمقاومة الرهان الموازي وتثبيت احتكار الدولة (الفقرة الأولى) في ظل منظومة قانونية وهيكلية غامضة تحتاج حسما ومزيدا من التطوير (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الرهان الموازي: حملات أمنية لمقاومته وتثبيت لاحتكار الدولة

تمسكت شركة النهوض بالرياضة باحتكارها لهذا الميدان وتدعم موقفها بقرار مجلس المنافسة في 3 أكتوبر 2019 [3] الذي أكدّ على احتكار الشركة لنشاط الرهان الرياضي وعدم جواز ممارسته من قبل شركات خاصة على غرار الشركات الواقع توظيف عليها معاليم جبائية من قبل الدولة كما طالبت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “الهايكا” في قرار لها بتاريخ أوت 2020 القنوات التلفزية والإذاعات بمنع بث ومضات إشهارية تروج لهذه الشركات معتبرا أن الإشهارات المتعلقة بها تعد ترويجا لنشاط مخالف للقانون.

تراجعت الدولة عن توظيف المعاليم الجبائية على ميدان الرهان الرياضي الخاص خاصة في ظل غياب إطار قانوني ينظمه وألغت المعلوم المستوجب على الشركات الممارسة لنشاط الرهان الرياضي بمقتضى قانون المالية لسنة 2023[4] وألغت الخصم من المورد بنسبة 25 بالمائة على أرباح المتراهنين وأرجعت هذه الشركات الناشطة في مجال الخدمات الإعلامية للأداءات الجبائية المعتادة والمتعلقة بالضريبة الدخل أو الضريبة على الشركات ولكل الأداءات والمعاليم المستوجبة طبقا للتشريع الجبائي الجاري به العمل وخاصة منها الأداء على القيمة المضافة.

تزامن هذا التراجع مع اعتراف ضمني باحتكار الدولة لنشاط الرهان الرياضي ومنع الرهان الرياضي الموازي عبر حملات أمنية مكثفة على محلات وصفت بغير القانونية وأحيلت عديد الملفات على القضاء من أجل عدّة جرائم تختلف من وضعية إلى أخرى على غرار جرائم إعداد محل دون رخصة لغاية تعاطي مراهنات غير قانونية ومخالفة قانون الصرف وجرائم غسيل الأموال وحجز جميع المعدات والمبالغ المالية وإتخاذ الإجراءات القانونية ضد أصحاب تلك المحلات[5].

بين هذا وذاك أعلنت شركة النهوض بالرياضة سعيها لتطوير منظومة الرهانات الخاصة بها بتركيز منصة رقمية للرهان الرياضي متعدد الاحتمالات مجددة تأكيدها على أن الرهان الرياضي هو حكر للدولة.

الفقرة الثانية: منظومة قانونية وهيكلية بحاجة للتطوير

يتبين من خلال ما تم تفصيله وأنّ الرهان الرياضي تميزّ مؤخرا بظهور شركات تشتغل في رهانات رياضية موازية وسط غموض قانوني تحت غطاء الشركات الإعلامية الملتزمة بدفع الضريبة والتي أخفت وراءها في بعض الشركات شبكات خطيرة من غسيل الأموال والغش والمراهنات غير الواقعية ولكن كل ذلك لا يجب أن يخفي تقليدية وبطء شركة البرومسبور في تطوير منظومتها الخاصة بالرهان وسط شركات عالمية أصبح الرهان فيها حتى على عدد الركنيات والإنذارات في موقع الكتروني حديث.

ومن المهم ضمانا لغاية شركة النهوض بالرياضة الأساسية في توفير الأموال القادرة على تطوير منظومة الرياضة في تونس خاصة في بينتها التحتية أن يتم الاهتمام بتطوير المؤسسة العمومية بما يسمح بتوفير موارد أكبر خاصة في ظل الإقبال الكثيف على المراهنات الرياضية.

ومن المنتظر في إطار السعي إلى تطوير منظومة الرهان الرياضي العمومي أن تتحول شركة النهوض بالرياضة “البروموسبور” إلى “الشركة التونسية للألعاب” بإضافة ألعاب ورهانات جديدة ومتعددة وفق مشروع أمر حكومي يقترح تأسيس شركة جديدة عوضا عن شركة البرومسبور وهي “الشركة التونسية للألعاب” وضبط مهامها وتنظيمها الإداري والمالي وطرق تسييرها كمنشأة عمومية  ذات صبغة صناعية وتجارية وتخضع لإشراف الوزارة المكلفة بالرياضة وستتولى تنظيم الرهانات الرياضية وألعاب الحظ وكل العمليات التابعة لهما وخاصة تنظيم الألعاب والرهانات ذات السحب المؤجل المادي والافتراضي وعلى الخط وأساسا الرهان التعاوني والرهان متعدد الاحتمالات والألعاب الرقمية وألعاب اللوطو  إلى جانب تنظيم الألعاب والرهانات ذات السحب الحيني المادي والافتراضي وعلى الخط وأساسا الألعاب الحينية وألعاب الكشط.

ومن المهم كذلك الحسم في نشاط الرهان الخاص إما بمنعه بصفة نهائية أو تنظيم المجال بدقة خاصة: “وأنّ فتح مجال الرهان لنشاط الخواص مثلما هو الشأن في عديد البلدان يتطلّب مراجعة التشريع المنطبق وتحديد الضوابط المتعلقة بممارسته.”[6] لإنهاء النزاع المتواصل بين المؤسسة العمومية والمؤسسات الخاصة الناشطة باعتبار “أنّ فقه قضاء مجلس المنافسة استقر على اعتبار أن تنظيم الرهانات الرياضية وألعاب الحظ نشاط تحتكره الدولة كما أدرجت اللجنة التونسية للتحاليل المالية هذا النشاط ضمن قائمة الأنشطة ذات المخاطر المتعلقة بجرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وطالبت وزارة الشباب والرياضة المبادرة باقتراح مشروع إطار قانوني ينظم هذا النشاط ويحدد ضوابطه وشروط ممارسته.”[7]


[1]  نظام شروط إسناد رخصة فتح نقطة بيع بطاقات البروموسبور الواقع ضبطه من قبل شركة النهوض بالرياضة.

[2]  وقعت المصادقة عليه بالقانون عدد 96 لسنة 1974 المؤرخ في 24 أكتوبر 1974 وكما نقح بالقانون عدد 75 لسنة 2004 المؤرخ في 2 أوت 2004.

[3]  قرار مجلس المنافسة عدد 171466 بتاريخ 3 أكتوبر 2019 وجاء في حيثياته:” وحيث يتبين من مجمل النصوص القانونية المذكورة أن المشرع منع وحجّر ممارسة نشاط تنظيم مسابقات التكهنات الرياضية وجعله مجالا تحتكره الدولة بصفة حصرية. وحيث أن تنظيم مسابقات التكهنات الرياضية من طرف الدولة دون غيرها يجد له سندا في القانون والتراتيب الجاري بها العمل فضلا عن أنّ مداخيل هذه المسابقات تحال إلى صندوق أحدث للغرض تتوجه موارده لتمويل أنشطة التجهيز والتنمية الرياضية”

[4]  الفصل 41 من قانون المالية لسنة 2023.

[5] إحصائية لبلاغات وزارة الداخلية: قامت وزارة الداخلية عبر موقعها الرسمي بتنزيل عدة بلاغات حول مداهمتها لمحلات الرهان الرياضي الموازي وحجر المعدات وفتح أبحاث عدلية بلغ عددها 36 بلاغا رسميا من سنة 2017 إلى سنة 2022 (4 بلاغات في سنة 2017 / 22 بلاغ في سنة 2018 / 1 بلاغ في سنة 2019 / 1 بلاغ في سنة 2020 / 1 بلاغ في سنة 2021 / 7 بلاغات في سنة 2022).

[6]  قرار مجلس المنافسة السابق الذكر.

[7]  قانون المالية لسنة 2023، ورد في شرح الأسباب المتعلق بالفصل 41 من القانون في خصوص ملاءمة النظام الجبائي لمؤسسات ألعاب الحظ والرهان عبر الأنترنات مع التشريع الجبائي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر و الطباعة محفوظة لمجلة الميزان
إغلاق