القانون الجزائيالقانون الخاصالقانون الدستوريالقانون العامحقوق الإنسان والحريات العامة

مبدأ العلنية في المحاكمة العادلة – ابتسام الخزري

      تعتبر العدالة من أكثر المواضيع قداسة وشيوعا في السلوك الاجتماعي، فهي كانت ولا تزال مطمح الشعوب في كل العصور، حيث لا يستطيع أي مجتمع أن يصل إلى درجة الإشباع في تحقيق العدل لأنه لا يوجد حد نهائي للعدالة[1].

     وبهذا المعنى تكون العدالة هي الخير الأسمى التي تهدف إلى تحقيق المساواة بين الأفراد، فهي نقيض المظالم التي يمكن أن تكون تسويتها مرتبطة بانتهاكات سلوكية، لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله عز وجل “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا…” ويقول عبد الرحمان بن خلدون في الفصل الثالث والأربعين من كتابه العبر والمبتدأ والخبر “أن العدل أساس العمران والظلم مؤذن بخراب العمران”.

ولضمان العدل بين الناس اعتبر القضاء الألية المثلى لأنه وجد ليحكم بالحق، وقول الحق هو في الحقيقة نقيض الظلم والفساد والتعدي على الآخرين[2]، فهو القادر وفق القانون على صيانة الحقوق والحريات وفض النزاعات والخصومات ومنع التعدي على الذمم، فكلما تعقدت حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية وتداخلت حقوقهم، تعمقت الحاجة إلى قضاء متطور وفعال لكي يستوعب هذه المتغيرات والتطورات وحتى لا تكون هذه الأخيرة وسيلة أو مبرر لتضييع الحقوق والحريات[3].

ولقد اعتنت الشريعة الإسلامية بصفات القضاء باعتباره المؤتمن على تطبيق القانون حيث جاء في رسالة رد بها الإمام حسن البصري إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في صفة الإمام العادل “اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ومنصف كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف …”[4] ولا ينسى قولة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما تولى الخلافة وكان له القضاء يخاطب رعيته “ألا إن أقواكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه وأضعفكم عندي قوي حتى آخذ الحق له”[5].

 ولا جدال أن المحاكمة العادلة هي الوسيلة المثلى لضمان العدل بين الناس، فالمحاكمة لغة: اسم مشتق من حكم، يحكم، تحكيما أي استوجب فيما جناه، وهي المخاصمة إلى الحكام، واحتكموا إلى الحكام وتحاكموا بمعنى قولهم في المثل “في بيته يؤتى الحكم…” والمحاكمة في البعد الإجرائي هي مجموعة من الإجراءات التي تبدأ بتكليف المدعي بالحضور أما المحكمة المختصة وتنتهي المحاكمة بإصدار حكم فاصل في النزاع موضوع الخصومة جائز لقوة الشيء المقضي به[6].

والعدالة[7] مشتقة من العدل وهو ضد الجور “وهذا الذي لا يميل عن الهوى فيجور في الحكم والحكم بالحق”، كما يعني العدل أيضا ما قام في النفوس أنه مستقيما[8]، وتفيد الإنصاف وهو شعور كامن في النفس يوحي به الضمير النقي ويكشف عنه العقل السليم وتستلهم منها مجموعة القواعد تعرف باسم العدالة مرجعها المثل عليا التي تهدف إلى خير الإنسانية بما توحي به من حلول منصفة ومساواة واقعية تقوم على مراعاة ظروف الناس، فالعدالة القانونية تتمثل في تطبيق القانون على جميع الناس بالتساوي يظهر الإنصاف وكأنه في مستوى العدل الطبيعي[9].

أمّا اصطلاحا فإن المحاكمة العادلة لم يقع تعريفها من قبل واضعي المواثيق الدولية والدساتير الوطنية بل وقعت الإشارة إلى المعايير التي تنبني عليها المحاكمة العادلة فهي من الحقوق الأساسية للإنسان ومفهومها مرتبط حسب العديد من شراح القانون بفكرة الضمانات الأساسية للقضاء السليم التي ترمي إلى تحقيق المثل الأعلى للعدالة[10] ولا يأتي ذلك إلا بتحقيق التوازن والمساواة بين الأطراف أثناء المحاكمة[11].

ولقد شهدت المحاكمة العادلة مفاهيم حديثة تعكس أهمية السلطة القضائية أو ارتقائها في علاقتها بالتنفيذية والتشريعية وهي قضية عادلة تعكس معنى الإنصاف في القضاء[12].

فقد جاء في المفهوم الواسع أن المحاكمة العادلة تتضمن ثلاث آليات وهي الحق في إلتماس القضاء والحق في عدالة طيبة بما في ذلك التنظيم القضائي وضمانات الإجراءات المتبعة والحق في تنفيذ الأحكام[13].

أما المفهوم الضيق للمحاكمة العادلة فيحمل إلى ضمانات سير القضية لا غير أي المتبعة أمام المحكمة فيدخل في ذلك حق الدفاع (أي الإطلاع والمساواة والمواجهة بين الخصوم) وواجب المحكمة في التدقيق في وسائل الإثبات وعدم الخطأ[14].

وهناك من يعتبر أنه لا يمكن تحديد مفهوم المحاكمة العادلة إلا عبر إبراز مدى علاقتها ببعض المفاهيم المشابهة له كالمحاكمة القانونية والمحاكمة المنصفة[15].

إذ تعد المحاكمة القانونية من الشروط الأساسية للمحاكمة العادلة، حيث تستوجب تشكيل المحكمة التي ستنظر في القضية والفصل فيها تشكيلا قانونيا، فالضمان الأساسي للمحاكمة العادلة ألّا تصدر عن مؤسسات سياسية بل بواسطة محاكم مختصة ومستقلة ومشكلة وفق القانون

أما المحاكمة المنصفة فتعتبر من أهم معايير المحاكمة العادلة وجوهرها تقوم على مبدأ المساواة وتكافئ الفرص بين طرفي الدعوى أي مبدأ المساواة بين الدفاع والإدعاء وأن يعاملا على قدم المساواة من الناحية الإجرائية[16].

   كما عرّف الأستاذ محمد الحبيب الشريف المحاكمة العادلة بصورة إجمالية في توفير ما يكفي من الضمانات القانونية الإجرائية لكل فرد يجد نفسه أمام السلطة القضائية حتى يكون القرار المتخذ في شأنه أقرب ما يمكن من العدل والإنصاف[17].

    إنّ المحاكمة العادلة لا تتحقّق إلا إذا احترمت فيها القواعد الإجرائيّة التي سنّها المشرّع، فالشّكل توأم الحريّة كما قال عنها أحد فلاسفة الثورة الفرنسية ihering “أنّ الشّكل عدو لدود للحيف وهو الأخت التّوأم للحريّة”[18]، فهي التي تضمن حماية حقوق وحريّات الأطراف وضمان وصول الحق لمستحقّه[19]، ومن بين هذه الإجراءات أقر المشرع مبدأ العلنية  التي تعتبر أحد ضمانات المحاكمة العادلة بحيث أنّ الطّابع العلني يمثّل وسيلة رقابة لفاعليّة العدالة حيث يقول الأستاذ رؤوف عبيد أنّ حضور الجمهور يجعل منه رقيبا على عدالة إجراءات المحكمة، كما يقول أحد الفقهاء الأنقلوسكسونين بأنّ القضاة الانقليز كانوا أفضل قضاة العالم لأنّهم كانوا أفضل الخاضعين للعلنيّة[20].

  فليس المقصود منها أن تجري المحاكمة في حضور الخصوم فهذا أمر لازم وإنّما المقصود منها أن تكون قاعة الجلسة مفتوحة لمن شاء من الجمهور حضورها والعلة وراء تقرير العلنيّة للجمهور على هذا النحو هي إقامة رقيبا على أعمال السّلطة القضائيّة ممّا يدفعها أكثر إلى وضعيّة الحياد ويدعم بذلك ثقة الناس فيها[21]. لذلك حرصت التشريعات القديمة والحديثة على التأكيد على أهميّتها[22]، كما عملت جلّ الاتفاقيّات الدولية على إقرارها ولعلّ أبرزها المادة 14 من العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة[23]، كما أوردت المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نفس المبدأ “لكلّ إنسان الحقّ على قدم المساواة التامّة مع الآخرين في أن تنظر قضيّته أمام محكمة مستقلّة ونزيهة نظرا عادلا علنيّا …”.

  ولم يخالف المشرّع التّشريعات الدوليّة بل سار في ركابها وجعل لعلنيّة المحاكمة قيمة دستوريّة حيث نصّ الفصل 124من دستور 2022[24]في فقرته الثالثة “جلسات المحاكم علنيّة إلا إذا اقتضى القانون سيرتها ولا يكون التصريح بالحكم إلا في جلسة علنية”. وقد سبق لمجلة المرافعات المدنية والتجارية أن نصّت عليه بالفصل 117منها على أنه “تكون المرافعات علنيّة إلا إذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب النيابة العموميّة أو أحد الخصوم إجراءها سرّا محافظة على النظام العام أو مراعاة للآداب أو لحرمة الأسرة”. كما جاء بالفصل 121 منها أنه “ولا تكون لهذه اللاّئحة (الحكم) صبغتها النهائيّة إلا بعد النّطق بها بحلسة علنيّة يحضرها جميع القضاة الذين أمضوها “[25].

فرض القانون أن تكون المحاكمة خاضعة لرقابة الجمهور حتى يطمئنّ الكافّة لعدالة محاكمتها وذلك لما تثيره هذه المرحلة من مخاوف لدى المتقاضي، فقد تؤدي في بعض الأحيان إلى هدر بعض الحقوق أو يمكن أن تؤدي إلى فقدان المتقاضي في حريّته ولذلك حرص على تحصينها بجملة الإجراءات لضمان عدالتها حيث فرض أن تكون جلساتها علنيّة (الجزء الأول) وأن يكون التّصريح بالحكم علنيّا (الجزء الثاني).

الجزء الأول: علنيّة جلسات المحاكم

   ينبغي في البداية بيان المقصود من لفظ “جلسات” فهي المكان الذي تنعقد فيه المحكمة وتباشر النظر للقضايا المطروحة عليها فعلا، ومعنى الجلسة الإصطلاحي ينصرف إلى فترة الواقعة بين بداية عمل القاضي ونهايته[26].

   وتعتبر العلنيّة من الضّمانات الأساسيّة للمحاكمة العادلة فيه ضمانة نفسيّة لدى المتقاضي وتحقّق العلنيّة كذلك مصلحة المجتمع لأنّها تحقّق رقابة الرأي العام على المحاكمة، ونظرا لأهميّة العلنيّة في ضمان المحاكمة العادلة فقد نظّمها المشرّع فجعل منها مبدأ (أ) لكن ذلك لم يمنعه من وضع بعض الاستثناءات (ب).

أ- المبدأ: علنيّة الجلسات

    لقد حظيت الجلسات باهتمام كبير على مستوى جميع التشريعات الدوليّة والوطنيّة كما سبق بيانها حيث جاءت مؤيّدة ومؤكّدة على أنّ المبدأ هو أن تكون جلسات المحاكمة علنيّة أي أن يتمّ فصل النّزاع في إطار إجراءات علنيّة، ولا ترتبط العلنيّة بطبيعة النّزاع الخاصة، وإنّما بضمانات عدالة القضاء وأمانته ونزاهته، فحضور العموم مجالس القضاء يضمن التزام القاضي والأطراف بضمانات المحاكمة العادلة وبقواعد الإجراءات وبشرعيّتها[27].

   ولا يتحقّق ذلك إلاّ بفتح أبواب قاعة المحاكمة أمام الجمهور لمشاهدة ما يدور بالجلسة فلا يكفي مجرّد حضور الخصوم ومحاميهم أو أقاربهم بل تفترض دائما حضور عنصر أجنبيّ عن الدّعوى إذ أنّ الهدف من ذلك هو اشتراك الجمهور في المسائل التي تهمّ الرّأي العام وتمكينهم من الاطّلاع عليها[28]. فعلنية الجلسات تقتضي في التطبيق بإبقاء أبواب قاعات المحاكم مفتوحة لعامة الناس حتى يتمكنوا من الحضور دون تمييز وعلى قدم المساواة[29]، وبالقدر الذي تتسع له قاعة المحكمة وبالقدر الذي لا يخل بسير المرافعات[30]، وذلك حتى يراقبوا حسن سير العدالة ويدفعوا القضاة لإلتزام العدل في الفصل في النزاعات، فقد اعتبر جانب من الفقه الفرنسي أن علنية الجلسات من ضمانات حق الدفاع والمحاكمة العادلة لأنها تمكن الرأي العام من مراقبة سير القضاء وتحمي المتقاضي من كل تعسف، بل وقد اعتبر جانب آخر أن العلنية هي الضمانة الوحيدة ضدّ التسلّط[31]. وكذلك الشأن بالنسبة إلى فقه القضاء التونسي الذي حرص على احترام المبدأ في العديد من القرارات التعقيبية حيث اعتبرت في قرار لها أن “الأصل في جلسات القضاء علنية ويحمل الأمر عليها عند عدم التعرض لذلك إلى أن يثبت العكس”[32].

   لكن، حضور العامة بالجلسة ليس مطلقا إذ يعرف بعض الاستثناءات حيث يمكن أن تضطر في بعض القضايا إلى إخراج كل طرف كان محل إزعاج أو تشويش يعطل سير المحاكمة[33]، كما يمكن لها غلق أبواب القاعة بعد امتلائها درئ للضجيج وتحسبا لما يمكن أن يعطل سير إجراءات المحاكمة[34].

   وإضافة إلى تتحقق علنية المحاكمة بحضور الجمهور، فقد اعتبر الفقهاء أن شفوية المرافعة هي ضمانة أخرى للعلنية والتي تقتضي تقديم جواب الخصوم عن الدعوى وكذلك طلباتهم ودفوعهم ووسائل إثباتهم باعتماد الكلام وليس كتابة حتى يمكن القاضي من تكوّن قناعته ويجعله آخذ بعين الاعتبار رقابة العامة لمدى احترامه لسيادة القانون وحرصه على تحقيق العدالة[35].

   حيث تعتبر المرافعة التعبير الأبرز والأوضح للعلنية لأنها حق إجرائي أساسي تضمن رقابة الجمهور على عدالة القضاء، وذلك من خلال جلسة الحوار التي يسمح فيها للمحامين بالمرافعة الشفوية في حدود ما تضمنته ملحوظاته الكتابية[36] من خلال توضيح ما يشوب التقارير الكتابية من غموض وتكريس العلنية، فهذه الأخيرة تكون بلا معنى إذا اكتفى الأطراف أو المحامون بتبادل التقارير، لأن حضور الجمهور في هذه الحالة لن يحقق الغرض المرجوّ منه أي مراقبة شفاهية المحكمة مما يؤثر على مبدأ العلنية وذلك من خلال الاكتفاء بتبادل التقارير بين المحامين، وهو ما يبرز على المستوى العملي خاصة مع غياب الخصوم والمحامين واكتفائهم بتقديم تقاريرهم عن طريق زميل لهم يكون موجودا بقاعة الجلسة.

   كما يجوز للخصوم والشهود والخبراء بالتصريح بالمشافهة إذا لم تجد المحكمة بالملف الإيضاحات الكافية يمكنها الإذن بإحضار الشهود أو الخبراء بالجلسة الذين ترى منفعة في سماع شهادتهم[37]، على أنه يجوز للمحكمة أن تحجر عليهم ذلك إذا رأت من شدة تأثيرهم أو عدم تجربتهم ما يمنعهم من المناقشة في القضية باللياقة المطلوبة بصورة كافية لإنارة المحكمة[38].

     إضافة إلى شفوية المرافعات فتقتضي علنية الجلسات أن يسمح بإشهار ونشر ما ورد فيها من مرافعات دون قيد وبأية وسيلة كانت وخاصة منها المصّورة عن طريق الصحافة والإعلام لما لها من أثر في توسيع نطاق العلنية لتشمل غير الحاضرين لدى المحكمة[39].

    لكن عرف هذا المبدأ استثناءات حيث يمكن أن يكون النشر سبب يمس من الحقوق المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد وسمعتهم ولعل ذلك السبب الذي جعل المشرع يتدخل بموجب مرسوم عدد 115 لسنة 2011 مؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الصحافة والنشر[40] لمنع نشر ما يتم من إجراءات داخل المحاكم بأية وسيلة كانت، حيث نص الفصل 62 أنه “يحجر التناول الإعلامي… بقضايا ثبوت النسب والطلاق والإجهاض، ولا ينطبق هذا التحجير على الأحكام التي يجوز في كل وقت نشرها بإذن من السلطة القضائية…” وقد جعل المشرع المنع مطلقا بالنسبة للجرائم الاغتصاب أو التحرش الجنسي ضد القصّر حسب الفصل 60 من نفس المرسوم.

  كما حجّر الفصل 62 في فقرته الأخيرة “أثناء المرافعات وداخل قاعات جلسات المحاكم استعمال آلات التصوير الشمسي أو الهواتف الجوالة أو التسجيل السمعي أو السمعي البصري أو أي وسيلة أخرى إلا إذا صدرت في ذلك رخصة من السلطة القضائية ذات النظر”. وقد جعل المشرع جميع المخالفات جرائم لها عقوبات جزائية مناسبة[41].

 ويستنتج، أن الأصل هو النشر دون إذن من المحكمة، والمنع هو الاستثناء أي أنه يمكن للمحكمة أن تأذن بعدم النّشر. وبالتالي يعتبر مبدأ العلنيّة للجلسات العنصر الفعّال لضمان المحاكمة العادلة لأنّها تحقّق احترام حقوق المتقاضين وتحميها بجعلها تحت رقابة الجمهور. وعلى الرغم من قيمتها في ضمان المحاكمة العادلة فإنّ إطلاقها قد يؤدي إلى الإضرار بحقوق أخرى حجب عليها المشرّع العلانيّة وألزمها بالسريّة.

ب-الاستثناء: سرية جلسات المحاكمة

     إنّ العلنيّة وإن كانت أحد أهمّ ضمانات المحاكمة العادلة فإنّ إطلاقها دون قيود قد يؤدي إلى المساس بسمعة الخصوم وبأسرار حياتهم الخاصّة المحميّة دستوريّا. كما يمكن أن يكون لها مساس بالنّظام العام والأخلاق الحميدة[42]، ولعلّ ذلك ما عناه الفصل 124 من الدستور من خلال ما نصّ عليه “إلاّ إذا اقتضى القانون سريّتها”.

    وبالرجوع إلى النّصوص القانونيّة المنظّمة للعلنيّة فقد نصّ الفصل 117 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية أنّ المرافعات تكون علنيّة إلا إذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب النيابة العمومية أو أحد الخصوم إجراءها سرّا محافظة على النظام العام أو مراعاة للآداب أو لحرمة الأسرة[43].                                              كما وردت بعض الفصول الخاصّة التي أوجب أن تكون جلسات المحاكمة سرية ومنها الفصل 96 من مجلة الطفل وكذلك الفصل 60 و62 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 سالف الذّكر.

     ويفهم من هذه الفصول أنّ المشرّع حجب العلنية لأسباب التي تقتضي فيها سريّة الإجراءات أو الجلسات والتي يمكن تقسيمها إلى حجب قضائي للعلنية لأسباب عامة تدخل ضمن السلطة التقديرية للمحكمة وتكون فيها السريّة اختيارية (1) وحجب قانوني لأسباب خاصة تكون فيها السريّة وجوبيّة (2).

1-الحجب القضائي للعلنية الجلسات

    هي استثناءات اختياريّة لأنّ المشرّع يعطي للمحكمة السلطة التقديريّة في تقرير سرية الجلسات، سواء كان بطلب من قبل النيابة العموميّة أو مباشرة من تلقاء نفسها، أو بطلب من أحد الخصوم[44]،  وهي التي نصّ عليها المشرّع بالفصلين 117 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية و143 من مجلة الإجراءات الجزائية والتي تكون فيها جلسات المحاكم سرية للمحافظة على النظام العام وكذلك مراعاة للأخلاق الحميدة.

ــ سرية المحاكمة للمحافظة على النظام العام.

    لقد أقرّ المشرّع سرية المحاكمة التي يكون موضوعها متعلّق بالنظام العام دون بيان مدلولها أو نطاقها ولقد اختلف الفقهاء في تحديد مفهومه وهذا راجع إلى اتّساع مضمونه وشمول نطاقه، حيث عرّفه الفقهاء أنه “مجموعة الشّروط اللاّزمة للأمن العام والتي لا غنى عنها لتحقيق علاقات سليمة بين المواطنين والتي تهدف إلى ضمان الأمن العام والصحة العامة والسّكينة العامة[45].

   وبالتالي يعتبر النظام العام من الأسباب العامة التي تستوعب قدرا لا محدودا من الحالات، حيث يمكن أن تتجسد في الجرائم الماسة بالأمن ومثال ذلك الجرائم الارهابيّة حيث جاء بالفصل 73 من قانون عدد 26 لسنة 2015[46] في فقرته الرابعة أنه “وفي الحالات الاستثنائية وعند وجود خطر حقيقي قد ينجم عن المحاكمة العلنية، يمكن للجهة القضائية المتعهدة أن تقرر من تلقاء نفسها أو بطلب من ممثل النيابة العمومية أو بناء على طلب كل من له مصلحة في ذلك إجراء الجلسات بصورة سرية”. وكذلك جرائم التّآمر على أمن الدولة حيث يخشى ما يمكن أن تسبّبه العلنيّة في إفشاء أسرار تتعلّق بأمن الدولة[47].

  أو في صورة تهديد المصلحة العامة مثل ما حصل منذ بداية انتشار فيروس كورونا “كوفيد 19” من شهر مارس 2020 حيث يقع إخلاء القاعدة من الحضور ولا يبقى فيها سوى الهيئة القضائية والخصوم والمحامين. كما يمكن للمحكمة الإذن بإجراء سريّة الجلسات مراعاة للأخلاق.

ـ سرية الجلسات مراعاة للأخلاق الحميدة

   لم يحدد المشرّع الصور التي يمكن أن تخلّ بالأخلاق الحميدة للأفراد وتركها لتقدير المحكمة التي يمكن لها أن تأذن بإجراء المحاكمة بصفة سرية لما يمكن أن يمسّ هذا النّوع من القضايا من السمعة أو الكرامة والشّرف ويخدش الحياء العام. بالتالي تكون من مصلحة المتضّرر أو المتّهم الماثل أمام القضاء أن تعقد جلسة في كنف السريّة وذلك حتى يتسنّى له الإدلاء ما له من وسائل إثبات للوصول إلى الحقيقة دون إنتهاك خصوصيّته[48]، ودون خوف من إفشاء تفاصيل قد تضرّ بسمعته وكرامته بحضور الجمهور والاطّلاع عليها (مثال ذلك الجرائم الأخلاقيّة كالمراودة، الزنا، جرائم الاغتصاب …). فيكون في هذا النوع من الجرائم علنيّة الجلسات غير مفيدة ولا تحقّق الغرض منها، فقد تضرّ بمصلحة المتقاضي وحقوقه الأساسيّة وتضر بالأخلاق والآداب العامة[49].

   وفي جميع هذه الصور فإنّه على المحكمة عند اتّخاذها القرار بسريّة المحاكمة أن تنصّ على هذا الإجراء بمحضر الجلسة وأن يكون قرارها معلّلا بأسباب اتّخاذها لقرار عقد الجلسات بصفة سريّة خاصة أنّ القرار يمكن أن يكون عرضة للنقض باعتباره يخضع لنظر محكمة التّعقيب التي تتشدد في مراقبة وجاهة تسبّبه، اعتبارا وأنّ السريّة تبقى استثناء على أصل العلنيّة فلا يجوز التوسّع فيه

  إضافة إلى الاستثناءات الاختيارية المتعلّقة بالنظام العام والأخلاق الحميدة لإجراء سريّة الجلسات. ولئن كانت هذه هي الاستثناءات والعلنية هي المبدأ فإنّ هناك بعض النّزاعات نظرا لخصوصيّتها قلبت المفاهيم وجعلت من السريّة هي المبدأ غير قابل للاستثناء[50]. والتي يمكن اعتبارها استثناءات وجوبيّة.

2- الحجب القانوني لعلنية الجلسات  

     يشمل هذا النوع الحالات التي أوجب فيها المشرع سريّة المحاكمة بدون أن يترك أيّ سلطة تقديريّة للقاضي في ذلك[51]. ويجد هذا الاستثناء مبرّره في وجود مصالح خاصة أحوج بالحماية من تلك التي تحميها العلنية في الجلسات. من هذه الحالات صورة محاكمة الأطفال الجانحين وكذلك صورة محاكمة عون أمن مباشر.

ـ في صورة محاكمة الأطفال الجانحين

    وهي التي نصّ عليها الفصل 58 من مجلة حماية الطفولة الذي جاء فيه أنه “يتولى قاضي الأسرة سماع الطفل ووليّه أو حاضنه أو مقدمه أو كافله ويتلقى ملاحظات ممثّل النيابة العموميّة ومندوب حماية الطفولة وعند الاقتضاء محاميه ويمكن له أن يقرّر إجراء المرافعات دون حضور الطفل مراعاة لمصلحة”.

   وكذلك نص الفصل 96 من نفس المجلة في فقرة ثانية “ولا يمكن أن يحضر الجلسة إلا شهود القضية وأقارب الطفل أو مقدمه أو نائبه الشرعي أو حاضنه أو من اعتمده من الرشداء أو الخبراء أو المحامين أو ممثّلو المصالح أو ممثّلو المؤسّسات المهتمّة بالطفل ومندوبو الحرية المحروسة “.

  يستنتج من خلال هذين الفصلين أنّ المشرّع أوجب أن تكون الجلسات في قضايا الأطفال الجانحين سريّة حيث لا يمكن لغير من عدّدهم الفصل حضور جلسات المحاكمة وترجع الغاية الأساسية من إقرار هذه السرية إلى حرص المشرّع على حماية الحياة الخاصة للطفل وعائلته.

  ولضمان فعالية هذه الحماية حجّر المشرّع صلب الفصلين 120 و121 مجلة حقوق الطفل نشر ملخّص المرافعات والقرارات الصادرة عن الهيئات القضائية المتعلقة بالطفل والتي من شأنها النيل من شرفه أو سمعته أو شرف عائلته وسمعتها وكذلك حرمته الشخصية[52].

    وقد رتّب المشرع لكل ما يخالف هذا التحجير عقابا بالسجن يتراوح بين 16 يوما وعاما وبخطية تتراوح بين 100 و1000 دينار أو بإحدى العقوبتين. وكما يعاقب بنفس العقوبة كلّ من نال أو حاول أن ينال من الحياة الخاصة للطفل سواء كان ذلك بنشر أو ترويج أخبار تتعلق بما يدور بالجلسات التي تعالج فيها قضايا الأطفال وذلك بواسطة الكتب أو الصحافة أو الإذاعة أو التلفزة أو السينما أو بأية وسيلة أخرى أو بنشر أو ترويج نصوص أو صور من شأنها أن تطلع على هويّة الطفل متّهما أو متضرّرا[53].

  ولقد توسع المشرع في تحجير النشر بالمرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بالصحافة والطباعة والنشر حيث نص الفصل 60 أنه “يعاقب بالسجن من عام إلى 3 أعوام وبخطية من ثلاث آلاف إلى خمسة آلاف دينار كل من يتولى نقل معلومات عن جرائم الاغتصاب أو التحرّش الجنسي ضدّ القصر بأيّ وسيلة كانت متعمدا ذكر اسم الضحية أو تسريب أية معلومات قد تسمح بالتعرف عليها”.

 ويتضح مما سبق أن إقرار السرية كمبدأ لمحاكمة الطفل من شأنه حماية الطفل من كلّ ما يهدّد حياته الخاصة من جهة، كما يساعد القضاء على التدخل بصفة ناجعة تفاديا لكل ما من شأنه أن يعطّل سير العدالة في الوصول إلى أهدافها في ضمان الحماية، ذلك أن علنية الجلسات لا تتلاءم مع مصلحة الطفل فتكون السرية سبب من أسباب الحماية.

ـ في صورة محاكمة عون الأمن المباشر

   نصّ الفصل 22 من القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 6 أوت 1982 والمتعلّق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي[54] أنه “تحال على محاكم الحق ذات النظر في القضايا التي يكون فيها أعوان قوات الأمن الداخلي طرفا فيها من أجل واقعة حدثت في نطاق مباشرة العمل أو لها علاقة بممارسة وظائفهم وليس لها مساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي ولا يحفظ النظام في الطريق العام والمحلات العمومية والخاصة وذلك أثناء أو إثر الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر وتلتئم وجوبا الدائرة القضائية في جلسة مغلقة لمحاكمة عون الأمن الداخلي.

  وعلى هذا الأساس تكون صفة بعض الأطراف الماثلين أمام المحكمة حاسمة في تقرير سرية الجلسات وذلك حرصا من المشرع على حماية سلك الأمن الوطني وحفاظا على أسرار هو على هيبة الدولة من أي رد فعل قد يصدر عن الرأي العام، بالتالي فإن خصوصية الجرائم التي يمكن أن يرتكبها عون الأمن المباشر هي التي فرضية سرية الجلسات[55].

  كما جاء بالفصل 40 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية أنه “يحق للمحكمة أن تقرر إجراءها أي المحكمة بشكل سري وفقا للقانون العام أو في كل مرة ترى أنّ في العلنية ما يمس بمصلحة الجيش” كما جاء بالفقرة 2 أنه “للمحكمة العسكرية أن تحجر نشر وقائع الجلسات أو ملخّص عنها إذا رأت القضية تستوجب مثل هذا التدبير”.

  ويستخلص من ذلك أنه مهما اختلفت صور استثناءات علنية الجلسات فإنه لا يجب التوسّع فيها حتى لا تكون السرية ستارا وراء إدانات ظالمة وانتهاك لحقوق المتقاضي. فالقاعدة الأصولية تقتضي بأنّ الاستثناءات يقدر بقدره ولا يتوسّع في أمره فمتى انتفى مبرر السرية ينبغي على المحكمة العودة بالجلسة إلى العلنيّة.

   وعموما، فإن كان علنيّة المحاكمة مقيّدة ببعض الاستثناءات فإنّ التّصريح بالحكم لا يمكن بأيّ حال من الأحوال ألا تكون علنيّة.

الفقرة الثانية: علنية التصريح بالحكم

    إن التصريح العلني بالأحكام هو امتداد لمبدأ علنيّة الجلسات وهو التّكريس العملي لشفافية العمل القضائي باعتبار أنّ هذه الأخيرة لن تجد طريقها إلى التّفعيل على أرض الواقع ما لم يقع التصريح بالحكم بصفة علنيّة، لذلك تقتضي العلنية أن يصرّح بالحكم نهاية بجلسة علنية مهما كانت طبيعة الحكم.  وأصبح لهذا الحق قيمة دستورية ومن مقومات المحاكمة العادلة حيث نص الفصل 108 في فقرته الأخيرة أنه “لا يكون التصريح بالحكم إلا في جلسة علنيّة”.

  كما نصّت عليها العديد من الاتفاقيّات والمعاهدات الدولية سالفة الذكر في إطار ضمان المحاكمة العادلة ومن بينها ما نصت عليه المادة 14 فقرة أولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966 ” … إلا أن أي حكم في قضية جزائية أو دعوى مدنية يجب أن يصدر بصورة علنية “، وهو ما نصت عليه مجلة المرافعات المدنية والتجارية في فصلها 121 أنه “تحرّر لائحة في نص الحكم ومستنداته يمضيها قضاة المتفاوضون ولا تكون لهذه اللاّئحة صبغتها النهائية إلا بعد النطق بها بجلسة علنية يحضرها جميع القضاة الذين أمضوها”[56].      

  واعتبارا لأهميّة علنيّة الأحكام كعنصر فعّال في ضمان المحاكمة العادلة وشفافية العمل القضائي جعل المشرع يفرض شروط لضمانها وهي شروط تتعلق ما قبل النطق بالحكم (أ) وشروط أخرى بعد التصريح بالحكم (ب).

     اقتضى المشرع ألا يكون التصريح العلني بالحكم إلا بعد توفر جملة من الشروط التالية:

1ـ لا يكون التصريح بالحكم إلا بعد المفاوضة

     فالمفاوضة هو التفكير في الحكم من قبل القاضي الفرد أو تبادل الرأي فيما بين القضاة[57] حيث نص الفصل 120 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية أنه “يصدر الحكم من ثلاثة قضاة بأكثرية الآراء ويطلب الرئيس من القاضيين رأيهما مبتدئا بأحدثهما عملا ويبدي رأيه أخيرا، وإذا تكوّن أكثر من رأيين فإن القاضي الأحدث عملا ملزم بالانضمام لأحد الرأيين الذين أبداهما زميلاه”.

     ويجب أن تكون المفاوضة سرية دون أن يحرّر فيها أثر كتابي ولا يشارك فيها غير القضاة الذين تلقوا المرافعة[58]. ومقتضى هذه السرية أنه لا يجوز إفشاء سرّها من القضاة الذين شاركوا فيها لأن ذلك يعتبر إخلال بالوظيفة القضائية التي يمكن أن تعرض صاحبها للمساءلة التأديبيّة[59].

2ـ تحرير لائحة الحكم

     نص الفصل 121 المذكورة “عندما تحصل الأغلبية تحرر لائحة في نص الحكم ومستنداته يمضيها القضاة المتفاوضون”، ويتبين من هذا الفصل أن لائحة الحكم هي مشروع الحكم الذي يحرّر على إثر تحصيل الأغلبية مباشرة أثناء المفاوضة أي بإجماع القضاة الحاضرين بالمفاوضة. ويتمّ تحريرها طبق القانون وإمضاءها من قبل القضاة الذين حضروا المرافعة وشاركوا بالمفاوضة، فإذا تعذر على أحد القضاة لمانع شرعي حضور التصريح بالحكم بعد تمام المفاوضة وإمضاء لائحة الحكم فإنه يقع التصريح بالحكم بمحضر القاضيين الباقيين[60]، وإذا لم يقع إمضاءها (لائحة الحكم) من قبل أحد القضاة المتغيب وكان السبب زوال صفته فإنه يجب إعادة الترافع في القضية من جديد[61].

     بالتالي فإن لائحة الحكم هي صيغة الحكم أي محضر جلسة الحكم ومستنده المضمن بمحضر الجلسة[62]، والتي يشترط فيها كذلك أن تتضمن المستندات الواقعية والقانونية[63] أي تعليل المحكمة لنص الحكم قبل تحريره وهي كذلك “المبررات القانونية والواقعية التي اعتمدتها المحكمة توصلا لنص الحكم”[64]، وتصاغ في لائحة الحكم بوضوح باعتبار أن الصيغة في لائحة الحكم تعدّ من الإجراءات الأساسيّة التي ينجر عن مخالفتها البطلان على معنى الفصل 14 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية، وبذلك فإن عدم تحرير لائحة الحكم ومستنداته وإيداعها بملف القضية حتى يتسنى للأطراف الإطلاع عليها دون أن تسلم نسخة منها يكون عرضة للإبطال[65].

   ولا تكون لهذه اللائحة صبغتها النهائية إلا بعد التصريح بها بجلسة علنية وبتوفر الشروط يكون الحكم حاضر للنطق به بصفة علنية.

3ـ التصريح بالحكم بجلسة علنية

     جاء الفصل 121 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية أنه “لا تكون لهذه اللائحة صبغتها النهائية إلا بعد النطق بها بجلسة علنيّة يحضرها القضاة الذين أمضوها “.

     يتبيّن من هذا الفصل أهمية التصريح بالحكم بجلسة علنية حيث لا تكون للائحة صبغة نهائية إلا بعد النطق بها بجلسة علنيّة يحضرها جميع القضاة الذين أمضوها وإذا تعذّر على أحد القضاة حضور جلسة التصريح بالحكم بعد تمام المفاوضة وإمضاء لائحة الحكم لمانع شرعي فإنه يقع التصريح بالحكم بمحضر القاضيين الباقيين[66]، وهو ما أكده فقه القضاء أنه “إذا تعذر على أحدهم الإمضاء بعد التصريح بالحكم فيقع إمضاؤها من طرف من بقي منهم وينص على ذلك التعذّر”[67].

    ولإشتراط المشرع حضور القضاة والإمضاء على لائحة الحكم دلالة أنّ الحكم قد صدر عن الهيئة الحاضرة روية وتفكير[68] وحسب ما انتهى إليه اجتهادهم[69] وللتأكيد على اقتناعها بما أصدرت فتحوز الأحكام بالاحترام[70]، كما يمكن للمحكمة أعلى درجة مراقبة ما إذا كانوا قد حضروا وتلقوا المرافعة أم لا، ويمكّن كذلك الخصم من التجريح في القاضي إذا ما عيّن للنّظر في ذات النّزاع أمام هيئة أعلى درجة[71].

   وبذلك تمثل العلنية شرط أساسي لا يقبل الاستثناء في التصريح بالحكم وهو شرط يهمّ النّظام العام ومخالفته موجبة لبطلان الحكم، وتأكيدا على أهميته وضمانا لشفافية العمل القضائي فإنه عادة ما يقع التنصيص في ديباجة الحكم على أن النطق به كان في جلسة علنيّة[72]، غير أنه وفي بعض الحالات تكتفي المحاكم بتعليق نسخة من منطوق الحكم بكتابة المحكمة ليطلع عليه أطراف النزاع أو نوابهم، وهو ما يمثل خرقا واضحا لعلنية الأحكام وللمحاكمة العادلة[73]

 بالتالي فعلنيّة التّصريح بالحكم يجب احترامها تحقيقا للغاية التي كرست من أجلها في إطار ضمان المحاكمة العادلة، ولقد فرض المشرع شروط بعد التصريح بالحكم لضمان علنيته وحتى يتمكن كافة الجمهور من الاطلاع عليه بما يضمن المحاكمة العادلة.

    بعد التصريح بالحكم بجلسة علنية تحرر نسخة أصلية له (1) كما استوجب القانون أن يكون الحكم معلّلا بالشكل الكافي حتى يتمكن الكافة من مراقبة مدى عدالة الأحكام (2)

1ـ تحرير الحكم

    نص الفصل 122 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية أنه “يجب تحرير نسخة أصلية للحكم طبق موجبات الفصل 123 في أقرب أجل وعلى كلّ حال ينبغي أن لا يتجاوز هذا الأجل عشرة أيّام من تاريخ صدوره.

   ويقصد بالنسخة الأصلية للحكم، الوثيقة أو الحجة المتضمّنة لتلخيص الحكم وهي ليست لائحة الحكم المتمثّلة في محضر جلسة الحكم[74].

     ولقد اقتضى الفصل 122 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية  أن يتضمن الحكم البيانات المنصوص عليها بالفصل 123 من المجلة المذكورة، أي بيان المحكمة التي أصدرته وأسماء وصفات ومقرات الخصوم، موضوع الدعوى وملخص مقالات الخصوم والمستندات الواقعية والقانونية، نص الحكم وتاريخ صدوره وأسماء الحكام الصادر عنهم وبيان درجة الحكم وتحرير مجموع المصاريف إن أمكن ذلك “، وهي تنصيصات وجوبيّة، وقد درج فقه القضاء على فرض احترام هذه التّنصيصات لما لها من أهميّة في مراقبة عمل المحاكم من قبل المحاكم أعلى درجة والمجتمع عامة، كما أنّها تعتبر شرط لصحّتها والإخلال بها يؤدي إلى نقضها[75].

   كما أوجب الفصل 122 أن يتمّ إمضاءها من طرف القضاة الذين أصدروا الحكم وإذا تعذر إمضاء أحدهم بعد التصريح به، يمضيها من بقي منهم وينصّ على ذلك العذر المانع للإمضاء[76]، على أن الإخلال به يهم النظام العام وقواعد الإجراءات الأساسية وللمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها[77]، وقد اعتبر فقه القضاء في هذا الإطار أنّ سلامة الأحكام وصحّتها يهمّ النظام ويحقّ للمحكمة إثارته ولو لأول مرة لدى هذا الطور[78].

   يعد نص الحكم من البيانات الوجوبية وهي أهم أجزاء الحكم وبه تتحدد حقوق الخصوم المحكوم بها وهو الذي يحوز على الحجية ويطعن فيه المحكوم عليه، حيث يكون الحكم باطلا إذا خلا من المنطوق أو جاء منطوقه متناقضا ولا يستقيم أجزاؤه أو مبهما[79].

  لذلك يمثل تحرير الأحكام وفق ما حدّده الفصل 123 والفصل 122 أهمية كبرى في ضمان علنية الحكم ولرقابة أعمال المحكمة وحسن تطبيقها للقانون، لكن لا يمكن إدراك عادلة أحكامها وصحة تطبيقها للقانون إلا من خلال تعليل أحكامها.

2- حسن تعليل الأحكام

     يعتبر تعليل الأحكام أو تسببها من “أهم الضمانات التي فرضها القانون على القضاة لتحقيق المحاكمة العادلة”[80]. حيث أنّ جميع ضمانات المحاكمة العادلة لا دليل على احترامها إلا أسباب الأحكام التي تكشف عن مدى التزام المحكمة بمراعاة هذه الضمانات، والمقصود بالتسبيب أو التّعليل وهو التعرّض للأسانيد الواقعيّة والقانونية التي على أساسها صدر الحكم[81]، ويقصد به كذلك “بيان الأدلة التي استند عليها الحكم والحجج والأسباب ونصه ومستنده الشرعي[82].

   ولتعليل الأحكام أهميّة كبرى فهو من أشقّ المهام، لأنّ تحرير الحكم وبيان أسبابه يتطلّب من القاضي إبراز قناعته بما انتهى إليه وإقناع الآخرين وكلّ من يتولى الاطّلاع على الحكم بقصد مراقبته[83]، كما يمكنهم من إقناعهم بصحة وعدالة الحكم ويدفعهم للثقة بأن الحكم لم يكن وليد أهواء وأغراض وإنما صدر بعد بحث واستنتاج وتمحيص للوقائع، كما يمكّن الخصوم من معرفة العيوب التي شابت الحكم مما يمكنهم من استخدام حق الدفاع والطعن فيه[84].

 ولهذا أكد المشرع على واجب تعليل الأحكام الفصل 123 خامسا من مجلة المرافعات المدنية والتجارية الذي جاء فيه أنه “يجب أن يضمن كل حكم … المستندات الواقعية والقانونية ” وكذلك بالفصل 168 رابعا وخامسا مجلة الإجراءات الجزائية[85]

  كما أكد الفقه بأن التعليل يضمن “عدم القضاء على هوى أو ميل شخصي من جانب القاضي، ويلعب دورا هاما في إقناع الرأي العام بعدالة القضاء وأن يخلق أثر نفسيّا هامّا بالنّسبة للخصوم[86]“، كما أنه “يعدّ أهم شرط من شروط صحته ولا شكّ أنّ التّعليل الذي هو بيان لوجهة نظر المحكمة ولموقفها الذي استقرّت عليه لتبرير نتيجة حكمها”[87].

 وقد جاء في قرار لمحكمة التعقيب أن “تعليل الأحكام وتسبّبها أمر واجب لصحّتها ولا يكون ذلك تعليلا قانونيّا ومستساغا إلا إذا كان شاملا لكامل عناصر القضيّة دون إغفال لأيّ عنصر منها ومجيبا على كافة الدفوعات الجوهريّة التي لها تأثير على وجه الفصل”[88].

  بالتالي يتمثّل التّعليل في سرد وقائع الدعوى وملاحظات الخصوم دون خطأ أو تحريف وبيان ثبوتها من عدمه، ويتمّ تكييف الوقائع لتطبيق القاعدة القانونية الصحيحة التي يراها منطبقة على وقائع الدعوى ولا يتقيّد بالقاعدة التي يتمسّك بها الخصوم[89]، وهو ما يعبر عنه في الحكم بالمستندات القانونية والواقعيّة التي انبنى عليها الحكم[90] .

  بالنسبة للأسانيد الواقعيّة: فهي الوقائع والأدلة التي يستند إليها الحكم في تقرير وجود أو عدم وجود واقعة أساسيّة للحكم، لذلك يجب عرض وقائع الخصوم وطلباتهم وأدلتهم ودفوعهم ويجب أن تسرد كاملة ويبحث مع الردّ عليها بدقة لبيان الصحيح منها والمعتمد كأساس للحكم، فإذا لم يتمّ ذلك كان الحكم قاصرا في أسبابه وعرضة للإلغاء عن طريق الطّعن[91]، وهو ما أكّده فقه القضاء أنه “يجب أن يكون التعليل مبنيّا على أسباب واضحة وشاملة لكلّ الرّدود والدّفوع الجوهريّة المثارة أمام المحكمة والتي لها تأثير واضح على وجه الفصل في القضيّة وإذا خلا الحكم من ذلك التسبّب كان مستهدفا للوهن والضعف المؤدي إلى نقضه “[92]

  كما يجب أن تكون الأسباب تتعلّق بجوهر النّزاع ولا يتمّ ذكر الأسباب حول مسألة هامشيّة فإنّه يكون حكمها قاصرا على التعليل ومعرّض للنّقض[93]. وقد أكدت محكمة التعقيب في قرارها المذكور آنفا[94] “أنه يشترط أن يكون التّعليل مستساغا بها له أصل ثابت بأوراق القضيّة ومستمدّ منها ويتماشى والمنطق القانوني السّليم لكي تتمكّن محكمة التّعقيب من القيام بواجبها في مراقبة سلامة التّعليل وتماسكه والنّتائج القانونيّة المستخلصة فيه في إطار حسن تطبيق القانون ومبادئ العدالة”.

   أما بالنّسبة للأسانيد القانونيّة: فيقصد به الحجّة التي أسّست عليها المحكمة حكمها بعد تكييف الوقائع وتحديده للنصّ القانوني المنطبق[95]. فمتى تأكدت المحكمة إلى أن الواقعة ثابتة يتعيّن عليها تكييفها على ضوء النص أو القاعدة القانونية الواجبة التطبيق على الواقعة، فتحديد النصّ القانوني المنطبق من البيانات الجوهريّة التي يجب توفّرها بالحكم والذي يقضي على المحكمة تحديده على نحو صريح وواضح لكن لا يمنع ذلك من الإشارة إليه بصفة ضمنيّة حيث استقرّ الاجتهاد القضائي على عدم نقل الحكم للنصّ القانونيّ حرفيّا وإنّما الاكتفاء إمّا برقمه أو ما جاء فيه بصورة إجماليّة[96].

  كما اعتبر فقه القضاء أنّ ذلك لا يعدّ قصورا في أسباب الحكم وإنّما لتمكين محكمة التّعقيب من أداء دورها الرقابيّ على الأحكام من حيث التّطبيق الصحيح للوقائع[97]، فالقصور يمكن أن يشوب الحكم إذا حصل نقص في الوقائع أو تحريفها لها دون الأسباب القانونيّة، فالنقص أو التّحريف في الوقائع هو الذي يؤثر على القاعدة القانونية المنطبقة ويعوق محكمة التّعقيب عن أداء مهمّتها في مراقبة صحة تطبيق القانون[98]، وكذلك فالقاضي ملزم بتقديم العناصر التي تبيّن كيفيّة إقتناعه وأن تكون هذه الوقائع كافية لتطبيق قاعدة قانونيّة دون أخرى وتصل بالضرورة إلى النتيجة التي انتهى إليها[99].

 ويضاف إلى ذلك شروط أخرى حتى يكون التّعليل كافيا وموصولا إلى منطوقه:

 ـ أولها أنّ يقع استخراج أسباب الحكم من الأدلة القائمة في الدعوى والتي طرحت للنقاش بين الخصوم احترام لحقوق الدفاع، حيث يجب على القاضي التقيّد في تأسيس حكمه على الوقائع المقدّمة من الخصوم والمثبتة من طرفه ولا يجوز له أن يستند إلى علمه الشخصيّ ضمان لحياد القاضي.

ـ ثانيها أن تكون الأسباب منطقيّة وواضحة تدلّ دلالة جليّة على أنه تمّ البحث في وقائع القضيّة بحثا دقيقا، فلا يكفي أن تقرّر المحكمة ثبوت الواقعة دون بيان كيفيّة ذلك الثّبوت بأدلّة قانونيّة[100]، كما يقتضي شرط منطقية الأسباب ألا تكون متعارضة أو أن تسقط بعضها البعض أو أن تكون متناقضة مع منطوق الحكم، ومثال ذلك أن ينتهي الحكم الاستئنافي في أسبابه إلى خلاف ما قضى به الحكم الابتدائي ومع ذلك يخلص إلى تأييده ويكون هناك تناقض بين الأسباب والمنطوق مما يوجب نقض الحكم إذا مارس المحكوم عليه حقّه في الطّعن[101].

  وإذا استوفى التّعليل شروطه فإنّه يلعب دورا هامّا في ضمان علنيّة الحكم فهو إذن ترجمة لعقيدة القاضي ومصداقيّته ودليل على صحة منهجيّته للوصول إلى منطوق الحكم، وهو كذلك الدليل على شفافية المرفق القضائي وضامن لحقوق المتقاضي، من خلال الاطلاع على مدى احترام حقوقه وتمكينه من ممارسة حقّ الطّعن، فمن خلال التعقيب تظهر سائر العيوب التي تكشف عن مدى توفر وعدم توفّر مقتضيات المحاكمة العادلة فبدون الأسباب الواضحة والكاملة لا يمكن التحقّق من قيام حقّ المحاكمة العادلة من عدمه.


[1]ـ طه زكي صافي، الإتجاهات الحديثة للمحاكمة الجزائية، مجد المؤسسة الجامعة للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان،2003، ص.45.

[2]ـ ماهر عبد مولاه، حقوق الإنسان والحريات العامة في تونس، جدلية التأصيل والتحديث، الطبعة الأولى، منشورات مجمع الأطرش للكتاب المختص، تونس 2014، ص. 205

[3]ـ ماهر عبد مولاه، حقوق الإنسان والحريات العامة في تونس، جدلية التأصيل والتحديث، المرجع السابق، ص. 205

[4]ـ محمد الصالح بن عياد، دور القضاء في تحقيق السلم الاجتماعي، م. ق. ت نوفمبر 1997، ص10.

[5]ـ محمد الصالح بن عياد، دور القضاء في تحقيق السلم الاجتماعي، مرجع سابق، ص10. 

[6]ـ محمد محمود الشركسي، ضمانات المتهم خلال مرحلة التحقيق الابتدائي ومرحلة المحاكمة في قانون الإجراءات الجنائية الليبي، أطروحة دكتورا، تونس ،1994 .ص.272.

[7] ـ Equity

[8]ـ ابن منظور، لسان العرب، نشر دار لبنان العرب، مجلد2. ص. 706

[9]ـ علي كحلون، النظرية العامة للالتزامات، نشرية مجمع الأطرش للكتاب المختص،2015 ص.473

[10]ـ عبد الله الأحمدي، المحاكمة العادلة في المادة الجزائية، العدالة الجزائية أي تطور، اشغال الملتقى الدولي، جندوبة، طبرقة 8-9-10 مارس 2007، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والتصرف بجندوبة، ص88.

[11]ـ عبد الله الأحمدي، المحاكمة العادلة في المادة الجزائية، مرجع سابق، ص88.

[12]ـ علي كحلون، النظرية العامة للنزاع المدني، مرجع سالف الذكر، ص.278.

[13]ـ على كحلون دروس في الإجراءات الجزائية، منشورات مجمع الاطرش، 2018، الطبعة الأولى، ص.288

[14]ـ على كحلون دروس في الإجراءات الجزائية، مرجع سابق، ص.288

[15]ـ عزيز طوبان، التأصيل الفلسفي لمبادئ المحاكمة العادلة، جامعة الحسين الثاني، الدار البيضاء، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية ورد في الموقع الاكترونيwww . droite tentreprise.com

[16]ـ عزيز طوبان، التأصيل الفلسفي لمبادئ المحاكمة العادلة، جامعة الحسين الثاني، الدار البيضاء، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية ورد في الموقع الاكتروني www . droite tentreprise.com

[17]ـ محمد الحبيب الشريف، معطيات قانونية حول المحاكمة العادلة، م.ق.ت، جوان 2000، العدد 6، ص12.

[18] ـ علي كحلون، النظرية العامة للنزاع المدني، مرجع سابق، ص.7

[19]ـ  محمد نورفرحات، الحق في المحاكمة العادلة في العالم العربي ، المعهد العربي لحقوق الإنسان، غير مؤرخ، ص.10

[20]ـ رؤوف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائيّة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1970، ص 531.

[21] ـ محمد زكي أبو عامر، الإجراءات الجنائيّة، منشورات الحلبي الحقوقية، الطلعة الأولى،2010، ص 831.

[22]ـ قديما كانت المحاكمات تجرى في الساحات العامّة وأمام الملأ، ومع ظهور الأديان انتقلت إلى المعابد والمساجد ثم خرجت تدريجيّا من أماكن العبادة وخصّصت لها بنايات مستقلّة وما فتئ الحال يتطوّر حتى أصبحت تجرى في بنايات كبيرة يطلق عليها اسم “قصر العدالة”، رضا خماخم، حماية حقوق المتّهم في مرحلة المحاكمة، منشور م.ق.ت، فيفري 1997، ص 41.

[23]ـ نصّت المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بفقرتها الأولى أنّه ” الناس جميعا سواء أمام القانون ومع حقّ كلّ فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائيّة محلّ نظر إليه أو في حقوقه والتزاماته في آيّة دعوى مدنيّة، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلنيّ ومن قبل محكمة مختصّة مستقلّة حياديّة، منشأة بحكم القانون … ويجوز منع الصحافة والجمهور حضور المحاكمة كلّها أو بعضها لدواعي الآداب العامّة والنّظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى أو في أدنى الحدود التي تراها بمصلحة العدالة”.

[24] ـ دستور الجمهورية التونسية  25 جويلية 2022 الصادر بموجب الامر الرئاسي عدد506 لسنة 2022 المؤرخ في 25 جويلية 2022.

[25]ـ وكذلك الفصل 143 من م.إ.ج الذي جاء فيه أنه “وتكون المرافعات علنية وبمحضر ممثّل النيابة العمومية والخصوم إلاّ إذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب ممثّل النيابة العمومية إجراءها سرا محافظة على النظام العام أو مراعاة للأخلاق وينص على ذلك بمحضر الجلسة “.

[26]ـ حسين صادق المرصفاوي، ضمانات المحاكمة في التشريعات العربية، مطبعة مرحم بيك، الاسكندرية، 1973، ص 10.

[27] ـ حسين السالمي، النظرية العامة للخصومة، مرجع سابق، ص 36.

[28]ـ دنيا العقلاوي، العلنيّة والإجراءات، رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمّقة في الحقوق، شعبة العلوم الجنائيّة، كلية الحقوق بتونس، 2002، ص 98.

[29]ـ عبد الحميد الشواربي، الإخلال بحق الدفاع في ضوء الفقه والقضاء، منشأة الإسكندرية 1990، ص.169.

[30]ـ رضا خماخم، العدالة الجزائية في تونس، مرجع سابق، ص.194.

[31]ـ عبد الله الأحمدي المحاكمة العادلة في المادة الجزائية، مرجع سابق، ص.96.

[32]ـ قرار تعقيبي جزائي، عدد 9147، المؤرخ في13 ديسمبر 1972، نشرية محكمة التعقيب، ق.ج، عدد1 لسنة 1975

[33]ـ الفصل 118م.م.م.ت.

[34]ـ مثال ذلك ما ذهبت إليه المحكمة العسكرية بمناسبة نظرها في قضايا شهداء الثورة وأمام الاكتظاظ الذي حصل وفضول البعض لحضور المحاكمات من عائلات الشهداء ومحامي الدفاع ومحامي القائمين بالحق الشخصي ووسائل الإعلام، إلى وضع خيمة كبيرة قريبة من قاعة الجلسة بها تلفاز ينقل كل ما يحدث داخلها. أشرف الماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص. 412.

[35]ـ محمد أحمد علي المخلافي، الحق في المحاكمة العادلة في اليمن، الحق في المحاكمة العادلة في العالم العربي، المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس،2004. ص. 446ـ447.

[36]ـ الفصل 115م.م.م.ت

[37]ـ الفصل 114 فقرة 3م.م.م.ت.

[38]ـ الفصل 116 فقرة ثانية م.م.م.ت.

[39]ـ علي كحلون، النظرية العامة للنزاع المدني، مرجع سابق، ص.504.

[40]ـ الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 84لسنة 2011 الصادر في 4 نوفمبر 2011

[41]ـ علي كحلون، النظرية العامة للنزاع المدني، مرجع سابق، ص. 505.

[42]ـ أشرف ماجري، حق الدفاع، مجمع الاطرش، تونس، 2018. ص415.

[43]ـ كما جاء بالفصل 143 م.إ.ج أنه “إذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب ممثل النيابة العموميّة إجراءها سرّا محافظة على النظام العام أو مراعاة للأخلاق وينصّ على ذلك بمحضر الجلسة”.

[44]ـ عبد المنعم بن محمد ساسي العبيدي، شرح المبادئ الجزائيّة، (دراسة تحليلية)، دار الكتاب تونس، 2018، ص 260.

[45]ـ عامر أحمد مختار، تنظيم سلطة الضبط الإداري في العراق، رسالة لنيل شهادة الماجستير، جامعة بغداد 1975، ص52.

[46] ـ القانون الأساسي عدد 26لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 63 المؤرخ في 7 أوت 2015 ص، 2163 والمنقح والمتمم بالقانون الأساسي عدد 09 لسنة 2019 المؤرخ في 23 جانفي 2019 ، الرائد الرسمي عدد 9 مؤرخ في 29 جانفي 2019.

[47]ـ مهدي التلمودي، حقوق المتهم في طور المحاكمة، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق اختصاص علوم جنائية، كلية الحقوق بتونس، 1995-1996. ص56.

[48]ـ أشرف الماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص.415ـ 416.

[49]ـ مهدي التلمودي، حقوق المتهم في طور المحاكمة، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق اختصاص علوم جنائية، كلية الحقوق بتونس، 1995-1996، ص.57.

[50]ـ أشرف الماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص.418.

[51]ـ عبد المنعم بن ساسي العبيدي، شرح المبادئ الجزائية، مرجع سابق، ص.275.

[52]ـ أشرف الماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص.417.

[53]ـ الفصل 121 م.ح.ط.

[54]ـ  كما تم تنقيحه  واتمامه بالقانون عدد 58 لسنة 2000 المؤرخ في 13 جوان 2000، الرائد الرسمي عدد 48 المؤرخ في 16 جوان 2000 ص. 1457ـ  1460.

[55]ـ مهدي التلمودي، حقوق المتهم في طور المحاكمة، مرجع سابق، ص.58.

[56]ـ كما جاء بالفصل 164 م.إ.ج في فقرته الثانية أنه “ويجب في المادة الجزائية تلاوة الحكم بتمامه بالجلسة العمومية”، ونصت الفقرة الثانية من الفصل 165 من نفس المجلة أنه “لا تكتسي هذه اللائحة صبغتها النهائية إلا بعد التصريح بها بجلسة علنية يحضرها جميع الحكام الذين أمضوها “.

[57]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، ط3، تونس 2011، ص 282.

[58]ـ الفصل 121 م.م.م.ت.

[59]ـ  الفصل 121 م.م.م.ت.

[60]ـ الفصل 121 الفقرة الثانية م.م.م.ت.

[61]ـ الفصل 121 الفقرة الرابعة م.م.م.ت.

[62] ـ علي كحلون، النظرية العامة للنزاع المدني، مرجع سابق، ص 344.

[63]ـ الفصل 121 فقرة أخيرة م.م.م.ت.

[64]ـ مثال ذلك لائحة الحكم جناحي عدد 648 مؤرخ في 12/02/2019 (حكم غير منشور)

[65]ـ علي كحلون، النظرية العامة للنزاع، مرجع سابق، ص.344.

[66]ـ  الفصل 121 فقرة ثانية م.م.م.ت.

[67]ـ قرار تعقيبي جزائي عدد 80389 مؤرخ في 3 فيفري 2012 أورده أشرف الماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص 421.

[68]ـ  نبيل إسماعيل عمر، المرافعات المدنية والتجارية، منشأة المعارف بالاسندرية، ص 106.

[69]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 284.

[70]ـ الفصل 248 م.م.م.ت.

[71]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 284.

[72]ـ مثال ذلك حكم جناحي ابتدائي عدد 19/5123 صادر عن المحكمة الابتدائية بجندوبة بتاريخ 18/12/2019 حيث جاء فيه أنه “صرح علنا بالحكم …”. (غير منشور)

[73]ـ أشرف الماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص.418.

[74]ـ علي كحلون، النظرية العامة للنزاع المدني، مرجع سابق، ص.351ـ 352.

[75]ـ أشرف الماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص. 420.

[76]ـ الفصل 122 م.م.م.ت. وقد نص عليه كذلك الفصل 165 م.إ.ج الذي جاء فيه أنه “… وتكون ممضاة من الحكّام الذين شاركوا فيها …”

[77]ـ قرار تعقيبي جزائي عدد 43639 مؤرخ في 19 ديسمبر 1994 قسم جزائي سنة 1994، ص 20.

[78]ـ قرار تعقيبي جزائي عدد 3833 مؤرخ في 29 مارس 2013 أورده فخري الخليل، ضمانات المحاكمة العادلة في المادة الجزائية، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في الحقوق 2012، ص 213.

[79]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سليمة، مرجع سابق، ص 324.

[80]ـ قرار تعقيبي جزائي عدد 3838 مؤرخ في 08/05/2017 (غير منشور) 

[81]ـ أحمد أبو الوفاء، أصول المرافعات المدنية والتجارية، منشأة المعارف بالاسكندرية، 1990، ص 753.

[82]ـ كمال سراج الدين مرغلاني، حقوق المتهم في ضوء نظام الإجراءات الجزائيّة السعودي الصادر بالمرسوم الملكي، أورده أشرف الماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص 423.

[83]ـ أحمد أبو الوفاء، نظرية الأحكام والمرافعات، منشأة المعارف الاسكندرية، 1975، ص 172.

[84]ـ أشرف الماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص.424.

[85]ـ جاء بالفصل 168 من مجلة الإجراءات الجزائية أنه: يجب أن يذكر بكلّ حكم:

رابعا: المستندات الواقعية والقانونية ولو في صورة الحكم بالبراءة

خامسا: نص الحكم القاضي بالعقاب وبالبراءة النصوص الزجرية الواقع تطبيقها.

[86]ـ أحمد أبو الوفاء، نظرية الأحكام، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1975، ص 27.

[87]ـ قرار تعقيبي عدد 2020.20707. بتاريخ 23/09/2020.  http.//www.cassation.tn.

[88]ـ قرار تعقيبي جزائي عدد 38381 بتاريخ 08/05/2017.

[89]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 326.

[90]ـ قرار تعقيبي مدني عدد 68905 مؤرخ في 15 أكتوبر 1999، ن.قسم مدني، سنة 1990، أورده أشرف ماجري، حق الدفاع، مرجع سابق، ص 424.

[91]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 326.

[92]ـ قرار صادر عن محكمة الاستئناف عدد 1022 بتاريخ 10/01/2020 (غير منشور)

[93]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 326.

[94]ـ قرار صادر عن محكمة الاستئناف عدد 1022 بتاريخ 10/01/2020 (غير منشور)

[95]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 326.

[96]ـ سعد والي، الحكم في القضية الجزائية: الاشكاليات، مجلة بحوث ودراسات قانونية العدد 12 لسنة 2016، مجمع الأطرش، ص 300.

[97]ـ قرار تعقيبي جزائي عدد 7492 مؤرخ في 18 ماي 1970، أورده أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 326.

[98]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 327.

[99]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 327.

[100]ـ سعد والي، الحكم في القضية الجزائية: الإشكاليات، مرجع سابق، ص 301.

[101]ـ أحمد الجندوبي وحسين بن سلامة، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 329.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر و الطباعة محفوظة لمجلة الميزان
إغلاق