القانون الخاصمقالات الرأي

البغاء العلني في تونس – الاستاذ رمزي محمدي

ينظم البغاء العلني في تونس منذ فترة ما قبل الاستقلال وذلك بموجب القرار المؤرخ في 30 أفريل 1942 المتعلق بتنظيم البغاء العلني الذي يمثل الإطار القانوني الأساسي الذي ينظم البغاء العلني في تونس كممارسة يجيزها القانون ويحدد هذا القرار الموروث عن الحقبة الاستعمارية ضوابط إدارة دور البغاء العلني و شروط ممارسة البغاء بها .

تصنف العاملة في هذا الميدان على أنها ” موظفة مدنية ” تقوم الدولة بمنحها ترخيصا لمزاولة المهنة وتفرض عليها الضرائب لقاء عملها وتمارس الرقابة عليها إذ يتعين على العاملة بالماخور أن تقيم فيه دون أن يكون لها الحق في مغادرته إلا بعد إجازة السلطة في انتهاك صارخ لأبسط الحقوق الإنسانية.
كما تخضع العاملات في بيوت الدعارة للرقابة الصحية الدورية من أجل منع الأمراض المنقولة جنسيا وللإحاطة النفسية والاجتماعية من قبل أطباء تكلفهم وزارة الداخلية ووزارة الصحة العمومية للإشراف على هذه البيوت.
وتنحدر أغلب المومسات من أوساط اجتماعية فقيرة ومهمشة تجبرهن على التوجه إلى سلوك الانحراف الذي قد لا يكون اختيارا تلقائيا وإنما ناتجا عن حالة اغتصاب أو تحرش.


أصبحت ظاهرة البغاء موضوعا لأعمال فنية مسرحية وسينمائية إذ يعتبر فيلم “الزين إلي فيك ” أحدث فيلم حول تجارة الجنس في المغرب للمخرج المغربي نبيل عيوش وقد فاز هذا الفيلم بجائزة في مهرجان كان السينمائي في 2015 وتم منعه من العرض في المغرب وكانت تونس أول دولة عربية تقوم بعرضه في نوفمبر 2015 في أيام قرطاج السينمائية أما “الصابرات ” فهي عنوان آخر مسرحية قام بإنتاجها مركز الفنون الدرامية والركحية بالقيروان في سنة 2015 وهي مسرحية تتناول قضية البغاء وحياة المومسات ويطلق مصطلح ” الصابرة ” على المومس وهو مصطلح ذو جذور صوفية إذ كثيرا ما اقترنت بيوت الدعارة بأسماء أولياء صالحين أمثال “عبد الله قش ” .
و يختلف التعاطي مع ظاهرة البغاء باختلاف المنطلقات التي تتنوع بدورها بين جانب ديني واجتماعي أو جانب سياسي واقتصادي يرتبط ارتباطا وثيقا بظاهرة العولمة والمفهوم النيولبرالي لصناعة البغاء.


1 : البغاء من زاوية دينية واجتماعية :
إن دين الدولة التونسية هو الإسلام وهو دين غالبية المجتمع التونسي وينظر أغلبية المجتمع التونسي إلى قضية الدعارة من هذا الجانب ويعتبرها من المحرمات التي يجب منعها وتشديد العقاب لمرتكبيها فهي من المحرمات بالدين بالضرورة وتنزل بمنزلة الزنا بمفهومه الديني، في الجهة المقابلة و بشكل بات اقل بروز يوجد أصوات تدافع عن هذه الدور.

الحراك الاجتماعي الرافض لدور الدعارة : المرجعية الدينية المحرك :
عرف بعد الثورة أي مع بداية سنة 2011 عدد المواخير العلنية في تونس تقهقرا هاما يعود أساسا لحراك اجتماعي ضد الظاهرة كان في اغلب تمظهراته عنيفا و لم يبق في تونس أي ماخور مفتوح بعد غلق ماخور تونس من قبل بلدية تونس.

انطلقت التظاهرات العدائية للمواخير بالمظاهرة التي نضمها متشددون إسلاميون خلال الشهر الثاني من سنة 2011 أمام وزارة الداخلية التونسية للمطالبة بإغلاق المواخير ورفعت شعار” الشعب يريد إسقاط الماخور “.
و قد تحولت هذه التظاهرة كما التظاهرات المشابهة إلى عملية دهم لدار الدعارة العلنية الأكبر في تونس عبد الله قش خلاله رشقه من قبل المتشددين بالزجاجات الحارقة محاولين إحراقه وهو مسعى أحبطه تدخل رجال الأمن .
معاداة المواخير وجدت صداها في قرار قضائي استعجالي صدر في ذات الفترة عن المحكمة الابتدائية بسوسة أذنت فيه بغلق ماخور سوسة بعد أن طلب الأجوار غلقه لكونه مقلق لراحتهم .
وهذا القرار كان قد سبقه زيارة فريدة من نوعها للداعية البحريني حسن الحسيني وهو رئيس جمعية الخير الإسلامية إلى نفس الماخور وقد قام بتوثيق زيارته في شريط فيديو تحت عنوان “أبكتني زانية ” يظهر الداعية وهو بصدد النقاش مع المومسات ودعوتهم وفق تعبيره ” للطريق السوي ” كما أنه قام بإنشاء حساب مصرفي أسماه ” صندوق مشروع إنقاذ حرائر تونس ” لجمع التبرعات لصالح التونسيات لإنقاذهن من الدعارة.
ويبدو جليا أن التيار الاجتماعي المعارض لوجود المواخير وان كان السلفيون من تزعموه يشهد زخما شعبيا رافضا هو الآخر لكنه في المقابل فإنه خلق ردة فعل مضاد خاصة من قبل النخب التي تعدد دائما الفوائد الإيجابية لهذه البيوت.


إن رفض المجتمع العلني لبيوت الدعارة لا يمكن أن يخفي أن مثل هذه البيوت تشهد ارتيادا من قبل الفئة الشبابية التي تنحدر من أوساط محافظة وذوي إمكانيات مالية محدودة.
كما يعتبر جانب من التونسيين وان كان محدودا أن إخضاع ممارسة الفئتين للجنس في دور الدعارة المراقبة صحيا والمحروسة امنيا يقلل من فرص انتشار الأمراض السارية جنسيا و يمنع تحول الدعارة إلى مدخل للجريمة.


بعض الوجوه الثقافية والإعلامية المعروفة صرحت في عديد المرات بقبولها للبغاء للحد الذي وصل لإعطائه مبررات دينية و ” تحليله ” ومن ذلك موقف المفكر والجامعي التونسي ورئيس الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين محمد الطالبي الذي صرح في مقابلة تلفزية في برنامج ” لمن يجرؤ فقط ” بأنّ : ” البغاء حلال ومهنة كغيرها من المهن ” ويتفق الطالبي في هذا الرأي مع الجامعية ألفة يوسف صاحبة الكتاب المثير للجدل ” حيرة مسلمة ” الذي ناقشت فيه عدة قضايا حساسة مثل قضية تعدد الزوجات واللواط والبغاء والزنا وتستند هذه المواقف في تفسيراتها إلى تعدد الخصائص اللغوية للقرآن الشيء الذي يسمح بقراءات متعددة.
وذات القبول بالبغاء العلني يجد أثره كذلك في المقاربة الاقتصادية للظاهرة.


2 – البغاء من زاوية اقتصادية : صناعة البغاء :
في ظل زمن العولمة لم يعد ينظر إلى البغاء كظاهرة سلبية بل أصبح ” صناعة ومهنة ” وأصبحنا نسمع مرارا مفهوم ” الحق في ممارسة البغاء ” وقد وصل ذلك إلى الحد الذي أصبحت الأفلام البورنوغرافية رمزا للتحرر الجنسي ومصدر رزق للكثيرين ويقدر حجمها بألف مليار دولار سنويا في الوقت الذي سمحت فيه بعض الحكومات الغربية بما يسمى المناطق البغائية الحرة أو مناطق التسامح وصدرت عدة كتب تدعوا للنظر إلى البغاء كمهنة لا كعار مثل كتاب ” الأطفال الضائعون ، جحيم الدعارة ” لعالم الاجتماع الكندي ريشارد بولان .
يؤكد كذلك الصحفي الأمريكي إيريك شلوسر في مقدمة كتابه ” الاقتصاد السفلي ” أن الجنس، وغيره من مصادر الاقتصاد السري، يمثل جزءا حيوياً من أمريكا… دوره لا يقل أهمية عن الدور الذي تلعبه شركات أمريكية عملاقة أخرى، مثل مايكروسوفت وجنرال موتورز، للتحكم في اقتصاديات العالم، فقد صار البورنو أكثر نفوذاً منها مجتمعة ” .
فوفق إحصاءات الأمم المتحدة ينظم لسوق البغاء في كل عام أربعة ملايين شخص أغلبهم من النساء المراهقات ويفوق عدد المومسات في العالم خمسين مليون امرأة ولم تنجح سلسة القوانين والاتفاقيات الدولية والداخلية المتتالية في الحد من هذا العدد بل أصبحت الدعارة التجارة الدولية الثالثة في الممنوعات بعد تجارة المخدرات والأسلحة.
ويدل هذا الانتشار بصفة أساسية على تزايد الانتهاكات التي تسّلط على الحريات الأساسية للإنسان وعلى كرامته خاصة وأن جريمة الاتجار بالبشر والتي تعد الدعارة تمظهرا أساسيا لها ذات خطورة بالغة على المجتمع تجاوزت في نطاقها المجال الوطني الضيق إلى مجال عابر للقارات والدول ولم تفلح الاتفاقيات الدولية المتتالية ولا القوانين الداخلية المانعة لهذه الممارسات من بقاءها وانتشارها حتى في أكثر المجتمعات المحافظة والمتدينة.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر و الطباعة محفوظة لمجلة الميزان
إغلاق