القانون العام

الأطفال في النزاعات المسلحة – الباحثة يسرى العرفاوي

تشكل حقوق الطفل جزءا لا يتجزء من حقوق الإنسان، ورغم ظهور العديد من الإتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 وكذلك العهديين الدوليين لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية الصادر سنة 1966، إلا أن منظمة الأمم المتحدة أفردت الأطفال بإتفاقية دولية خاصة بحقوق الطفل لسنة 11989.وتعد مرحلة الطفولة من أهم مراحل النمو وأكثرها أثرا على حياة الإنسان فالإهتمام بهذه الشريحة هو ضمان لإستمرارية المجتمع وتطوره2. غير أن الظروف الإقتصادية لبعض الدول وإنتشار النزاعات المسلحة قد تتسبب في إنتهاك حقوق أساسية لهذه الفئة المستضعفة من خلال حرمانها من حقها في التعلم أو تشغيلها في سن مبكرة بل وحتى تجنيدها3. وظاهرة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة أصبحت منتشرة وملفتة للنظر في أرجاء عديدة من العالم، حيث يتم إستغلال الأطفال من قبل كيانات حكومية وغير حكومية تجبرهم على المشاركة في الأعمال العدائية بتدريبهم على القتل أو إستخدامهم في نقل المعدات والأسلحة أو تجميع المعلومات عن الخصم مقابل تلبية حاجياتهم الأساسية من ملبس ومأوى وغذاء4.وبناء على ما تقدم فإن التساؤل المطروح يتعلق بمدى نجاعة أحكام القانون الدولي الإنساني في الحد من معاناة الأطفال زمن النزاعات المسلحة (المبحث الأول) إضافة للتساؤل عن الضمانات المكرسة لحظر تجنيد الأطفال في ظل القانون الدولي الإنساني وكذلك في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المبحث الثاني).


المبحث الأولحماية الأطفال في النزاعات المسلحة

تتسبب النزاعات المسلحة5 في تشتيت العائلات وهو ما يجعل الأطفال يعانون من عواقبها فقد يجندون في صفوف القوات المسلحة أو النزاعات المسلحة أو يوضعون رهن الإحتجاز أو يتعرضون للعنف والقتل والإغتصاب6كما تؤثر الحروب على نفسية الأطفال من خلال فقدانهم لأقاربهم، الإنفصال عنهم أو مشاهدتهم لأعمال عنف7.أقر القانون الدولي الإنساني مجموعة من القواعد تحرم الإعتداء على المدنيين من خلال إتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب لسنة 1949 التي تسحب أحكامها على الأطفال بإعتبارهم أشخاص مدنيين (الفقرة الأولى)، كما منح القانون الدولي الإنساني للأطفال حماية خاصة من خلال البروتوكولان الإضافيان لإتفاقية جنيف لسنة 1977 (الفقرة الثانية).


الفقرة الأولى: الحماية العامة للأطفال في القانون الدولي الإنساني

أكد القانون الدولي الإنساني على أن حق الأطراف في إختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا مطلقا بل هومقيد بإحترام حياة الأشخاص المدنيين، وتنفيذا لهذه القاعدة8 تم إقرار عدة مبادئ تحكم سلوك المحاربين من أجل حماية السكان المدنيين نذكر منها:

أ‌)       التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين:

تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية.

ب‌)   حظر مهاجمة السكان المدنيين والأعيان المدنية:

حدد البروتوكول مجموعة من القيود9، والتي يقيد أطراف النزاع في سبيل حماية المدنيين من أثار القتال، فأقر بأنه يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، ويجب لإضفاء فاعلية على هذه الحماية مراعاة القواعد التالية دوما بالإضافة للقواعد الدولية الأخرى القابلة للتطبيق:

–       لا يجوز أن يكون السكان المدنيون محلا للهجوم، وتحظر أعمال العنف أو التهديد، الرامية أساسا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين،

–       يتمتع الأشخاص المدنيون بالحماية التي يوفرها هذا البروتوكول، ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية،

–       حظر الهجمات العشوائية، وهي تلك التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد، والتي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها، ومن ثم فإن من شأنها أن تصيب الأهداف العسكرية أو الأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز. وقد عد البرتوكول الأول من قبيل الهجمات العشوائية:

1.    الهجوم قصفا بالقنابل، أيا كانت الطرق والوسائل التي تعالج عددا من الأهداف العسكرية الواضحة والمتباعدة والمميزة عن بعضها البعض الآخر، والواقعة في مدينة أو بلدة أو قرية أو منطقة أخرى تضم تركزا من المدنيين أو الأعيان المدنية على أنها هدف عسكري واحد.

2.    الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين، أو إصابة بهم، أو إضرارا بالأعيان المدنية. أو أن يحدث خلطا من هذه الخسائر و الأضرار يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.
ت‌)   إتخاذ الإحتياطات اللازمة لتفادي السكان المدنيين أثناء الهجوم:

فرض البروتوكول الأول على كافة الأطراف إتخاذ التدابير الوقائية10 لعدم إصابة السكان المدنيين، فيجب أن تبذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية من أجل تفادي السكان المدنيين والأعيان المدنية. ويجب تجنب إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أوبالقرب منها. أيضا يجب إتخاذ تدابير محددة لحماية المدنيين عند التخطيط للهجوم، أو إتخاذ قرار بشأنه من قبل كل قائد،

–       يجب على القائد أن يبذل ما في طاقته عمليا للتحقق من أن الأهداف المقرر مهاجمتها ليست أشخاصا مدنيين أو أعيانا مدنية وأنها غير مشمولة بعناية خاصة، ولكنها اهداف عسكرية.

–       يجب عليه أن يتخذ جميع الإحتياطات المستطاعة عند تخير وسائل وأساليب الهجوم، من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق إصابة بهم أو الإضرار بالأعيان المدنية بصفة عرضية وحصر ذلك في أضيق نطاق.

–       يجب أن يمتنع عن إتخاذ قرار بشن أي هجوم قد يتوقع منه بصفة عرضية أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق إصابة بهم، أو الإضرار بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطا من هذه الخسائر و الأضرار، مما يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة. كذلك يجب إلغاء أي هجوم يتوافر فيه هذا الحكم.

–       يوجه إنذار مسبق وبوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين، ما لم تحل الظروف دون ذلك.
الفقرة الثانية: الحماية الخاصة للأطفال في القانون الدولي الإنساني

يحتاج الطفل لحمايته بشكل خاص أثناء النزاعات المسلحة وهو ما اعترفت به إتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، بل أن البروتوكول الأول لسنة 1977 قد أضفى حماية خاصة لصالح الأطفال في حالات النزاع المسلح. فتنص المادة 77 على أنه:” يجب أن يكون للأطفال موضوع إحترام خاص، وأن تكفل لهم الحماية ضد أي صورة خدش الحياء، ويجب أن تهئ لهم أطراف النزاع العناية والعون الذين يحتاجون إليهما، سواء بسبب ضغر سنهم، أو لأي سبب آخر“.

وينص البروتوكول الأول في المادة 8 النقطة الأولى على أن حالات الولادة والأطفال حديثي الولادة يصنفون مع الجرحى والمرضى بإعتبارهم فئة تحتاج إلى حماية.وتؤكد الإتفاقية الرابعة في المادة 24 بأن الأطفال يحتاجون إلى رعاية خاصة، حيث تنص على أنه:” لا يجوز أن يترك الأطفال دون الخامسة عشرة الذين تيتموا أو فصلوا عن عائلاتهم بسبب الحرب لأنفسهم، وأنه ينبغي تسهيل إعاشتهم وممارسة عقائدهم الدينية وتعليمهم في جميع الأحوال“.

وقد أقر القانون الدولي الإنساني بوجوب إتخاذ إجراءات خاصة لأجل إغاثة الأطفال (أ)، وجمع شمل الأسر التي تشتت بسبب الحرب(ب)، وكذلك إجلاء الأطفال من المناطق المحاصرة أو المطوقة(ج).

أ‌)       إغاثة الأطفال11:

تقر إتفاقية جنيف الرابعة على ضرورة السماح بحرية المرور لجميع إرسالات الإمداد الطبية ومهمات المستشفيات المرسلة للمدنيين، حتى ولو كاونا من الأعداء وكذلك حرية مرور جميع الإرسالات الضرورية من المواد الغذائية والملابس والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة والنساء الحوامل وحالات الولادة. وتنص الإتفاقية أيضا على أن:” تصرف للحوامل والمرضعات والأطفال دون الخامسة عشرة، أغذية إضافية تتناسب مع إحتياجات أجسامهم”. وينص البروتوكول الأول على إعطاء أولوية للأطفال وحالات الوضع لدى توزيع إرساليات الغوث.

ب‌)  جمع شمل الأسر المشتتة:

تبدأ أشد أنواع المعاناة التي تخلفها الحروب والتي يعيشها الإنسان في أعماق قلبه، عندما يتعرض أفراد العائلة الواحدة للإنفصال والتي تثير الشكوك حول مصير أفراد العائلة والتي فرقتهم الحرب، وبالأخص الأطفال الذين إنفصلوا عن ذويهم12 والقانون الدولي الإنساني يعترف بأهمية الأسرة، ويسعى جاهدا لصيانة الوحدة العائلية خلال النزاعات، وتأكيدا لذلك ينص البروتوكول الأول لسنة 1977 على أن :” من حق كل أسرة في معرفة مصير أفرادها هو الحافز الأساسي لنشاط كل من الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع، والمنظمات الإنسانية الدولية، والوارد ذكرها في الإتفاقيات وفي هذا البروتوكول13“.وتنص الإتفاقية الرابعة  في المادة 49 على أنه في حالة قيام دولة الإحتلال بإخلاء جزئي لمنطقة معينة، فعليها أن تضمن عدم التفريق بين أفراد العائلة الواحدة. ويضيف البروتوكول الأول إلى هذه الفكرة مزيدا من التطوير، فتنص المادة 75 في النقطة 5 على أنه:” في حالة القبض على الأسر وإعتقالها أو إحتجازها يجب-قدر الإمكان- أن يوفر لها كوحدات عائلية مأوى واحد”. ويقضي البروتوكول الأول كذلك بضرورة بذل الجهود بكل طريقة ممكنة، لتسير جمع شمل الأسر التي شتتها المنازعات الدولية. وفيما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية، ينص البروتوكول الثاني في المادة 4 النقطة 3 (ب) على ضرورة إتخاذ جميع الخطوات المناسبة لتسهيل جمع شمل الأسر التي تشتت لفتر مؤقتة.وتؤكد الإتفاقية الرابعة على أهمية الرسائل العائلية14 عن طريق السماح لجميع الأشخاص المحميين المقيمين في أراضي أحد أطراف النزاع، أو في أراضي محتلة بإعطاء الأنباء ذات الصبغة الشخصية البحتة إلى أفراد عائلتهم أينما كانوا، وأن يتسلموا أخبارهم. وتسلم هذه المكاتبات بسرعة وبدون تأخير، كما تلزم الإتفاقية أطراف النزاع عند نشوب أي نزاع، وفي جميع حالات الإحتلال بأن تنشا مكتبا رسميا للإستعلامات يكون مسؤولا عن تلقي ونقل المعلومات الخاصة بالأشخاص المحميين الذين تحت سلتها. وتنص الإتففاقية الرابعة على إنشاء مركز إستعلامات رئيس للأشخاص المحميين في دولة محايدة، ليجمع كافة المعلومات المذكورة قيما يتعلق بمكتب الإستعلامات الرسمي.

ج) إجلاء الأطفال من المناطق المحاصرة أو المطوقة:

تناولت إتفاقية جنيف الرابعة موضوع إجلاء الطفال أثناء النزاعات المسلحة كضمانة أساسية لحماية الأطفال من أخطار الحرب، فنصت على أن :” يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال والنساء النفاس، من المناطق المحاصرة او المطوقة، ولمرور رجال جميع الأديان، وأفراد الخدمات الطبية والمهمات الطبية إلى هذه المناطق15“.وأضاف البروتوكول الأول مزيدا من التفصيل على موضوع إجلاء الأطفال، حيث قرر قيام أحد أطراف النزاع بإجلاء الأطفال من غير رعاياها إلى بلد أجنبي لا يجوز أن يكون دائما، ولكن يمكن أن يتم بصورة مؤقتة إذا إقتضت ذلك أسباب قهرية تتعلق بصحة الطفل أو علاجه الطبي، أو سلامته مما قد يصيبه من أذى لوجوده في إفليم محتل. ويشترط الحصول على موافقة كتابية على هذا الإجلاء من آباء الأطفال أو أوليائهم الشرعيين إذا كانوا موجودين، وفي حالة تعذر العثور على الآباء أو الأولياء الشرعيين يلزم الحصول على موافقة كتابية على هذا الإجلاء من الأشخاص المسؤوليين بصفة اساسية بحكم القانون او العرف عن رعاية هؤلاء الأطفال. وتتولى الدولة الحامية الإشراف على هذا الإجلاء، بالاتفاق مع الأطراف المعنية، أي الطرف الذي ينظم الإجلاء، والطرف الذي يستضيف الأطفال، والأطراف الذين يجري إجلاء رعاياهم. ويتخذ جميع أطراف النزاع، في كل حالة على حدة، كافة الاحتياطات الممكنة لتجنب تعريض هذا الإجلاء للخطر16.

وقد تحدث ممثل اللجنة الدولية في إجتماع لجنة الصياغة عند وضع هذه المادة شارحا وجهة نظره بقوله:”…إن مبدأ المرشد هو أن الإجلاء يجب أن يكون الإستثناء، ولهذا الإجراء شرطان أساسيان، أوله ما أن تكون الحالة الصحية للطفل هي التي تبرر إجلاءه، ويعني ذلك أن العناية الطبية اللازمة لشفاء الطفل أو التسهيل نقاهته لا يمكن توفيرها في بلده الأصلي، وينبغي بقدر الإمكان ألا ينتقل الأطفال بدون ضرورة من بيئتهم الطبيعية، نظرا لآن مثل هذا النقل ربما يكون مفيدا من الناحية الطبية، ولكنه غالبا ما يخلف آثارا نفسية غير مرغوبة. أما الشرط الثاني فهو موافقة الوالين أو ولي الأمر، وغن كان إخفاء الزتلدين أو ولي المر أو عدم العثور عليهم سيلغي هذا الشرط، زلن يحول دون إجلاء يبرره الشرط الأول17“. ولتسهيل عودتهم فقد ألزم القانون الدولي الإنساني الطرف الذي نظم الإجلاء بإعداد بطاقة لكل طفل18.يولي المجتمع الدولي إهتمام كبير بمسألة حماية الأطفال خلال النزاعات المسلحة نظرا لتفشي ظاهرة إستخدامهم ضمن القوات المسلحة الحكومية وغير الحكومية خلال مختلف الحروب التي شهدها العالم خلال الحربيين العالميتين الأولى والثانية وحتى الحروب الحديثة19.فما هي أحكام القانون الدولي التي نصت على مكافحة ظاهرة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة وتجريم الأفعال المرتكبة ضدهم ومعاقبة مرتكبيها؟


المبحث الثاني: التعامل الدولي في قضية تجنيد الأطفال

إعتمدت منظمة الأمم المتحدة بروتوكولا إختياريا20 ألحق بالإتفاقية الدولية لحقوق الطفل21 يتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وتشير الفقرة الخامسة من ديباجته إلى دور المحكمة الجنائية الدولية في مكافحة أعمال تجنيد الأطفال خلال النزاعات المسلحة وهذا على أساس كونها جريمة حرب تدخل ضمن إختصاصها بموجب النظام الأساسي(الفقرة الثانية)، إضافة لحظر تجنيد الأطفال ضمن البروتوكوليين الإضافيين لإتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 (الفقرة الأولى)


الفقرة الأولى: حظر تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة

نص البروتوكولان على حظر تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة وإشراكهم في الأعمال العدائية، وإشترط البروتوكول الأول في حالة التجنيد العسكري للأطفال الذين بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا بعد الثامنة عشرة في النزاعات الدولية المسلحة، إعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنا22.وتضمن إتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي كاد أن يكون التصديق عليها عالميا، سن الخامسة عشرة كحد أدنى، وأضيف بروتوكول إختياري إلى هذه الإتفاقية في ماي 2000 رفع سن التجنيد الإجباري إلى الثامنة عشرة ودعا الدول إلى رفع الحد الأدنى للتجنيد الطوعي إلى ما يزيد على 15 سنة. وشدد على أن الجماعات المسلحة لا ينبغي لها أن تستخدم الأطفال دون سن الثامنة عشرة في أي حال من الأحوال ودعا الدول إلى معاقبة هذه الممارسات جنائيا.غير أن المجتمع الدولي لم يعترف بعد سن الثامنة عشرة كحد أدنى عالمي. وتمارس اللجنة الدولية وشركاؤها في حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الضغوط اللازمة لإعتماد هذا الحد من خلال تطوير كلا من القانون الدولي والقانون الوطني.ويتزايد عدد الأطفال المنخرطين طوعا أو المجندين قسرا في المجموعات المسلحة بإطراد في النزاعات الراهنة23 رغما عن القانون الدولي الإنساني الذي يقضي بأنه:” يجب على أطراف النزاع إتخاذ كافة التدابير المستطاعة التي تكفل عدم إشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف، بوجه خاص، أن تمتنع عن تجنيد هؤلاء الأطفال الصغار في قواتها المسلحة”.إن الأطفال الذين يشاركون في الأعمال العدائية لا يعرضون حياتهم للخطر فحسب، وإنما يشكل سلوكهم خطرا أيضا على المحيطين بهم. ويعد البروتوكول الإضافي الثاني إلى إتفاقية جنيف (الفقرة 3 د من المادة الرابعة) أكثر صرامة من البروتوكول الأول، وهو ينطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية. وينص البروتوكول الثاني على أن الأطفال دون الخامسة عشرة الذين يشاركون في الأعمال العدائية بصورة مباشرة يظلون يتمتعون بالحماية الخاصة التي يكفلها القانون الدولي الإنساني.


الفقرة الثانية: دور المحكمة الجنائية الدولية

يفهم من خلال ما ورد في نص المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة بأن اعمال التجنيد توصف بكونها جرائم حرب إذا وقعت خلال نزاع مسلح. ويمكن تأكيد ذلك من خلال تعريف جرائم الحرب المعتمد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث تشير الفقرة الثانية من المادة 8 منه بأن هذه الجرائم تشمل الإنتهاكات الجسيمة لإتفاقيات جنيف لسنة 1949 وللقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة الدولية، كما تشمل أيضا الإنتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين إتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والتي ترتكب خلال النزاعات المسلحة غير الدولية.إن عدم إلتزام الدول بأحكام البروتوكول الإضافي الثاني الملحق بإتفاقية الطفل لسنة 1949 لا يشكل خرقا لأحكام النظام الأساسي للمحكمة إذا لم تشارك في نزاع مسلح، ولا تثبت أية مسؤولية للأشخاص المسؤولين عن ذلك أمام المحكمة، وينطبق هذا التفسير حتى على القوات غير النظامية التي لم تدخل بعد في نزاع مسلح ضد القوات النظامية، أي لا يعد تجنيد الأطفال جريمة حرب تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية إلا إذا تم إستخدامهم خلال نزاع مسلح، وتشكل كل هذه الحدود قيودا على إختصاص المحكمة.ويتم تحريك إختصاص المحكمة الجنائية الدولية للنظر في جريمة تجنيد الأطفال بوصفها جرائم الحرب من قبل ثلاثة جهات محددة على سبيل الحصر، وهي الدول الأطراف والمدعي العام من جهة، ولكونهم لهم سلطة الإحالة القانونية ومجلس الأمن من جهة أخرى، بصفته جهاز خارجي له صلاحيات الإحالة أمام المحكمة إستنادا للفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة24.وضعت المادة 13 من النظام الأساسي نظام خاص للإحالة الصادرة من قبل الدول الأطراف والمدعي العام للمحكمة من تلقاء نفسه، حيث لا يمكن للمحكمة ان تمارس إختصاصها بالنظر في جريمة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة إلا بتوفر الشروط المحددة في الفقرة الثانية من المادة 12 من نظامها الأساسي، وتتمثل هذه الشروط في وقوع الجريمة على إقليم دولة طرف أو إرتكابها من قبل أحد رعايا الدول الأطراف، وبالتالي لا يجوز للمحكمة أن تمارس إختصاصاتها بالنظر في جريمة تجنيد الأطفال خلال  نزاع مسلح إلا إذا كانت واحدة أو أكثر من الدول النامية المعنية بتلك الحالة أطرافا في نظامها الأساسي، وهو الشرط التقليدي المتعامل به في القضاء الدولي في مواجهة الدول. وبالتالي لا تخضع الدول غير الأطراف في النظام الأساسي إلى أحكام هذا النظام، لأن القاعدة العامة في اقانون الدولي تقضي بأن المعاهدة لا تسري إلا على الدول الأطراف فيها، أي لا تستطيع المحكمة ممارسة إختصاصها وسلطاتها على أقاليم ورعايا هذه الدول إلا إذا أعلنت موافقتها على ذلك.أكدت اللجنة الدولية للصليب الحمر، في التقرير الذي قدمته اما اللجنة التحضيرية، أن ربط إختصاص المحكمة الجنائية الدولية بشرط إعلان قبول الدول إختصاصها يجعل تحركها للقيام بمهامها جد صعب، وقد يتحول إلزاما إلى إختصاص  إختياري، مثلما هومعمول به في ظل محكمة العدل الدولية25.في المقابل منحت الدول المشاركة في مؤتمر روما إمتيازا خاصا لمجلس الأمن لتحريك إختصاص المحكمة الجنائية الدولية وذلك بموجب الفقرة “ب” من المادة 13 من النظام الأساسي، وتستند هذه السلطة إلى أحكام الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، ولكن يختلف محتواها عن السلطة الخاصة بتحريك الدعوى من أحد الدول الأطراف أو من المدعي العام. ويظهر ذلك  جليا فيما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 12 من النظام الأساسي، والتي تنص على أنه في حالة ما إذا أحيلت الحالة من مجلس الأمن، فإن المحكمة تصبح غير مقيدة بشروط المقبولية الواردة في نظامها الأساسي، لأن النص ينطبق على الحالات التي تحال من طرف الدول الأطراف أومن المدعي العام.ولكن تقف الإعتبارات السياسية بين أعضاء مجلس الأمن عائقا كبيرا في وجه الآليات القانونية الفعلية التي يوفرها النظام الأساسي للمحكمة لمصلحة المجلس، وهو ما ينعكس سلبيا على فعالية ممارسة المحكمة ومدعيها العام لإختصاصاتهما في قمع أعمال تجنيد الأطفال خلال النزاعات المسلحة، ويظهر ذلك جليا من خلال تأخره عن إحالة قضية دارفور، وتغاضيه عن إحالة قضايا أخرى إلى المحكمة، على غرارا الجرائم التي أرتكبتها القوات الإسرائيلية ضد أهالي غزة في الآراضي الفلسطينية المحتلة أو المرتكبة في النزاع الداخلي المسلح بسوريا، على أساس إحتلالها للأراضي الفلسطينية يعد جريمة حرب، وهو ما دفع بها إلى رفض الموافقة على هذا النظام الأساسي26.تقرر المحكمة متابعة مرتكبي أعمال تجنيد الأطفال بعدما تظهر التحقيقات الأولية التي يجريها المدعي العام عن نزاع مسلح بأن قوات نظامية أو غير نظامية تكون مسؤولة عن إنضمام أطفال ضمن صفوفها أو تقوم بإعدادهم لأشراكهم خلال أعمال حربية، ومباشرة بعد ذلك تقوم المحكمة بإتخاذ الإجراءات الازمة لإحالة الأشخاص المسؤولين عن ذلك أمامها وتقوم بمحكامتهم ومعاقبتهم وفقا لأحكام نظامها الأساسي27.

المراجع

ميثاق دولي يحدد حقوق الطفال المدنية والساياسية والإقتصادية والثقافية، وهو ميثاق مشتمل على 54 مادة، تراقب تنفيذ الإتفاقية لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة المكونة من أعضاء من مختلف دول العالم.

أنظرإفتتاحية مجلة جيل حقوق الإنسان، العام الثاني-العدد5- ديسمبر 2014- ص 7. 

http://jilrc-magazines.com/5 /أنظر المرجع سابق الذكر، ص 7

.أنظر محمد النادي، الأطفال الجنود في ظل القانون الدولي الإنساني، مقال منشور عن مركز دراسات الوحدة العربية/ الأطفال-الجنود-في-ظل-القانون-الدولي

 يّميز القانون الإنساني الدولي بين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. إذ تُعرّف النزاعات الدولية في المادة 2 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لسنة  1949 بأنها:”جميع حالات الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة [أي الدول]، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب. تنطبق الاتفاقية أيضاً في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة”. النزاعات المسلحة غير الدولية فتُعرّف في المادة 1 من البروتوكول الإضافي الثاني، والذي طوّر وكمّل المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، بأنها: “جميع النزاعات المسلحة … التي تدور على أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى تمارس، تحت قيادة مسؤولة، السيطرة على جزء من إقليمه بحيث يمكنها ذلك القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة،…”.

أنظر مقال أ. قادة عافية، “الطفل المجند وإشكالية نفاذية إتفاقيات القانون الدولي الإنساني” مجلة جيل حقوق الإنسان، العدد5، ديسمبر 2014 ، ص 94

7 أنظر مقال أ.قادة عافية، مرجع سابق الذكر، ص 94

.8 أنظر المادة 48 من البرتوكول الأول الإضافي لسنة 1977.أنظر المادة 50 من البروتوكول الأول الإضافي لسنة 1977

10 أنظر المادة 57 من البروتوكول الأول الإضافي لسنة .

197711 أنظر المادة 23 من إتفاقية جنيف لسنة 1949

12 أنظر مقال أ.قادة عافية، مرجع سابق الذكر ص101

.13 أنظر المادة 32 من البروتوكول الأول الإضافي لسنة 1977

14 أنظر المادة عدد 107، 113، 125 من إتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949

15 انظر المادة 17 من إتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1977

.16 أنظر الفصل 78 نقطة اولى من البروتوكول الإضافي لسنة 1977

17 أنظر مقال أ. قادة عافية، مرجع سابق الذكر، ص102

.18 ذكرت المادة 78 نقطة ُثالثة من البروتوكول الأول الإضافي لسنة 1977 المعلومات التي تتضمنها بطاقة كل طفل، فنصت على أن تتضمن كل بطاقة المعلومات التالية كلما تيسر ذلك وحيثما لا يترتب عليه مجازفة بإيذاء الطفل(لقب أو ألقاب الطفل،إسم الطفل أو أسماؤه،نوع الطفل،محل تاريخ الميلاد،أو السن التقريبي إذا كان تاريخ الميلاد غير معروف، إسم الأب بالكامل، إسم الأم ولقبها قبل الزواج إن وجد، إسم أقرب الناس إلى الطفل، جنسية الطفل، لغة الطفل الوطنية، أية لغات أخرى يتكلم بها الطفل، عنوان الطفل، أي رقم لهويته، حالة الطفل الصحية، فصيلة دم الطفل، الملامح المميزة للطفل، تاريخ ومكان العثور على الطفل، تاريخ ومكان مغادرة الطفل البلد، ديانة الطفل إن عرفت، العنوان الحالي للطفل في الدولة المضيفة، تاريخ ومكان وملابسات الوفاة ومكان الدفن في حالة وفاة الطفل قبل عودته).

19 أنظر مقال د. عبد الوهاب شيتر،” دور المحكمة الجنائية الدولية في مكافحة جريمة تجنيد الأطفال خلال النزاعات المسلحة”، مجلة جيل حقوق الإنسان، العدد5، ديسمبر 2014، ص 108

.20 صدر بموجب قرار الجمعية العامة بتاريخ 25 ماي 2000 ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 23 فيفري 2002

21 أعتمدت من قبل منظمة الأمم المتحدة سنة 1989 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 2 سبتمبر 1990

.22 تنص المادة 77 نقطة ثانية من البروتوكول الأول الإضافي لسنة 1977 على أنه:” يجب على أطراف النزاع إتخاذ التدابير المستطاعة، التي تكفل عدم إشراك الأطفال الذي لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الطراف بوجه خاص، أن تمتنع عن تجنيد هؤلاء الصغار في قواتها المسلحة. ويجب على أطراف النزاع في حالة تجنيد هؤلاء ممن بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا بعد الثامنة عشرة ان تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنا”.

23 جاء في تقرير لليونيسف صادر سنة 1989 إكتشاف اكثر من عشرين دولة تسمح بإشراك الأطفال في ما بين سن العاشرة والثامنة عشرة، وربما في سن أقل من ذلك، في التدريب العسكري، والأنشطة غير الرسمية المتصلة بالحروب الأهلية، وفي حروب التحرير. وتتفاقم هذه الظاهرة في مناطق النزاع في إفريقيا وآسيا وامريكيا اللاتينية.

 24 للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 5 وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:(أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت؛(ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت؛(ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقا للمادة

15.25 أنظر بيان اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى اللجنة التحضيرية الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، الصادر بتاريخ 28 أكتوبر 1996 خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة الواحدة والخمسين، المنشورات الرسمية للصليب الأحمر،www.icrc.org/ara/resources/documents/misc/57jna9/ht

26 أنظر مقال د. عبد الوهاب شيتر،مرجع سابق الذكر، ص 116

.27 أحيلت رسميالا قضية جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من قبل حكومة هذه الدولة بتاريخ 19 أفريل 2004 وطلب منه التحقيق إذا كانت الجرائم المرتكبة في هذا الإقليم منذ نفاذ نظام روما الأساسي في أول من جويلية 2002. وبتاريخ 23 جوان 2004 وبعد إجراء تحليل دقيق للوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وخاصة في المنطقة الشرقية من إيتوري، أعلن المدعي العام قراره فتح التحقيق الأول للمحكمة الجنائية الدولية، وطلب على إثره القبض على ثلاثة أشخاص لهم علاقة مباشرة بتجنيد الأطفال في النزاع المسلح بجمهورية الكونغو الديمقراطية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر و الطباعة محفوظة لمجلة الميزان
إغلاق