القانون الجزائيالقانون الخاص

الطفل ضحية المجتمع – هدى مجاجرة

           يخلق الإنسان ضعيفا وضعفه البدني هو من طبيعة الخلق في الكون، فكل شيء يخلق                ويولد صغيرا وضعيفا وديمومة الضعف تبقى رهينة الظروف التي يتربي فيها الطفل فتصحبه في صباه، فالطفل يعيش في الإنسان منذ الولادة حتى الشيخوخة، حيث أن كل ما يعيشه الطفل ويمر به لا يمحى من ذاكرته وعقله الباطن، بل ذلك صندوقه الأسود والعامل الخفي لما سيكون عليه الطفل في أسرته وفي مجتمعه عموما، لذلك فالطفولة مرحلة هامة لدرجة تشبيهها بالسلاح ذو حديّن فإن صقلت ووجّهت أصابت الهدف، أما لو أهملت وتركت فتصيب صاحبها[1].

      وفي هذا الصدد يقول جون لوك ” يولد الطفل وعقله صفحة بيضاء تنقش عليها التجربة ما تشاء” بمعنى أن شخصية الطفل وأفكاره وقيمه ومثله وليدة الخبرة والتجربة فالأمة الواعية تدرك أن مستقبلها لا يكون أفضل من حاضرها إلا ببذل الجهد لإعداد أطفالها لتحمّل مسؤولية قيادة مجتمعهم باقتدار[2]، باعتبار وأن مرحلة الطفولة تعدّ من أخطر المراحل لأنها تحدّد شخصية الإنسان وأسلوب تفكيره وهو ما عبر عنه الشاعر الانكليزي word worth ” الطفل هو أبو الإنسان”[3].

   ومن هذا المنطلق يمكن تعريف الطفل لغة : هو الصغير من كلّ شيء، فالصغير من الدواب طفل والصغير من السحاب طفل، والليل في أوّله طفل، وأصل لفظ طفل من الطفالة والنعومة[4]، والطفل على حدّ تعبير ابن منظور” الصبي يدعى طفلا حين يسقط من بطن أمه إلى أن يحتلم “، وكلمة طفلا تطلق على الذكر والأنثى[5].

      وقد تعدّدت استعمالات العبارات المرادفة لهذا المصطلح ومنها” الصبي” في الفصول من5  إلى 15 م.إ.ع وعبارة ” القاصر” في الفصول 212 مكرر و233 و224 م.ج، وعبارة ” الحدث” في الأمر المتعلق بالنظام الداخلي الخاص بمركز إصلاح الأحداث للمنحرفين[6].

    وتجدر الإشارة إلى أن لفظ ” الحدث” قد تخلى عنها المشرع معوّضا إياها بلفظ “الطفل” الذي يعتبر مصطلحا مستحدثا جاء على اثر مصادقة البلاد التونسية على اتفاقية حقوق الطفل[7].

      اصطلاحا: فالطفل مبني على المرحلة العمرية الأولى من حياة الإنسان، والتي تبدأ بالولادة حيث عبّرت آيات القران الكريم عن مرحلة الطفولة بقوله تعالى ” ثم يخرجكم طفلا”[8]، أما علماء النفس فقد عرّفوا الطفل هو الإنسان كامل الخلق والتكوين لما يمتلكه من قدرات عقلية وعاطفية وبدنيّة وحسية إلاّ أنّ هذه القدرات لا ينقصها سوى النضج والتفاعل بالسلوك داخل المجتمع الذي نعيش فيه[9].  

     أما علماء الاجتماع فقد اختلفوا في تعريف الطفل فمنهم من اعتمد معيار السنّ معتبرا الطفولة تبدأ بالميلاد إلى سنّ الثامنة عشر عاما ومنهم من اعتمد معيار البلوغ في حين يرى اتجاه ثالث أنّ الطفل كل من لم يصل مرحلة الرشد[10].

     وأمام سكوت النص والفراغ التشريعي حول هذه المسألة ذهب أغلب الفقهاء إلى اعتبار تاريخ ميلاد الإنسان حيّا هو التاريخ المحدّد لبداية الشخصية القانونية للذات الطبيعية، ولم يتجاهل القانون التونسي الجنين وأقرّ له جملة من الحقوق قبل ميلاده[11]، كحقّه في الميراث عملا بأحكام الفصول من 47 إلى 150 م.أ.ش كما يسمح بالايصاء له بشرط وجوده وولادته حيا  عملا بأحكام الفصل 184 م.أ.ش، ” وقد اعتبر شق من الفقهاء أن سنّ الطفولة يقع احتسابه من المرحلة الجنينيّة باعتبار أنّ الفترة التي يقضيها الإنسان في مرحلة التكوين هي أخطر مراحل عمره على الإطلاق[12].

     وبالتالي لا يعتبر الجنين طفلا فاحتساب هذا السن يبدأ منذ ولادته لا بعدها ليكتسب على إثرها الشخصيّة القانونية، وقبل هذه المدّة تبقى حرمته الجسديّة لصيقة بالحرمة الجسدية لأمه[13]

     ولقد اختلفت التشريعات المقارنة في تحديد لحظة اكتساب الجنين صفة الطفل، فنجد البعض يتوسّع في صفة الطفولة لتشمل مرحلة الولادة وما قبلها والبعض الأخر يضيّق منها فيحدّدها بانفصال الطفل عن والدته حيا[14].

   وقد قابل هذا التعدّد في تحديد بداية السن القانونية للطفولة إجماعا حول السن القانونية التي تنقضي بها مرحلة الطفولة وهي سنّ الثامنة عشر سنة حيث ببلوغها يصبح الإنسان ذكرا كان أو أنثى راشدا مدنيا[15]، وجزائيا[16].

   فالطفل حسب مجلة حماية الطفل” كل إنسان عمره أقل من ثمانية عشر عاما ما لم يبلغ سنّ الرشد بمقتضى أحكام خاصّة”[17].

   كما أحال الفصل 3 من القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة تعريف الطفل إلى التعريف الوارد بمجلّة حماية الطفل[18].

  وقد عرّفت اتفاقية حقوق الطفل في المادّة الأولى منها الطفل” كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق”.

   وما يمكن استنتاجه من خلال هذان النصّان أن المشرّع حدّد السن التي تنتهي فيها الطفولة أقصاها ثمانية عشرة سنة واستثنى في ذلك الطفل الذي وقع ترشيده بمقتضى أحكام خاصّة سواء بحكم القانون أو بمقتضى إبرام عقد زواج[19]، أو معاملاته المدنيّة والتجارية[20]

أما لفظ الضحية فلم يعرفها المشرع ضمن مجلة حماية الطفل بل تعرض اليها القانون عدد 61 لسنة 2016 المتعلق بالإتجار بالأشخاص ومكافحتها بالفقرة الثانية عشر من الفصل الثاني ” يقصد بالمصطلحات التالية على معنى هذا القانون:

12ـ الضحية: شخص طبيعي لحقه ضرر نشأ مباشرة عن إحدى جرائم الاتجار بالبشر المنصوص عليها بهذا القانون.”

الا أن توجه المشرع نحو إقرار الطفل الضحية مؤكد من خلال انضمام البلاد التونسية مؤخرا في اتفاقية مجلس أوروبا بشأن حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي ” لانزاروتي” وكذلك صدور موافقة المجلس يوم 8 فيفري 2018على الطلب الذي تقدّمت به تونس[21]

   لذلك فإن التشريع الوطني في حالة مخاض لولادة مركز قانوني جديد سمي” الطفل الضحية” وإضافته بالباب الخامس لمجلة حماية الطفل، فالنقص الذي يعاينه التشريع الوطني يمكن تلافيه بأعمال أحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تعنى بالطفل الضحيّة[22].

   فالطفل عموما يحتاج إلى للحماية ليس لكونه عاجزا أو ناقصا، بل كمواطن كامل يحتاج لحماية تتلاءم مع سنّه ومع حاجيّاته ومع خصوصيّة شخصيّته غير المكتملة النضج، والتي هي في طور الصقل والتكوين، وان كانت هذه الحماية ضرورية لكلّ طفل فهي تكون متأكّدة وعاجلة للطفل المهدّد[23].

   أماّ لفظ المهدّد : هو وصف مشتق من فعل هدّد أي انذر وتوعّد، فالتهديد هي الحالة التي لم تعد آمنة في استقرارها بل معرّضة في كل حين لخطر ما يحدق بها، فكما يمكن أن يتجاوز المرحلة الصعبة دون خسائر ويتم التصدّي للتهديد وإزالته، يمكن أن يتحوّل التهديد إلى اعتداء فينتقل من مرحلة الإنذار للصيرورة[24].

فلئن كان للأسرة المسؤولية الكبرى في تهديد سلامة الطفل البدنية والنفسية والتأثير السلبي على التفكير فيمن حوله، فان المسؤولية الأكبر يتحمّلها المجتمع وذلك من خلال أشكال الاستغلال التي تمارس عليه، وقد أثبتت الدراسات الأولية حول الاتجار بالأشخاص في تونس التي قامت بها المنظّمة الدولية للهجرة بالاشتراك مع وزارة العدل وبدعم من وزارة الخارجيّة الأمريكية التي تمّ الإعلان عن نتائجها بتاريخ 31 جوان 2013 أن تونس بلد وجهة من خلال ظهور حالات اتجار داخلي يتمثّل في استغلال الأطفال قسرا وفي تعاطي الجنس والتسوّل[25].  

   وبناء عليه أصدر المشرع إطارا قانونيا يحمي الأشخاص خاصة منهم الأطفال من الاتجار بهم واستغلالهم جنسيا أو اقتصاديا أو في أي شكل من أشكال الإجرام المنظم، فضلا عن الاعتراف لهم بصفة الضحية صلب القانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 المؤرخ في 3 أوت 2016 المتعلق بالاتجار بالأشخاص ومكافحتها.

   وقد نظّم المشرّع الحالات التي تهدّد الطفل منها استغلال الطفل ذكرا كان أو أنثى جنسيا (جزء أول) والاستغلال المعنوي أي استغلاله في الإجرام المنظم وتعريضه للتسوّل واستغلاله اقتصاديا (جزء ثاني).

  ويقصد بالاستغلال استعمال الغير لمصلحة ولفائدة خاصّة وتشمل الحالات التي يشكو فيها الشخص التلاعب والاستعمال التعسّفي والضرر والاضطهاد وسوء المعاملة[26].

الجزء الأول: الاستغلال الجنسي للطفل

  إنّ الاستغلال الجنسي ليس ظاهرة جديدة في المجتمع بل هي ظاهرة قديمة فطالما تعرضت عدّة فئات من المجتمع لهذا النوع من الاستغلال وهي عادة الفئات المستضعفة من النساء والأطفال، فاستمرار وجود هذه الظاهرة الإجرامية إلى حدّ اليوم يدخل المجتمع في دوّامة من اللااستقرار الاجتماعي [27]، ونظرا لارتباطه الوثيق بالاتجار بالأشخاص يعدّ الاستغلال الجنسي وما يشمله من غايات تجارية أحد أشكال الاستغلالات المدانة[28].

   ويظلّ الاستغلال الجنسي للطفل أكثر الجرائم بشاعة لأنه يعبث ببراءة هذا الكائن الضعيف في سبيل إشباع رغبات الغير المالية وذلك بتحقيق أرباح غير مشروعة من استغلال الطفل في كل الجوانب البدنيّة والنفسيّة والعاطفيّة وحتى الاجتماعية وما يخلفه من آثار سلبية عليه[29].

   وتأسيسا على ذلك فقد عرّف المشرّع الاستغلال الجنسي بالفصل 25 من م.ح.ط على انه ” تعريض الطفل ذكرا كان أو أنثى لأعمال الدعارة ” والتي جاءت على سبيل الذكر لا الحصر بقصد ترك المجال مفتوحا للمشرع في صورة بروز أشكال أخرى للاستغلال الجنسي للطفل وهو ما نجده في العصر الراهن في خضم التطور العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم، فقد برزت أشكال مستحدثة لاستغلال الأطفال جنسيا (مبحث ثاني) إضافة إلى الأشكال التقليديّة التي نص عليها الفصل سالف الذكر (مبحث أول).

مبحث أول: الأشكال التقليدية للاستغلال الجنسي:

    نظرا للتنامي المطرد لظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال وتنوّع أشكالها وتعقّد طرق حلّها فقد أصبح منع هذه الظاهرة والوقاية منها من القضايا الملحّة المطروحة على الصعيدين الداخلي والدولي[30].

   لذلك سعت جل التشاريع إلى تجريم استغلال براءة الأطفال كما استنكرت الاتفاقيات الدوليّة هذه الأفعال، وذلك اعترافا لحاجة الطفل إلى النمو النفسي والجسدي السليم والمتوازن[31].

   إذ حرص المجتمع الدولي على حماية الأطفال من هذه الظاهرة من خلال اتفاقية الأمم المتّحدة لحقوق الطفل[32] في فصلها 36 كما نصّت المادّة الثالثة فقرة “أ” من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصّة الأطفال والنساء المصادق عليه من الدولة التونسية على ما يلي ” ويشمل الاستغلال كحدّ أدنى استغلال دعارة الغير، أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو الخدمة قصرا أو الاسترقاق..”.

   كذلك الشأن بالنسبة للقانون عدد 61 لسنة 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحة جميع أشكال الاستغلال التي يمكن أن يتعرّض إليها الأطفال وحدّد مختلف الطرق لمكافحته وحماية ضحاياه  ومساعدتهم[33].

   كذلك صادقت الدولة التونسيّة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الإباحية بمقتضى الأمر عدد 1814 المؤرخ في 25 أوت 2003، وبالتالي فان الاتفاقية والقانون اعتبرا الطفل المستغلّ جنسيا مهدّدا[34] رجوعا للتشريع الوطني ومنه بالخصوص مجلّة حماية الطفل التي اعتبرت الاستغلال الجنسي الوارد تعريفه بالفصل 25 منها حالة صعبة تجعل الطفل مهدّدا[35].

فالاستغلال الجنسي للأطفال مهما كانت مختلف أشكاله يبقى من أبشع الجرائم التقليدية المسلّطة على الطفل التي وقع تجريمها صلب أحكام الفصول 232 إلى 235 من م.ج المتعلقة بجريمة التحريض على فعل الخناء والتوسّط فيه والتمعّش منه(أ) وجريمة تحريض قاصر على الفجور (ب).

أـ التحريض على فعل الخناء والتوسّط فيه والتمعّش منه

   في إطار الفصل 25 م.ح.ط فانّ تعريض الطفل لأعمال الدعارة يمكن أن يكون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بحيث تكون مباشرة في الصورة التي يتعرّض فيها الطفل لأعمال دعارة تسلّط عليه مباشرة للنيل من عرضه بما يخدش عاطفة الحياء عنده، ويمكن أن تكون غير مباشرة في صورة جريمة التوسّط في الخناء والتمعّش منه. 

   تعتبر جريمة التحريض على فعل الخناء والتوسط فيه والتمعّش منه أهم أشكال الاستغلال الجنسي للأطفال من حيث خطورتها ويمكن تصنيفها ضمن الجرائم الجنسية التقليدية والتعرض لهذه الجريمة يقتضي الوقوف على تعريفها:

    فالخناء لغة: يعني الفحش وهو ترجمة لعبارة La débouche التي استعملها المشرع الفرنسي، إلا أن استعمالها يطرح عدّة إشكاليات لتشابهه مع عدّة مفاهيم أخرى كالفسق والفجور والدعارة والفساد، ولقد جاءت هذه الجريمة في إطار عام يستوعب جميع المفاهيم التي لها علاقة بالخناء، وقد أقرّ لها المشرع ظروف تشديدا إذا كان الضحيّة طفلا[36].

 ويتمثل الركن الأساسي لهذه الجريمة حسب الفصل 232 م.ج[37]، في حصول الوساطة في الخناء و التمعّش منه، و قد أورد هذا الفصل خمسة صور لهذه الوساطة التي يمكن أن تتم عن طريق شخص واحد آو عدّة أشخاص.

   والتوسّط لغة: هو من يتولّى الربط بين شخصين لتسهيل انجاز عملية ما أما في جنحة الخناء الوسيط هو من يحمي أو يساعد بأي وسيلة كانت خناء الغير أي القاصر وسعى في جلب الناس إليه.

 وهذا التعريف جاءت به الفقرة الأولى من الفصل 232 من م.ج التي حدّدت أعمال الوساطة في ثلاث حالات وهي الحماية والمساعدة والتوسّط[38]، والذي تبنته محكمة التعقيب في القرار التعقيبي عدد 6606 مؤرخ في 15 ماي 1982 واعتبرت الوسيط في الخناء هو كل من يحمي أو يعين أو يساعد بأي وسيلة كانت خناء الغير أو يسعى في جلب الناس إليه[39].

   فالمشرع سعى من خلال الفصل 232 من م.ج إلى تحديد الأفعال الماديّة لجريمة التحريض على الخناء المتمثّلة أساسا في مساعدة وإعانة الطفل بأي وسيلة كانت والسعي لجلب الناس إليه فيكون العون أو المساعدة الركن المادّي لجريمة المساعدة مثال وضع محلّ على ذمّة فتاة  تتعاطى الفساد أو تأجير صاحب فندق غرفة لامرأة  لممارسة الجنس وهو على بيّنة من ذلك أي وجوب توفّر الركن المعنوي[40]، وتوفّر هذه الجريمة حتى بدون وجود مقابل مادّي وإن ارتكبت مرّة واحدة أي أنّ شرط التكرار والتعوّد لا يتوفّر في هذه الجريمة بل يكفي ارتكابها مرّة واحدة ليقع تجريمها[41]، فالطفل الموسّط له في البغاء يعتبر متضررا سواء تمّ التوسّط له برضائه أو تحت الإكراه[42].

   أيضا تعتبر من الأفعال المادية لجريمة التحريض على فعل الخناء مقاسمة متحصّل خناء الغير أو تسلّم إعانات من شخص يتعاطى الخناء عادة، وقد استعمل المشرّع بالفصل 232 فقرة ثانية من م.ج:” ..خناء الغير..” و ” من شخص يتعاطى الخناء” وهي عبارة مطلقة أراد من ورائها استيعاب جملة الاعتداءات الجنسية الغير مباشرة المسلّطة على الذكر أو الأنثى سواء كان طفلا أو راشدا، أيضا كل من يعيش قصدا مع شخص يتعاطى الخناء ولا يثبت أنّ له مداخيل كافية تسمح له بأن يعيش وينفق بمفرده، كذلك من الأفعال الماديّة لجريمة التحريض على فعل الخناء من يستخدم شخصا ولو برضاه أو يحبره أو ينفق عليه بقصد الخناء وأخيرا يعتبر وسيطا في الخناء كل من يتوسّط بين الأشخاص لتعاطي الخناء.

   فالطفل الذي وقع دفعه للفجور والفساد والتوسّط له فيه وجلب الناس إليه أو استخدامه في الخناء هو طفل مهدّد طبق مجلّة حماية الطفل لكونه قد تعرّض للاستغلال الجنسي المتمثل في تحريضه للدعارة سواء بمقابل أو بدونه.

  وعلى هذا الأساس فالمشرّع قد رتّب عقوبة للوسيط حيث أنّ الطفل الذي بلغ سنّ الثالثة عشرة سنة كان يعدّ جانحا لارتكابه جريمة البغاء السرّي طبقا للفصل 231 مجلة جزائية إذ انه مميزا جزائيا[43]، فمن ناحية هو مهدّدا لاستغلاله الجنسي ومن ناحية أخرى هو جانح لارتكابه جريمة البغاء السرّي[44] ، هو ما خلق تشابكا بين مجلّة حماية الطفل والمجلّة الجزائية لكن مع مصادقة البلاد التونسية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة الوطنية والبروتوكول الاختياري المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصّة النساء والأطفال.

   وعليه فقد تفطّن المشرّع لوجوب التصدّي لجرائم الاتجار بالأشخاص وخاصّة الأطفال والإقرار بصفة الضحيّة لمن وقع استغلالهم وإعفاؤهم من التتبع الجزائي عن الأفعال التي ارتكبها نتيجة الاتجار به كتعاطي الدعارة أو التسوّل أو بيع المخدّرات أو الأفعال المرتبطة ارتباطا مباشرا بجرائم الاتجار بالأشخاص التي كانت ضحيّة لها[45].

   فالتحريض على الخناء أو التوسّط فيه يجعل من الطفل ضحيّة طبق قانون الاتّجار بالأشخاص ومهدّدا طبق أحكام مجلة حماية الطفل، فاستغلال الطفل جنسيا يؤثّر على نفسيّته ومستقبله لأنه مخلوق سهل المنال من قبل العصابات في الجريمة المنظّمة لذلك سعت جلّ التشاريع سواء كانت داخليّة أو دوليّة لحمايته، فلقد أصبحت الفتيات في عديد الدول سلعة رائجة يتم جلبهن من شتّى أنحاء العالم عبر سماسرة ومكاتب وخدمات ووكلات أسفار واستغلالهن في الخناء لتحقيق الربح المادّي[46].

   وفي هذا الصدد نلاحظ أن المشرع من خلال مقتضيات الفصل 235 من م.ج حاول التوسّع في مجال تتبّع مرتكبي جرائم الاستغلال الجنسي حتى ولو ارتكبت ببلدان مختلفة، إذ يكفي لمباشرة إجراءات التتبع والملاحقة والعقاب تواجد الجناة بالبلدان التونسيّة  بصرف النظر عن مكان إقامة الجاني أو المجني عليه[47].

   فالمشرع قد شدّد في العقوبة بناء على صفة الجاني وحماية للطرف الضعيف نظرا للآثار السلبية التي يخلّفها استغلال الطفل جنسيا، فينشأ معقّدا نفسيا ذا شخصيّة عدوانيّة تميل إلى الانتقام والإجرام[48]

ب ـ التحريض على الفجور

 نظّم المشرّع هذه الجريمة في إطار الفصل 234 من م.ج الذي نصّ على معاقبة كل من اعتدى على الأخلاق الحميدة بتحريض الشبّان القاصرين ذكورا أو إناثا على الفجور أو بإعانتهم أو تسهيله لهم”.

  ويمثّل التحريض على الفجور في صفوف الأطفال تهديد لأخلاقهم ولحسن تربيتهم وهو ما نصّ عليه المشرع الجزائري بالمادّة 2 من القانون عدد 15-12 المؤرخ في 15 يوليو 2015 المتعلق بحماية الطفل على أن الطفل الذي تكون أخلاقه في خطر أو عرضة له هو طفل في خطر ويمثّل تهديدا للمجتمع ككل حيث أن الأخلاق هي عنوان الشعوب وأساس الحضارة لذلك أولت القوانين والتشريعات العربية والمقارنة أهمية خاصّة لحماية الأطفال القصر من الفساد ومن كلّ عمليّة تحريض تحثهم على الخناء أو الفجور[49].

     وما يمكن استنتاجه من عبارات هذا النص أن الأفعال المجرمّة تتمثّل أساسا في الاعتداء على الأخلاق وهو فعل معيّن بذاته يؤتيه المتهم يتمثّل في القيام بممارسة جنسيّة أو شذوذ جنسي أو اعتداء بفاحشة كما يتمثّل الركن المادّي للجريمة إضافة إلى الاعتداء على الأخلاق الحميدة في تسهيل وإعانة القاصر على الرذيلة ولكنّه لم يعرّف هذه الأفعال وترك للقاضي المتعهّد تحديد الطرق والوسائل التي تحصل بها هذه الجريمة سواء كانت بالكلام أو المناشير أو بإحضار الشباب في مواقف الفجور[50] .

    ويكون الفاعل المعنوي للجريمة هو الشخص الذي لا يقوم بنفسه بالأفعال المكوّنة للركن المادّي، بل يأمر ويحرّض ويؤجّر غيره للقيام بها، وبالتالي يكون المحرّض على الجريمة مجرّد مشارك في الجريمة وليس فاعلا أصليا لها[51].

   وبناء على ما تمّ ذكره فالتحريض يكون في محاولة التأثير في نفس القاصر وإقناعه بارتكاب الفعل[52]، والذي يمكن أن يكون في شكل أقوال أو أفعال حيث قضت محكمة التعقيب في قرار لها أّن” تحريض بنتين أحدهما لم تبلغ سنّ الرشد على تمكين الغير من الاتصال بها ولو بالدّلك كاف لتكوين الركن المادّي للجريمة”[53].

   أما الركن الثاني للجريمة المتمثل في الإعانة فيمكن أن يكون بتوفير المحل لتعاطي الخناء أو تقديم شخص لشخص آخر للاتّصال الجنسي أو تنظيم حصص فجور جماعي يشاهدها القاصر لغاية تحريك مشاعره وتقوية رغباته ممّا يجعله مندفعا لإتمام العمليّة الجنسيّة[54]، كما يمكن أن يكون التحريض على الفجور شفاهيا مثل الإغراء بالوعود والمخادعة، وهو نفس التوجه الذي اعتمده المشرّع  الفرنسي فقد اعتبر أنّ قيام هذه الجريمة يكون بمجرّد تحريض القصر على مشاهدة أفلام إباحية بحضورهم [55]، أو باقتراح ممارسة الجنس على قاصر أو بعرض صور إباحية عليه [56].

   أما الركن المعنوي لجريمة التحريض على الفجور فيتطلّب اتجاه إرادة الجاني إتيان هذا الفعل ضدّ الطفل القاصر مع سبق علمه بأن أفعاله ستؤدّي حتما لدفعه للفجور وممارسة الفساد.

   وفي هذا الإطار نصّت المادّة 22 من اتفاقية مجلس أوروبا بشأن حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي على انه:” يتعيّن على كل طرف اتخاذ التدابير التشريعيّة اللازمة أو تدابير أخرى لتجريم فعل حث طفل بشكل متعمّد ولأغراض جنسية على مشاهدة اعتداء جنسي أو نشاطات حتى ولو لم يشارك فيها”.

   وفي هذا الإطار فقد بلغ عدد الاشعارات الواردة على مندوب حماية الطفولة 16 إشعار موضوعها تحريض الأطفال لمشاهدة ممارسات جنسيّة حيّة[57].

   عموما فالتحريض على فساد الأطفال أو استمالتهم لأغراض جنسيّة هي أفعال مخلّة بالمصلحة الفضلى للطفل ومضرّة بأخلاقه وصحّته، فالطفل الذي يقع تحريضه على الفجور يكون مهدّدا كما هو ضحيّة طبقا لاتفاقية مجلس أوروبا بشأن حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي والاعتداء الجنسي، إلا أنّ هذه الجريمة ازدادت خطورة مع تطور التكنولوجيا حيث استند محترفوا الإجرام على شبكات الانترنات استغلال الأطفال المستعملين لهذه الوسائل التكنولوجيّة الحديثة والذي يبدو عددهم كبيرا جدّا[58].

مبحث ثاني: الأشكال الحديثة للاستغلال الجنسي للأطفال

   إنّ التطور العلمي والتكنولوجي رغم فائدته على العالم إلا انه أظهر أنواعا جديدة من الجرائم وخاصّة تلك التي تستهدف الطفل[59].

   فتطور تبعا لذلك النشاط الإجرامي نظرا لكون الجريمة ظاهرة اجتماعية لصيقة بالمجتمع تتطور بالتوازن مع تقدّمه وبذلك خرجت الجريمة من الإطار التقليدي واتخذت أشكال حديثة، إذ اتخذ المعتدي من التطور العلمي ومن وسائل الاتصال المتقدّمة أشكالا وطرقا جديدة للإحاطة بالطفل الضحيّة سواء كان ذلك عبر الصحافة (أ)، أو عبر الانترنات (ب).   

أـ الاستغلال الجنسي عبر الصحافة                    

   أدّى تضخّم الأنشطة الصحفيّة والإعلامية إلى انتشار تجارة مربحة تتمثّل في استغلال الأطفال جنسيا عبر أعمدة الصحف[60].

   ويتمثل هذا الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الصحف في نشر صور خليعة لهم من خلال الصور المطبوعة والمجلات وحتى صور الفيديو، حيث أن الصحافة تكون مكتوبة ومسموعة ومرئية، والتي يصطلح عليها باللغة الفرنسية  La pornographie والمتمثّلة في تصوير بشكل واضح للأعضاء التناسلية أو الممارسات الجنسيّة ويكون الهدف منها الإثارة الجنسية وليست له قيمة جمالية أو عاطفية[61]، لذلك فقد ظهرت أول فكرة لجريمة نشر صورة خليعة في القرن الثالث عشر[62].

   وفي هذا الإطار نصّت المادّة 2من البروتوكول الاختياري المتعلق ببيع الأطفال                          واستغلالهم في البغاء والمواد الإباحية على انه: ” يقصد باستغلال الأطفال في المواد الإباحية تصوير أي فعل بأي وسيلة كانت يمارس ممارسة حقيقية أو بالمحاكاة أنشطة جنسيّة صريحة أو أي تصوير للأعضاء الجنسيّة للطفل لإشباع الرغبة الجنسية أساسا “.

   أماّ المشرع التونسي فعلى الرغم من اهتمامه بمقاومة كل ما من شأنه مخالفة الأخلاق الحميدة بصفة عامّة وذلك من خلال إصدار القانون عدد 73 لسنة 2004 المؤرخ في 2 أوت 2004 المتعلق بتنقيح وإتمام المجلة الجزائية بخصوص زجر الاعتداءات على الأخلاق الحميدة وزجر التحرّش الجنسي إلا انه لم يجرّم بقانون خاص نشر صور خليعة للأطفال، واكتفى بتجريم كل نشر لمنشورات لا أخلاقية ومنافية للأخلاق الحميدة[63].

   وفي هذا السياق عرّف ” جيرار كورني” الأخلاق الحميدة بأنها ” مجموعة من القواعد التي تفرضها أخلاق اجتماعية ملتقاة في زمان ومكان معيّنين وهي بالتوازن مع النظام العام باعتبارها تصهر فيه أحيانا”

    أما بالنسبة للنص الخاص بحماية الأطفال من كلّ نشر لمواد إباحية عنهم فقد جاء بالفصل 60 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 الذي يتعلّق بحرية الصحافة والطباعة والنشر على أنه ” يعاقب بالسجن…. كل من يتولّى نقل معلومات عن جرائم الاغتصاب أو التحرّش الجنسي ضدّ القصر بأي وسيلة كانت متعمدا ذكر اسم الضحية أو تسريب أي معلومات قد تسمح بالتعرف عليه، ويعاقب بنفس العقوبة كل من يتعمّد توريد أو توزيع أو تصدير أو إنتاج أو نشر أو عرض أو بيع أو حيازة مواد إباحية عن الأطفال”.

   وقد وضع المشرّع أنواع مختلفة من جرائم النشر والصحافة لعل أهمها جريمة لفت النظر لارتكاب فجور وكذلك جريمة نشر مؤلفات ماسّة بالأخلاق الحميدة.

   ويعني لفت النظر هو لفت انتباه الغير إلى وجود فرصة لإتيان الفساد ويأتي ذلك بإعلامه بتلك الفرصة بالقول المباشر أو حتى بالإشارة [64].

   وبالتالي فإن استغلال الأطفال جنسيا يتم من خلال جلب انتباه الأفراد لإمكانية الاتصال جنسيا بهم عن طريق القول أو الإشارة ولكن قد يكون أيضا عن طريق نشر إعلانات بأي وسيلة كانت سواء كان ذلك عن طريق كتابات أو تسجيلات أو إرساليات سمعيّة أو بصرية أو الكترونيّة أو ضوئية في مختلف الصحف أو الدوريات أو المجلات بنشر إعلانات تتعلق بالفجور من خلال نشر صور خليعة للأطفال أو نشر جمل وعبارات مخلّة بالحياء، فركن العلنية حسب الفصل 226 مكرر من م.ج من أهم الأركان المادية للجريمة إذ لا يمكن أن يتمّ لفت الانتباه لفرض الفجور بشكل سري بل  يجب أن يكون علنا.

   وتجدر الإشارة أن جريمة النشر والصحافة هي من الجرائم القصدية، إذ أنها تستدعي اتجاه نية الجاني نحو إتيان الأفعال الإجراميّة المذكورة بالفصل 226 مكرّر جديد من المجلة الجزائية[65].

   لذلك سعى المشرع لاتخاذ جملة من الوسائل لمكافحة هذه الجرائم في مرحلة ما قبل ارتكابها وذلك من خلال تسليط مراقبته على المنشورات إذ اعتمد تقنية الإيداع القانوني[66]، من أجل تشديد مراقبته على مختلف أنواع المنشورات والتسجيلات وهي تقنية تمكّن السلطات من التأكّد من عدم وجود ما من شأنه أن يمسّ بالأخلاق الحميدة أو يشكّل استغلال جنسي للأطفال، إلا أنّ العقوبة المقرّرة لهذه الجريمة لا تعتبر رادعة لمرتكبي هذه الممارسات المجرمة خاصة وأنّ المشرع لم يميز بين الطفل وغيره ممن ارتكب في حقه هذه الجرائم وهذا يعتبر نقصا فادحا يجب على المشرع تداركه من اجل توفير حماية أنجع للطفل من هذه الممارسات ألاّ أخلاقية[67].

   والجدير بالملاحظة أن معدل الاستغلال الجنسي ارتفع إلى حدّ مقلق على المستوى الوطني والعالمي لا سيما فيما يتعلّق بالاستخدام المتزايد لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من قبل الأطفال، التي لم تقتصر فقط على الوسائل التقليديّة للنشر بل كان التطور العلمي عاملا لتطوّر الجريمة واتساع ميدانها وخاصّة فيما يخصّ الجرائم المرتكبة بواسطة الانترنات .

ب ـ  الاستغلال الجنسي عبر الانترنات:

   تشكل ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر مواقع شبكة الانترنات معضلة عالمية ليست ثمة دولة بمنأى عنها، فالاستخدام المتزايد للانترنات أدّى إلى إتاحة هذه الوسائل لصناعة ونشر المواد الإباحية التي تستهدف الطفل، فالعالم اليوم يشهد اتساعا متناميا لشبكة الانترنات التي دخلت  لكل مكان وأصبح لا غنى للدول الأفراد عنها، واقترن بهذا التوسّع سوء استخدام الانترنات رغم ما تحمله من إيجابيات فإنها تنطوي على العديد من السلبيات[68]،  وقد لاقت هذه الظاهرة معارضة في أغلب الدول في العالم الذي كثّف جهوده لمكافحتها عبر إصدار العديد من الاتفاقيات وعقد مؤتمرات دوليّة لتحقيق أمن الطفل.

   وفي هذا الإطار ألحقت الأمم المتحدة باتفاقية حقوق الطفل البروتوكول الاختياري لعام 2000[69]  المتعلق ببيع واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية إذ أشار في ديباجته عن القلق الذي يساور الدول الأطراف إزاء توافر المواد الإباحية بشكل متزايد على شبكة الانترنات، وقد نص البروتوكول عن الأفعال المجرّمة وهي “عرض أو تسليم أو قبول أطفال بأي طريقة كانت بغرض الاستغلال الجنسي”.

   كما أكدت الاتفاقية الأوروبية حول جرائم الانترنات والمصادق عليها من قبل مجلس الاتّحاد الأوروبي ببودابست في 23 نوفمبر 2001 والتي تعتبر أكثر التشريعات تطور أن جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال عبر شبكة الانترنات هي تلك المتعلّقة بالأعمال الإباحية التي تستهدف القاصرين وكلّ جريمة تطال القاصرين عبر الانترنات[70].

كذلك الشأن بالنسبة لاتفاقية مجلس أوروبا التي دعت إلى اتخاذ التدابير التشريعيّة اللازمة لضمان تجريم وصول مواد إباحية للأطفال عن قصد من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

   إلّا أن المشرع التونسي لم يخص هذه الجرائم بنص تجريمي خاص فقط واكب التطور التشريعي الدولي السريع في مقاومة الجريمة الجنسيّة التي تستعمل المعلوماتية ضد الأطفال كأداة للإيقاع بهم من خلال مختلف أشكال استعمال الانترنات وذلك بتعديل بعض النصوص القانونية لأحكام المجلّة الجزائية حيث أضاف القانون عدد 73 لسنة 2004 المؤرخ في 2 أوت 2004 الفصل 226 مكرر[71]، الذي جرّم الاعتداء على الأخلاق الحميدة والتحرش الجنسي. 

   كما حاول المشرع من خلال قانون 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة في الفصل 11 منه الذي جاء فيه ” يمنع الإشهار وبثّ المواد الإعلامية التي تحتوي على صور نمطية أو مشاهد أو أقوال أو أفعال مسيئة لصورة المرأة أو المكرّسة للعنف المسلّط عليها أو المقلّلة من خطورته وذلك بكل الوسائل والوسائط الإعلامية[72].

   وبالرغم من تدخل المشرّع لوضع عقوبات جزائية لمختلف الجرائم إلا أن هذه الظاهرة مازالت في نسق سريع ومتواتر في السنوات الأخيرة خاصّة وأنّ الأطفال يمثّلون الفئة الأكثر استعمالا للشبكة العنكبوتيّة، حيث بلغ عدد الإشعارات على مكاتب مندوبي حماية الطفولة لسنة 2016 حوالي 20 إشعار موضوعها الاستغلال الجنسي عبر وسائل الاتصال الحديثة[73].

   فالطفل كائن هش سريع التأثر عديم التجربة تحكمه اندفاعاته وميولا ته[74]، خاصة وأن الانترنات عملية تسهّل عملية الاستغلال الجنسي وذلك بتقديم مجموعة من الخدمات المختلفة تستعمل أغلبها في نشر فوتوغرافيا الأطفال أو حتى نشر الإعلانات لتمكين المستعملين من ممارسات جنسية مع الأطفال فسهولة الوصول يجعل من هذه المواقع أسهل طريقة لنشر ما يمكن أن يسمى بالثقافة الجنسية المنحرفة[75].

   علاوة على ذلك فإن الدخول للمواقع الجنسية مجاني مما يشجّع على التردّد عليها كما أن الإشهار والذي يظهر على صفحات الانترنات يدعم تجارة الجنس وخاصّة تلك التي يكون ضحيتها أطفال.

   والجدير بالذكر أن فوتوغرافيا الأطفال يمكن أن تتخذ أشكال مختلفة ومتعدّدة، فإما أن تكون مرتبطة ضرورة بوجود اعتداءات جنسية واقعة على الأطفال أو أن تكون بصور مركّبة كليّا أو جزئيا من ذلك تعويض الوجه الأصلي للشخص الذي يظهر في الصورة بوجه طفل وهذه الصورة لها تأثيرات على نفسية الطفل صاحب الصورة كما لها نفس المفعول التحريضي للصورة الحقيقية، وأما الحالة الأخيرة فتتمثل في الصورة التي يظهر فيها أشخاص راشدين تمّ اختيارهم بمواصفات طفولية تجعل الناظر يعتقد أنهم أطفال                 والغاية من ذلك هو إثارة غرائز الكهول المنحرفين ذوي الميولات الجنسية نحو الأطفال.

كما أنّ فوتوغرافيا الأطفال حسب ما نصّ عليه التقرير التفسيري للاتفاقية الأوروبية[76]، يمكن أن يصور ممارسة جنسية بين الأطفال أو بين طفل وكهل من نفس الجنس أو من جنسين مختلفين سواء كان ذلك الاتصال جنسيا عاديا أو كان لواطا آو غير ذلك.

   عموما تعتبر مجمل هذه الممارسات سواء تعلقت بنشر صورة حقيقية أو غير حقيقية للأطفال بمثابة الاعتداء الجنسي على الطفل لما فيه من خدش لكرامته واستهداف لحرمته الجسديّة وما تشكّله من تحريض غير مباشر على استغلال الطفل جنسيا، كما أن شبكة الانترنات تقدّم خدماتها عن طريق استعمال بعض البرمجيات المعروفة كالبريد الالكتروني ومواقع الواب والملتقيات ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي “كالفايسبوك”، “سكايب”، “ماسنجر”، “فايبر” والتي تمكّن من التواصل بالصوت والصورة مع ضحاياهم الأطفال وتسجيل محادثاتهم ومختلف ممارساتهم بهدف استغلالها في أغراض جنسيّة كتسويقها عبر مواقع الواب المختصّة في تجارة البونوغرافيا[77]، ورغم خطورة هذه الظاهرة وانتشارها بشكل كبير إلا أنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول هذه المسألة لكن ببحث بسيط على غوغل”Google ” نجد أن هناك توزيع وإنتاج لهذه الصور فهناك مثلا  شركة سلايد الأمريكية المخصصّة لنشر الصور والأفلام الإباحية للأطفال والتي تمّ تفكيكها خلال عام 2000 حيث كانت تسجّل رقم أعمال قدره تسعة ملايين دولار أمريكي في السنة بفضل الانترنات[78]، كما أظهرت الدراسات أن عددا كبيرا من الأطفال وخاصّة منهم أطفال الشوارع في مختلف أنحاء العالم يتعرضون للتصوير الاباحي مقابل الحصول على الطعام والمأوى وبعض المال، ومن جهتها قدمت اليونيسيف دراسة قدرت فيها أن الأرباح الناتجة عن تجارة هذه الأفلام والصور الخلاعيّة تقدر ما بين ثلاثة مليارات دولار في السنة وذلك عبر دفع رسم اشتراك عبر بطاقات الاعتماد لولوج هذه المواقع[79]

   إضافة إلى الانترنات نجد الهاتف الجوال والوسائل السمعيّة البصريّة التي تستعملها العصابات الإجرامية المنظمة في إطار تطوير أنشطتها ومواكبة الثورة التكنولوجيّة لاستغلال الطفل في شبكات الدعارة لتحقيق الربح، حيث توجد عدة قنوات تلفزيّة أوروبية مخصّصة كليا لتقديم المواد الجنسية والمشجّعة على الدعارة يقع تمويلها من عصابات الجريمة المنظّمة بهدف استمالة الأطفال للانخراط في عالم الجنس استجابة لغرائزهم إضافة إلى الإعلانات التي تمرّرها هذه القنوات للتشجيع عن الانحراف والفسق وبالتالي تحقيق الربح[80].

   لئن تمّ التعرض للطفل المستغل جنسيا، فإنه تجدر الإشارة إلى أنّ الطفل المعتدي عليه جنسيا يختلف عن ذلك المستغل الذي يتم استغلال جسده لغاية الحصول على منفعة أيا كانت طبيعتها، فالمعتدي عليه جنسيا وإن تكرر الاعتداء فإنه يكون إما اغتصاب أو مفاحشة  أو جريمة تحرّش جنسي ما لم يكن في إطار الاتجار بالأشخاص بحيث تسجّل وزارة المرأة والطفولة كل سنة ارتفاعا هاما في عدد الإشعارات التي تتلقاها في خصوص الاعتداءات الجنسية على الأطفال فبعد أن كان العدد لا يتجاوز 262 حالة سنة 2013 ارتفع بشكل كبير سنة 2015 ليبلغ 601 حالة اعتداء حتى أنه وصل إلى 975 حالة اعتداء سنة 2017 [81] كوضعيّة التحرّش الجنسي الذي تعرّضت إليها الطفلة (ن) من قبل المتبني بعد وفاة الأم بالتبني والتي وقع الإشعار عليها من قبل “خالة الطفلة” كتابيا لمكتب مندوب حماية الطفولة بجندوبة

   ويبقى الاعتداء الجنسي من أبشع أنواع التهديد للطفل لأن الأذى الذي يلحقه مضاعفا فهو لا يمسّ الفرد من خلال الضرر البدني فقط وإنما من خلال الضرر البدني والنفسي الذي يلحق المعتدى عليه، مثال القضيّة عدد 538 بمحكمة الاستئناف بجندوبة بتاريخ 28 جانفي 2020، طعنا في الحكم الابتدائي عدد 829 بتاريخ 14-10-2019  والتي تلخصت وقائعها في الاعتداء بفعل الفاحشة على شخص بدون رضاه دون سنّ الثمانية عشر سنة كاملة، بحيث أن المعتدي كان يعمل في الروضة التابعة لزوجته وقد قام بالتحرّش بطفل الثلاث سنوات في عديد المرات  خاصّة وأنّ الطفل كان يدرس في تلك الروضة مما أثر في نفسيّة الطفل وتفطّن الأم  لذلك التي قامت لإعلام السلط المعنية لمتابعة الحالة النفسيّة لابنها ومقاضاة المعتدي [82]، كذلك وضعيّة الطفل الذي تعرّض الاعتداء بالفاحشة من قبل أحد الأجوار المعروفين بسوء السيرة والسلوك 

   وقد نصّت المادّة 34 من اتفاقية حقوق الطفل للأمم المتحدة على ضرورة حماية الطفل المستغل جنسيا والمعتدي عليه عكس المشرّع التونسي خصّ بالذكر بالفصل 20 من م.ح.ط على صورة الاستغلال الجنسي دون أن يهتدي إلى ذكر الانتهاكات أو الاعتداءات الجنسية، غير أن عدم تنزيل صورة الاعتداءات بالفصل سالف الذكر لا يشكّل عائقا لاعتبار إن الطفل المعتدي عليه جنسيا مهدّدا لان حالات التهديد المذكورة بالفصل 20 هي صورة ذكريّة لا حصريّة ويبقى التكييف للتهديد رهن وجود تهديد لصحّة وسلامة الطفل البدنيّة أو المعنويّة[83]، فانضمام تونس لاتفاقية مجلس أوروبا دليل ضمني على اعترافها بالطفل الضحيّة.  

الجزء الثاني: الاستغلال المعنوي للطفل

   نص المشرّع بالفصل 20 م.ح.ط على حالات تهديد الطفل من ضمنها حالات استغلال الطفل في الإجرام المنظّم (مبحث أول)، والتي تعرض لها بالفصل 19 منها وحالة استغلال الطفل في الجرائم الاقتصاديّة المنصوص عليها بالفصل 26 من نفس المجلّة (مبحث ثاني)، وهو ما أكدته اتفاقية الأمم المتحدة بالمادّة 36 التي تنصّ على انه:” تحمى الدول الأطراف الطفل من سائر أنواع الاستغلالات الضارّة …”

مبحث أول: استغلال الطفل في الجريمة المنظّمة

   أمام التطور الذي شهده العالم في جميع المجالات والتحولات الاقتصاديّة وثورة الاتصالات التي أدت لعولمة الاقتصاد وعولمة الثقافة وحتى عولمة الجريمة التي تجاوزت النطاق الفردي الضيق والتقليدي لتصبح الجريمة منظّمة وعابرة للقارات لذلك أطلق عليها الجريمة المنظّمة التي أصبح فيها الطفل عرضة للاستغلال، إذ أنّ المشرّع لم يتعرضّ لتعريفها بل اكتفى بالتعرض لها كحالة من حالات تهديد الطفل بالفصل 20 من مجلة حماية الطفل، وقد نصّ الفصل 19 من نفس المجلّة على انّه” يمنع استغلال الطفل في مختلف أشكال الإجرام المنظم بما في ذلك زرع التعصب والكراهية فيه وتحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع” وبالرجوع للمجلّة الجزائية فإنه لا يوجد تعريف خاص للجريمة المنظّمة بل توجد فقط جريمة تشارك المفسدين التي نصّ عليها بالفصل 131 منها[84]، وشدّد عقوبة من يستخدم طفلا أو عدّة أطفال في تنفيذ عملية إجرامية في إطار عصابات أو جماعات إجرامية، وذلك لما تمثّله هذه الجريمة من خطورة على الطفل لأنها تتجه في المقام الأوّل إلى فكره فتسلبه وإلى حرّيته فتقيّدها وتحدّ منها وذلك عن طريق ممارسة أنواع من القمع الفكري وغسل الدماغ[85].

   كما عرّفت الأمم المتحدة الجريمة المنظّمة على أنها الجماعة الإجرامية المنظّمة ذات هيكل تنظيمي، مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة وهي تنقسم عادة إلى مجموعتين الأولى وهي الرأس المفكّر للتنظيم أما الثانية تتشكّل من عناصر التنفيذ[86].

   وهذا الاتجاه ذهب إليه فقه القضاء من خلال القرار التعقيبي عدد 38035 المؤرخ في 26 جوان1991[87]، على أن ” مجرّد الانضمام أو الانخراط أو حتى الوفاق على تكوين عصابة المفسدين لارتكاب أو تحضير اعتداء على الأشخاص أو أملاك يعدّ جريمة ضد الأمن العام”.

   إضافة لانضمام تونس لعدّة اتفاقيات دولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنيّة بمقتضى القانون عدد 63 لسنة 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002.

   وفي هذا الإطار فقد بلغ عدد الإشعارات في استغلال الطفل في الجريمة المنظمة 254 إشعار[88] ويتّخذ الإجرام المنظم عدّة صور من ذلك استغلال الطفل في الجرائم الإرهابية (أ)، وجرائم المخدرات (ب)، واستغلاله له في جرائم النزاعات المسلّحة (ج). 

أـ استغلال الطفل في الجرائم الإرهابية

   شغلت ظاهرة الإرهاب العالم أجمع بسرعة انتشارها في السنوات الأخيرة، خاصّة منها الدول العربية على غرار تونس وليبيا وسوريا.

     فهو يمثّل نوع من أنواع العنف وأسباب ظهوره عديدة ومعقّدة منها ماهو اجتماعي، وسياسي واقتصادي، ومنها ما هو ديني وثقافي، وهو يشكّل أكثر التنظيمات الإجرامية سريعة الانتشار نتيجة اعتمادها لأحدث وسائل التكنولوجيا.

   وقد عرف الفصل 13 من القانون عدد 26 لسنة 2015 المؤرخ في 7 أوت 2015 الذي تمّ تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 09 المؤرّخ في 23 جانفي 2019[89]، المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال الجريمة الإرهابية على أنها ” كل جريمة يعتمد مرتكبها بأي وسيلة كانت تنفيذا لمشروع فردي أو جماعي ارتكاب فعل من الأفعال موضوع الفصول من 14 إلى 36 ويكون ذلك الفعل هادفا بحكم طبيعته أو في سياقه إلى بث الرعب بين السكاّن أو حمل دولة أو منظمة دولية على فعل ا ترك أم من علائقها”[90].

   ويمكن تعريف الإرهاب من هذا المنطلق على انه أي عمل هدفه ترويع فرد أو مجموعة أو دولة بغية تحقيق أهداف معيّنة لا يجيزها القانون، وتتمثّل في محاولة فرض مذهب أو رأي أو دين آو موقف بالقوّة والعنف بدلا من اللجوء إلى الحوار وتتألف الجماعات الإرهابية من خلايا وشبكات في غاية الدقّة والسريّة حيث نجد ترتيب هرمي يعلوه القادة ومساعدوهم والمديرون الذين يضعون الخطط ويأمرون ويوجد المنفذين الذين من مهامهم تنفيذ الأوامر دون أي نقاش آو اعتراض[91].

   فالإرهاب اليوم أصبح بمثابة الكابوس الذي يهدّد العالم ويهدّد الأمن الدولي وتتصدّر عديد الدول العربية المراتب الأولى في إنتاج وتصدير الإرهاب من خلال استقطاب الشباب ومنهم الأطفال دون الثمانية عشر عاما الذين يسهل غسل دماغهم وانضمامهم داخل المنظمات الإرهابية مقابل المال[92]، بحيث تقوم الحركات المتطرّفة باستدراج الأطفال عن طريق الانترنيت أو مواقع التواصل الاجتماعي مستغلة في ذلك صغر سنّهم وسهولة غسل أدمغتهم لإقناعهم بمشروعيّة أعمال الترويع والعنف، ثمّ يقومون في مرحلة ثانية باستقطابهم لتلقي التدريبات العسكريّة بقصد العمليات الإرهابية حيث يجد الطفل نفسه في النهاية منظما   إلى تنظيم اتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه[93]، وفي صورة رفض الطفل الاستجابة لرغباتهم يقع تهديده وتتمّ معاقبته أو تعذيبه أو إخضاعه لعمليات انتقاميّة[94]

   وبذلك يصبح الطفل أداة بين أيدي العصابات تنفّذ بها أعمالها الإجراميّة فينزلق بسهولة وراء عبث مخطر في الإجرام نظرا لعدم نضجه العقلي والنفسي[95]، حيث يقع جلبه ودمغجته فيصبح مدرّبا ومحنّكا وذو استعداد قوي يغري أعضاء التنظيم الإرهابي الذي هم في حاجة لتلك الشحنة القابلة للاستخدام في كل حين لأنه ييسر تنفيذ العمل الإرهابي دون إثارة الشكوك عند تنفيذها ودون الكشف عن الجناة الحقيقيين للعملية الإرهابية[96].

   لذلك فان استغلال الطفل في جريمة إرهابية يجعله مهدّدا وضحيّة لذلك الاستغلال، فهي جريمة قصديّة تشترط توفّر الركن القصدي الذي يقوم على بثّ الرعب وحمل الدولة أو منظّمة دولية على فعل أو ترك أمر من علائقها مثال ذلك ما نصّ عليه الفصل 218 و319 م.ج المتمثّل في بثّ الرعب بين السكان الذي أعتبر عملا إرهابيا ويعاقب عليه طبق قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، لكن التكفير والدعوة إليه والتحريض على الكراهية والتباغض بين الأجناس والأديان والمذاهب والدعوة إليه يعتبر جريمة إرهابية بطبيعتها دون إثبات القصد الجنائي فوجود ركن العلانيّة في الإشادة والتمجيد بجريمة إرهابية أو تنظيم وفاق يكفي لقيامها، والطفل في الجريمة الإرهابية يمكن أن يكون فاعلا أصليا أو مشاركا، وبالتالي فحتى لو لم تتم العملية الإرهابية بسبب العدول الاختياري فإن صاحبها يعاقب عنها، كما أن المشاركة في هذه العملية كالفاعل الأصلي يعاقب بنفس العقوبة وتشدّد العقوبة في الجريمة كلّما استخدم الطفل[97].

   فبالرغم من كون الطفل كان مجرّد وسيلة للقيام بالعمليات الإرهابية وتشديد المشرع عقوبة من يستخدم طفلا إلا انّه لم يعفي الطفل من العقاب في هذه الجرائم واعتبره إرهابيا.

   ورغم ذلك يبقى القضاء يعاملهم دائما كأطفال وجب حمايتهم فالطفل الشاهد على الاعتداء الإرهابي هو متضرر نفسيا إن لم يكن جسديا لأنه يبقى راسخا في ذهنه ويسبّب له نوع من الاهتزاز النفسي كالإحساس بعدم الأمان والذعر والخوف مما يسبّب له حالة من الانطواء والشعور بالنقص لذلك تدخّل المشرّع لمساعدة ضحايا الإرهاب ضمن القسم الثامن “في مساعدة ضحايا الإرهاب” من الفصل 79 إلى الفصل 82 من القانون الأساسي عدد 09 لسنة 2019 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال وأقرّ للطفل حق التداوي والعلاج المجاني كما مكنه من المساعدة الطبية والنفسيّة والتمتع بالمساعدة الاجتماعية لتيسير إعادة إدماجه في الحياة الاجتماعية[98].

 ب ـ استغلال الطفل في المخدرات                                             

تعد المخدرات من أكثر الظواهر المستفحلة والمنتشرة في حل المجتمعات وتعتبر من أكثر الأنشطة الإجرامية، إذ أن اغلب المنظمات الإجرامية الشهيرة انطلقت منذ نشأتها في ترويج المواد المخدرة والتي تدرّ عليها أموال طائلة جعلتها عصابات قويّة كالمافيا الايطاليّة.

ويمكن أن يكون الطفل أداة طيعة في يد التنظيمات الإجرامية المختصّة في تجارة المخدرات، لذلك فهي تعتمد للإطاحة به على يد إستراتيجية واحدة ذات أوجه متعدّدة[99]، استنادا إلى سياسة الترغيب وتسهيل استعمال المادّة المخدرة (1)، تمهيدا لوظيفته في ترويج المخدرات (2)[100].

  1. الطفل المستهلك للمخدرات

   تعرف المخدرات بأنها كل مادّة طبيعيّة أو مركبة يمكن أن تؤكل عل الجهاز العصبي المركزي أو تؤدي إلى حصول خضوع مادّي أو نفسي أو خطر صحي أو اجتماعي[101]،

والمخدرات في القانون هي المادّة التي تشكّل خطرا على صحّة الإنسان ويطلق عليها “العقاقير الخطيرة ” وهي كل المواد المدرجة بالجدول “ب” الملحق بالقانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلّق بالمخدرات[102].

    ونظرا لضعف الطفل العقلي والعاطفي فإن إمكانية استدراجه في جريمة استهلاك المخدرات يكون سهلا خاصّة مع مروره بمراحل من حياته وخاصّة فترة المراهقة التي تتميز بحب الاطلاع لدى الأطفال والمغامرة والتجربة والاكتشاف والاقتداء بتصرفات البالغين سواء كانت تصرفات محمودة أو غير ذلك لإبراز ذاته كراشد تجاوز فترة الطفولة، لذلك تسلك المنظمات الإجرامية سياسة الترغيب دون قيد أو شرط كدعوة مجانية تكون المرحلة الأولى للاستقبال[103]، تمهد لمرحلة فرض الشروط، خاصة مع تعود الطفل على الاستهلاك ووقوعه في الإدمان فيصبح بذلك مدمنا على تنفيذ أوامر مزوده بل يساهم في استقطاب الحرفاء من نفس الفئة العمرية أو دونها ما ساهم في توسيع القاعدة الاستهلاكيّة وبالتالي فإنّ سقوط الطفل في ظل هذه الآفة يمثل تهديدا على كيانه المعنوي والجسدي، ومراعاة لمصلحة الطفل فقد وضع المشرع هذه المسألة على رأس المشاكل الاجتماعية، فتدخل عبر الطرق الوقائية والعلاجية من خلال قانون  عدد 94 لسنة 1995 المتعلق بإتمام القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات[104] مضيفا الفصل 19 مكرر الذي ينصّ ” للمحكمة أن تكتفي بإخضاع الطفل في جرائم الاستهلاك للعلاج الطبي الذي يخلصه من التسمّم أو العلاج الطبي النفساني الذي يمنعه من الرجوع إلى ميدان المخدرات أو العلاج الاجتماعي أو لأي التدابير المنصوص عليها بالفصل 59 من مجلة حماية الطفل”، وغاية المشرّع من ذلك حماية الطفل باعتباره ضعيف المدارك وعاجز عن الدفاع عن نفسه[105].

  • استغلال الطفل في ترويج المخدرات: 

   تلجأ التنظيمات المختصّة إلى استخدام الأطفال في عمليات التهريب والترويج مستعملة عناصر البراءة والبساطة[106]، وسهولة استوائهم بكافة الأساليب التي يمكن أن تنطلي عليهم، حتى إن أجسادهم قد وظفت لهذه الغاية فقامت مقام الحاويات عند عملية العبور الحدودية وذلك إما بابتلاعهم لأكياس صغيرة تحتوي على المواد المخدرة ليقع استخراجها لاحقا بعد مدّة زمنية معيّنة أو استعمال أجسادهم ليقع إخراجها بعملية جراحية إثر اجتياز الحدود[107]، ويسعى تجّار المخدرات للأطفال دون 13 سنة لكي لا تطالهم الشبهات باعتبارهم عديمي الإرادة.

   حيث أنه لا يمكن حصر صور استغلال الطفل في ترويج أو تهريب أو توزيع المخدرات بل يمكن استخدامه كوسيط بين الراغبين في الشراء والمتحوّز على المادّة المخدرة مقابل مال يتقاضاه عن وساطته، وإن اختلفت الأدوار فإن الطفل يبقى مهدّدا لا محالة لأنّ استخدامه واستغلاله في تجارة المخدرات سيكون له آثار وخيمة عليه[108]، لذلك عمد المشرع إلى تشديد عقوبة المخدرات التي يكون فيها الطفل ضحيّة سواء بتشريكه أو استعماله كواسطة أو بتحريض من أصوله أو ممن له سلطة عليه بالفصل 11 من القانون عدد 52 لسنة 1992 تطبيقا لاتفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الاتجار بالمخدرات المؤرخة 19 ديسمبر 1988 كذلك المادّة 33 من اتفاقية حقوق الطفل للأمم المتحدة التي نصّت على انه:” تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة…لوقاية الأطفال من الاستخدام الغير مشروع للمواد المخدّرة والمواد المؤثّرة على العقل جسميا تحدّدت في المعاهدات الدوليّة ذات الصلة و لمنع استخدام الأطفال في إنتاج مثل هذه المواد، وفي كل الحالات وان اختلفت أشكال الاستغلال للطفل في جرائم المخدرات فانّه يكون مهدّدا في كل الحالات لا محالة، ويزداد الأمر خطورة إذا ما تمّ استغلال الطفل لترويج المخدرات داخل المؤسسات التربويّة أو التربويّة أو الاجتماعيّة أو الرياضيّة، فكيف يمكن للمشرّع أن يتعامل مع هذه الظاهرة التي أصبحت تستقطب شيئا فشيئا عددا أكبر من الأطفال فتقضي مبكرا على أجسادهم الصغيرة والضعيفة ؟

   ج ـ استغلال الطفل في النزاعات المسلّحة

   نص الفصل 18 من م.ح.ط على انه:” يتمتع الطفل بكل ضمانات القانون الإنساني الدولي المنصوص عليها بالمعاهدات الدولية المصادق عليها بصفة قانونية ويمنع تشريك الأطفال في الحروب والنزاعات المسلّحة.

   ما يمكن ملاحظته أن هذا الطفل يطرح مبدأ عام يتمثّل في خطر تشريك الأطفال في الحروب والنزاعات المسلّحة وذلك انسجاما مع المادّة 38 من اتفاقية حقوق الطفل وباقي الصكوك الدولية ذات الصلة[109]، وخاصّة البرتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلّحة الذي اعتمدته الجمعية العامّة للأمم المتحدة في 25 ماي 2000 وصادقت عليه تونس بمقتضى القانون عدد 42 لسنة 2002 المؤرخ في 7 ماي 2002، وقد نصّت المادّة الأولى من البروتوكول على أن الدول الأعضاء ضمان عدم تشريك الأطفال الذي لم يبلغوا سن 18 سنة من العمر اشتراكا مباشرا في الأعمال الحربيّة وهو نفس السّن المحدّد للتجنيد في قواتها المسلّحة[110].

   ورغم هذه العناية والإحاطة على المستويين الدولي والوطني التي يحظى بها الطفل إلا أن هذه النصوص والإجراءات بقيت عاجزة على توفير الحماية الكافية للطفل من الاستغلال أثناء الحروب والنزاعات المسلّحة، بحيث أفاد التقرير الصادر عن اليونيسيف لسنة 2011 حول وضع الأطفال أنه في جميع أنحاء العالم تتصاعد الأزمات والصراعات الإنسانية ويتفاقم الركود الاقتصادي مما يشكّل تهديدات على تطلّعات الشباب، فعالميا هناك أكثر من 1.2 مليار مراهق يقفون على مفترق الطرق بين عالم الطفولة وعالم الكبار وهو وقت محوري يحتاجون فيه إلى الدعم لاتخاذ مسارات جديدة [111]

   إذ انه في جميع دول العالم يتمّ تجنيد آلاف الأطفال في القوات المسلحة الحكومية                     والجماعات المتمرّدة كمقاتلين وحيث تقوم العصابات بخطف الأطفال ونقلهم إلى بعض الدول التي تشهد نزاعات مسلّحة، فتقوم ببيعهم إلى المليشيات التي تقوم بتعليمهم وتدريبهم على حمل السلاح كما يقع استغلالهم لأغراض جنسية مثلما حصل في سوريا حيث تستعمل الفتيات المجنّدات المقاتلات لإشباع الرغبات الجنسيّة للقادة[112].

   وبالتالي يمنع استخدام طفل في الحروب المسلّحة وذلك لخطورة تجنيد الأطفال وتشريكهم في الحروب حيث إنهم يتعرّضون إلى أشدّ أنواع الخطر وأفظع أشكال المعاناة النفسية والبدنية والمعاملة القاسية الوحشيّة، فالطفل إن نجا من الموت في النزاع المسلّح فإنّ طفولته لن تنجو وهو ما يهدّد حياته وحقّه في النماء والبقاء،لذلك حرص القانون الدولي على حماية الأطفال في حالات الطوارئ والحروب، فمنع تشريكهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال القتال خاصّة وأنّهم الأكثر عرضة لخطر الاستخدام من قبل الجنود المقاتلين الذين يستغلون خفّة وزنهم للقيام بأعمال التجسّس ونزع الألغام أو لنقل وتجهيز الطعام[113] 

   وعليه فقد نصّ المشرّع بالفصل 2 من القانون الأساسي لسنة 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته على أن:” الممارسات الشبيهة بالرق: استخدام الطفل في أنشطة إجرامية أو في نزاع مسلّح”، وهو ما يجعل من الطفل الواقع استغلاله في النزاع المسلّح الدولي أو غير الدولي مهدّدا وفي حاجة للحماية والمساعدة كضحيّة[114].

   وحسب ما جاء ضمن إصدارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول الأطفال الجنود انه:” يقدّر عدد الأطفال الذين يشاركون فعليا في النزاعات المسلّحة في العالم بما يزيد عن 300.000 طفل، إلى جانب مئات الآلاف من الأطفال الذين يجنّدون في القوات المسلّحة لبلدان لا تخوض نزاع مسلّحا في الوقت الحالي[115]، وتفاديا لمثل هذه الوضعيات غير الإنسانية فقد تضمّنت المادّة الثالثة من البروتوكول[116]، “أن الدول الأطراف تكفل عدم خضوع الأشخاص الذين لم يبلغوا الثمانية عشرة من العمر للتجنيد الإجباري في قواّتها المسلّحة بهدف حماية الأطفال في الحياة من الخطر الملم بسبب مشاركته المباشرة في القوات المسلّحة و عدم حرمانه من عيش مرحلة طفولته بسلام، كما جاء في الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاهية الطفل على أن “لا يشارك أي طفل بدور مباشر في أعمال العنف والإحجام على وجه الخصوص عن تجنيده” [117]

   وفي نفس السياق يمكن الإشارة إلى أن القانون عدد 42 لسنة 2004 المؤرخ في 14 جانفي 2004 المتعلق بالخدمة الوطنية تولى تحديد سن الخدمة الوطنية ضمن فصله الثاني بصفة مبدئيّة بعشرين سنة وبصفة استثنائية بثمانية عشرة عاما بشرط التطوع من المعني بالأمر والترخيص من وليّه وموافقة الوزير المكلّف بالدفاع الوطني، وتبعا لذلك لا يمكن لمن لم يبلغ سنّه 18 سنة أن يكون ضمن القوات المسلّحة التونسية وهو ما يقصي كليا إمكانية تواجد أطفال تونسيين في الخدمة العسكرية لغرض تسديد حاجيات الجيش الوطني ضمن القوات المسلّحة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي  وذلك لانضمام تونس في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتّحدة من أجل إعادة الأمن والاستقرار داخل البلدان التي تدور فيها الحروب أو النزاعات المسلّحة[118].

   وعليه يمكن القول أن عدم تجنيد الأطفال هو حقّ مكفول لفائدة جميع الأطفال وواجب على الدولة ضمانه من خلال تدخّلها لمنع خرقه بالإضافة إلى أنها مطالبة بضمان التّسريح الفوري للأطفال المستخدمين في الأعمال الحربية ومساعدتهم على الاندماج[119] .

مبحث ثاني: استغلال الطفل في الجرائم الاقتصاديّة

   يعتبر الاستغلال الاقتصادي شكلا من أشكال الاتجار بالبشر وقد تبنّته مجلة حماية الطفل بالفصل 26 منها على أن :” تعريض الطفل للتسوّل أو تشغيله في ظروف مخالفة للقانون  وتكليفه بعمل من شأنها أن يعوقه عن تعليمه أو يكون ضارا بصحّته أو سلامته البدنيّة أو المعنوية”، أما على الصعيد الدولي فقد نصّ الفصل 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق  الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 على انه من واجب حماية الأطفال والمراهقين من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي وتسليط عقوبات على استخدامهم في أي عمل من شأنها إفساد أخلاقهم أو الإضرار بصحّتهم أو تهديد حياتهم بالخطر أو إلحاق الأذى بنموهم الطبيعي[120].

   وفي نفس الاتجاه ذهبت المادّة 32 من اتفاقية حقوق الطفل التي تلزم جميع الدول المصادقة بحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومنعت بذلك تكليف الطفل بأي عمل يمكن أن يكون خطير وأن يمثّل إعاقة لتعليمه أو يكون ضارا لصحّته أو نموّه البدني أو الروحي أو العقلي أو المعنوي أو الاجتماعي وهو ما سعى إليه المشرع التونسي منة خلال إقرار عقوبات جزائية صارمة لكل أشكال الاستغلال الاقتصادي للطفل سواء عند تعريضه للتسوّل (أ)، أو تشغيله في ظروف مخالفة للقانون (ب).

أ ـ استغلال الطفل في التسوّل

   تعتبر من صور الاستغلال الاقتصادي التي تعرض إليها المشرع التونسي هي تعريض الطفل للتسوّل، والتسول لغة: هو الاستنجاد وطلب صدقة ويعبّر عنه بالتكفّف، ويقول تكفّف فلان أي مدّ كفّه للناس وتكفّف الرجل أخذ الشيء بكفّه أو سأل كفا من الطعام أو ما يكفّ به الجوع[121].

   والتسّول يعتبر مهنة هامشيّة تعتمد على الشفقة والرحمة وابتزاز أموال الغير ويمثّل الأطفال طعما لاستقطاب الناس، وعادة ما يكون وراء هؤلاء الأطفال المتسولون عصابات منظمة يستغلّون الأطفال الذين هم بدون عائلة أو يتم اختطافهم حيث تقوم هذه الأخيرة بتوزيعهم على المقاهي والمساجد والأسواق والمطاعم وأمام أفخم المحلات التجارية ثم بعد ذلك تجمع هذه العصابات الأموال التي تسوّلها هؤلاء الأطفال مقابل إعطائهم الأكل وتوفير مأوى لهم[122]، كما يمكن أن تلجأ عائلات الأطفال إلى استعمال أبنائهم الصغار في التسول لكسب المال أمام غلاء المعيشة والأوضاع الصعبة، لذلك عادة ما نجد الأمهات يقمن باستعمال أطفالهم الصغار وخاصّة الرضع منهم في التسول لإثارة شفقة الناس واستعطافهم، بحيث تقوم المرأة باستخدام الرضيع وهو يبكي بعلّة أنها لم تجد له الطعام وهو جائع وأنّها لم تجد له المال لشراء الحليب لتطعمه، وبع بضع أمتار تجد امرأة أخرى بجانبها فتاة صغيرة رثّة الثياب مدعية أنها يتيمة ومريضة وأنّها لم تجد المال لرعايتها….والأمثلة عديدة خاصة في شوارع العاصمة التي نراها يوميا والتي هي في ازدياد وتفاقم يوم بعد يوم .

    وقد ورد في هذا الإطار على مكاتب مندوبي حماية الطفولة حوالي 54 إشعار سنة 2016 تخصّ حالة تعريض الطفل للتسوّل من قبل الكبار و10 إشعارات في خصوص تعريض الطفل للتسوّل في إطار منظّم[123].

   كما تجدر الإشارة أن جريمة استغلال الأطفال في التسوّل كانت تعرف بجريمة التكفّف التي جرّمها الفصل 171 ثالثا من مجلة جزائية، حيث كان المشرع يعاقب عليها كل من يستخدم طفلا في التسول سنّه اقل من 18 سنة ويرفع العقاب إلى ضعفه في الإجرام المنظم.

   أما بصدور القانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 المتعلق بالاتجار بالأشخاص فقد جاء بفصله 66″ تلغى أحكام الفصل 171 ثالثا من م.ج و بالتالي ألغيت جريمة التكفف باستغلال طفل في التسوّل ليقع تعويضها بجريمة الاتجار بالأشخاص في التسول على معنى الفصل 2 فقرة ثانية حيث يتم تكييفها بقيام الجاني على جملة الأفعال المتمثلة في استقطاب أو تجنيد أو نقل أو تحويل وجهة أو إيواء أو استقبال الطفل لغرض استغلاله في التسوّل، فحتى برضا الطفل تقوم الجريمة، أما عقوبتها بالفصل 23 من القانون الأساسي المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص الذي شدّد في عقوبة كل من ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص  ضدّ الطفل[124].

   وبالتالي فإن تعريض طفل للتسوّل يسيء لذات الطفل وكرامته ويمثّل اعتداء على حقّه في أن يتمتّع بطفولة سليمة وهادئة، كما أن الطفل الذي تعوّد التسوّل عندما يصبح راشدا سيمتهنّ التسوّل لأنه اعتاد الكسب السهل ونظرات الشفقة والاحتقار التي يتعرّض لها وتكون سببا في انحرافه، فهذا السلوك هو إجرام في حقّ الطفولة واعتداء على حقّهم في التعليم  والتربية وحقّه في النمو، فالطفل سيجد نفسه في الشارع عرضة لأصحاب السوء والإجرام كما أن  الظروف التي يتسول فيها لها تأثير سلبي على صحّته وسلامته البدنيّة من ذلك تعرّضه للبرد أو الحرارة والأمطار ، كذلك بقاء الطفل طيلة اليوم للجوع وهو ما من شأنه أن ينهك قواه البدنيّة ويصيب جسده الصغير بالأمراض والعلل[125].

  إلّا أن الاستغلال الاقتصادي للطفل لا يقتصر على التسوّل فحسب بل هناك صورة أخرى لا تقلّ خطورة منها وهي تشغيل الأطفال دون السنّ القانونيّة، لذلك منع المشرّع تشغيل الأطفال في ظروف مخالفة للقانون وأعتبره شكلا من أشكال الاستغلال الاقتصادي. 

 ب ـ تشغيل الطفل دون السنّ القانوني:

    إن تشغيل الطفل في ظروف مخالفة  للقانون أو تكليفه بعمل من شأنه أن يعوقه عن تعليمه أو يكون ضارا بصحّته وسلامته البدنية والمعنوية هي حالات  وصور تعرضت إليها مجلّة حماية الطفل بالفصل 26 منها والمادّة  32 من اتفاقية حقوق الطفل[126]، التي اعتبرت أن تعريض الطفل إلى أداء عمل خطير أو يعوق تعليم الطفل أو يضرّ بصحّته ونموّه الطبيعي والبدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي هو استغلال يستوجب حماية كما دعت في فقرتها الثانية إلى ضرورة اخذ التدابير لحماية الطفل المهدّد لمثل هذه التهديدات وتحديد العمر الأدنى للعمل ووضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه ودعت أيضا لفرض عقوبات أخرى لضمان الحماية للطفل .

   كما صادقت تونس في إطار مكافحة عمل الأطفال على اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 138 المتعلقة بالسن الأدنى للعمل سنة 1995 واتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 182 المتعلقة بأسوأ أشكال عمل الأطفال سنة 2000[127]

   وحسب منظمة العمل الدولية يشمل مصطلح عمل الأطفال الذي وجب القضاء عليه كل الأنشطة التي تحرم الأطفال من طفولتهم ومن قدراتهم وكرامتهم وتخلّ بتمدرسهم وصحّتهم ونموّهم الجسدي والذهني ولذلك يعدّ التشريع ضرورة لحماية الأطفال من مخاطر العمل[128]، غير انه لا تضيّق كل الأنشطة التي يتعاطاها الأطفال التي وجب القضاء عليها مثل مساعدة الأولياء في إطار المؤسسات العائلية.   

   وبالتالي الطفل العامل له إطار قانوني يحميه يتمثل في مجلّة الشغل الصادرة في 30 ابريل 1966 التي أكّدت على الصبغة التعاقديّة للعلاقات المهنيّة المبنيّة على التوازن بين الأجير ومؤجّره كما نصّت على السنّ الدنيا للعمل بالنسبة للأطفال [129]، الذي لا يقل عن 16 عاما، وما يمكن ملاحظته أن اختيار هذا السن ليس اعتباطيا بل في توافق تام مع مبدأ إجبارية التعليم  الأساسي الذي يمتدّ إلى حدود سن السادسة عشر عاما[130]، وأنّ هذا السنّ لها استثناءات بالتخفيض بالنسبة للأطفال الذين يعملون في نشاط مؤسساتي يعمل فيها أفراد عائلته فقط وتحت سلطة الأب أو الأم[131]، ويشترط أن لا يكون لهذا العمل أي تأثير على صحّة الطفل ونموّه البدني الطبيعي والعقلي وعلى تعليمه.

   أيضا يحق حسب الفصل 55 مجلة الشغل قبول الأطفال في سنّ الثلاثة عشرة عاما بالأشغال الفلاحية الخفيفة التي لا تضر بصحّتهم ونموّهم ولا تمسّ بمواضبتهم  وقدراتهم على الدراسة، أما فيما يخصّ العمل  في المنازل فبالرجوع للقانون عدد 32 لسنة 2005 المؤرخ في 4 ابريل 2005 المتعلق بتنقيح القانون عدد 25 لسنة 1965 المتعلق بحالة عملة المنازل نجد أن السن الأدنى لتشغيل الأطفال هو 16 عاما إذ انه لم يكن هناك قانون صارم على من يتجاوز السن الدنيا للتشغيل إذ يعمد الكثير من الناس إلى تشغيل الأطفال دون السادسة عشرة في منازلهم خاصّة في صفوف الإناث حتى يسهل استغلالهم والخضوع تحت إمرتهم إلى أن صدر قانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالعنف ضد المرأة والذي نصّ بفصله 20 على ما يلي” يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر وبخطيّة من ألفي دينار إلى خمسة آلاف دينار كل من يتعمّد تشغيل الأطفال كعملة منازل بصفة مباشرة أو غير مباشرة”.

   إضافة لاشتراط المشرّع سنّ معيّنة في عمل الأطفال فقد اعتنى بظروف عمله فاشتراط المراقبة السابقة للطفل بإخضاعه لفحص طبّي معمّق[132]، يكشف مدى قدرته وتأهيله للعمل والذي يقوم به طبيب الشغل كما اشترط المراقبة الدوريّة إلى حدود بلوغه سنّ الثامنة عشر عاما[133].

   كما حجّر المشرع تشغيل الأطفال مهما كانت طبيعة النشاط المكلفين به إلا أن هذا المبدأ ترد عليه استثناءات منها ما جاء بالفصل 67 من مجلة الشغل من ذلك القوة القاهرة أو المشاركة في الحفلات أو العروض السينمائية أو العمل في المخابز[134]، أو الأطفال الذين يمثّل العمل جزءا من الدورات التعليميّة أو التكوينيّة الذين يتلقونها [135] .

  لكن ولئن ظهر حرص المشرّع على الإلمام بكل جوانب عمل الطفل من اشتراط بلوغ سن دنيا واشتراط ظروف عمل تحفظ الصحّة وتؤكد على الرقابة وتحديد ساعات العمل فإن العقوبة الجزائية المسلطة على المخالفة لهذه الأحكام لا تعدّ رادعة أو زاجرة، فالعقوبات التي تنصّ عليها الفصول 223 و224 مجلة الشغل لا تتجاوز الخطيّة المالية بين 24 و60 دينار وهو ما يستدعي تدخّل تشريعي لتنقيح مجلّة الشغل حتى تصبح العقوبة أشد، مثل قانون 58 لسنة 2017 المتعلق بالعنف ضد المرأة الذي جاء بعقوبة زاجرة تجمع بين السجن والخطيّة للفاعل الأصلي أو حتى الوسيط في تشغيل الأطفال دون السن القانونية في المنازل[136].

   فعمل الأطفال ما هو إلا قرينة على انقطاعه عن الدراسة وعجز العائلة عن القيام بواجباتها الماديّة ودليل على الفقر والخصاصة كما يمكن أن يكون الطفل فاقدا للعائلة أصلا، إذا فهو انطلق مهدّدا عائليا ليصبح مهدّدا اجتماعيا بخروجه للعمل، كذلك فقد تفشّت ظاهرة عمل الفتيات في المنازل دون سنّ الثامنة عشر عاما في ظروف قاسية وسط أسرة أجنبية عنها خاضعة بذلك لإرادة مؤجرها والتي تكون في بعض الأحيان قاسية تصل حتى الاعتداء بالعنف والانتهاك الجنسي[137]، واللاتي يتم جلبهن من الأرياف عن طريق وسيط مقابل أجر مالي زهيد ليتمّ تنقيلهنّ من منازلهن إلى العمل المنزلي في ظروف غالبا ما تكون كارثيّة ومخالفة للقانون وهذا التصرّف تكتمل به جريمة الاتجار بالأشخاص حيث أنّ فعل التنقيل موجود من مكان لآخر وذلك لاستغلاله اقتصاديا في إطار الخدمة قسرا أو الاستعباد[138]

  فلئن تعرّضت مجلة حماية الطفل لصور من استغلال الطفل اقتصاديا إلا أنها لم تتعرض للخطر الذي يهدّد أموال الطفل وذمّته المالية وهو ما من شأنه أن يهدّد الطفل ويعقّد القضايا التي تطرح مثل هذا الإشكال  لذلك فانّ هذا الكائن الضعيف في حاجة إلى من يساعده ويحميه حتى لا ينزلق في عالم الانحراف والجنوح.


[1]  نسرين بن مطير، الطفل المهدّد بين الحماية الاجتماعية وللقضائيّة، رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء، 2017‑ 2018، ص1

[2]  حمدي عبد الحميد متولّي صالح، الحماية الجنائية للطفل المجني، منشورات المكتب الجامعي الحديث، القاهرة، 2015 ص 58.

[3]  محمد صالح حمدوني، الطفل المهدّد، مذكّرة لنيل شهادة الماجستير في العقود و الاستثمارات، جامعة المنار، كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة بتونسّ، 2011‑2010 ، ص 1.

[4]  – ابن منظور، لسان العرب، الجزء الثالث عشر، فصل الطاء لسان دار العرب، بيروت  1968 ، ص 468.

[5]  – أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، ابن منظور الإفريقي لسان العرب، الطبعة الأولى، المجلّد الرابع1997 ص183.

[6] – الأمر عدد 2423 المؤرخ في 11 ديسمبر1955 المتعلق بالنظام الداخلي الخاص بمراكز إصلاح الأحداث للمنحرفين.

[7] – صادقت تونس على اتفاقية الأمم المتحدّة لحقوق الطفل بموجب القانون عدد 92 لسنة 1991 المؤرخ في 29نوفمبر1991، نشرت بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بموجب الأمر عدد1865 لسنة 1991 المؤرخ في 10ديسمبر 1991، عدد84، ص 658.

[8] – سورة غافر الآية 67.

[9] – خالد مصطفى فهمي، حقوق الطفل ومعاملاته الجنائية في ضوء الاتفاقيات الدولية، دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة، 2007، ص10.

[10] – هلالي عبد الله أحمد، الحماية الجزائية لحق الطفل في الحياة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة الأولى، 1989، ص 40.

[11] – محمد كمال شرف الدين، قانون مدني، النظرية العامّة، الأشخاص، إثبات الحقوق، المطبعة الرسميّة للجمهورية التونسية، طبعة أولى، 2002 ص 179.

[12]  نجيبة النصري، الحماية الجزائية للطفل، مذكّرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الجنائية، كلية الحقوق والعلوم السياسيى بتونس 2009-2010 ص 2.

[13]  نجيبة النصري، مرجع سالف الذكر ص 2.

[14]  حمدي عبد الحميد متولّي صالح، مرجع سابق، ص 61.

[15]  القانون عدد 39 لسنة 2010 المؤرخ في 26 جويلية2010 والمتعلق بتوحيد سنّ الرشد المدني.     

[16]  الفصل 43 م.ج:” يقع تطبيق القانون الجزائي على المتهمين الذين سنّهم أكثر من ثلاثة عشر عاما وأقل من ثمانية عشر عاما كاملة”. 

[17]  الفصل 3 من م.ح.ط.

[18]   الفصل 3 من هذا القانون القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت  2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة :” يقصد بالمصطلحات التالية على معنى الطفل ذكرا كان أو أنثى على معنى  مجلة حماية الطفل”. 

[19]  – الفصل 153 م.أ.ش.

 [20]  –  الفصول من 158، 159 من م.أ.ش.

[21]  – نسرين بن مطير، مرجع سابق، ص 90.

[22] – الفصل 36 من اتفاقية حقوق الطفل:” تحمي الدول الأطراف الطفل من سائر أشكال الاستغلال الضارّة بأي جانب من جوانب رفاه الطفل”.

[23] –  ثريا بو يحي، حماية الطفل المهدّد، مجلّة بحوث ودراسات قانونية عدد 14 ، عدد خاص بالقاضي وإرساء دعائم دولة القانون(القاضي وحقوق الطفل) لسنة 2018 ، مجمع الأطرش للكتاب المختص طبعة 2020، ص 117.

[24] –  سمية العريبي، حماية الطفل المهدّد من خلال مجلّة حماية الطفل، مذكّرة لنيل شهادة الماجستير في قانون العقود والاستثمارات، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،2010-2011، ص 3.

[25] – الاتجار بالأشخاص والمهاجرين، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ص 23.

[26] – النصوص القانونية والترتيبية المتعلقة بعمل الأطفال في تونس، منظمة العمل الدولية 2019، الطبعة الأولى 2019، تونس الجمهورية التونسية : www.Ilo.org/trqvqildesenfants.

[27] – سميّة العريبي، مرجع سابق ، ص 28 .

[28]  دليل النصوص القانونية والترتيبية المتعلّقة بعمل الأطفال في تونس، مرجع سابق، ص 24.

[29]  مصطفى بن جعفر، حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي، م.ق.ت، 1999 ص 195.

[30]  – فاتن هميلة، الطفل ضحية الجرائم الجنسية،رسالة تخرّج بالمعهد الأعلى للقضاء، 2017/2018، ص 65.

[31] – المنجي طرشونة، حماية الأحداث من خلال قانون الشغل التونسي، م.ق.ت 1994، ص 1.

[32] – المادّة 36 من اتفاقيّة الأمم المتحدّة لحقوق الطفل” تحمي الدول الطفل من سائر أشكال الاستغلال الضارّة بأي جانب من جوانب رفاه الطفل”.

[33] – قانون عدد 61 لسنة 2016 مؤرخ في 3/8/2016 يتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته.

[34] – المادة الأولى من البرتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال:” تحضر الدول الأطراف بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء المواد الإباحية..”.

[35] – الفصل 25 من م.ح.ط:” يعد من قبيل الاستغلال الجنسي للطفل ذكرا كان أو أنثى تعريضه لأعمال الدعارة سواء بمقابل أو بدونه وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة”.

[36] – فاتن هميلة، الطفل ضحيّة الجرائم الجنسية، مرجع سابق ص 67.

[37] – الفصل 232 من م.ج:” يعد وسيطا في الخناء ويعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وبخطية من مائة دينار إلى خمس مائة دينار: أولا: يعين أو يحمي بأي وسيلة كانت خناء الغير أو يسعى في جلب الناس إليه”.

[38] – المجلّة الجزائية معلق عليها، تعليق 2016 ص 432.

[39] – قرار تعقيبي جزائي عدد 6606 مؤرخ في 15 ماي 1982، ن.م.ت، 1982 ص 193.

[40] – قرار تعقيبي جزائي عدد 36154 مؤرخ في 22 جوان 1992، ن.م.ت، 1992 ص 194.

[41] – قرار تعقيبي جزائي عدد 7598 مؤرخ في 7 جوان 1970، ن.م.ت 1971 ص 207.

[42] – فاروق حفاصني، موسوعة القانون الجزائي التونسي، ج.3 ،دار سنابل للنشر ،تونس ،2016 ، ص 46 .

[43] – الفصل 231 فقرة ثانية من م.ج:”… يعتبر مشاركا كل شخص أتّصل بإحدى النساء جنسيا…”.

[44] – نسرين بن مطير، مرجع سابق ، ص 106.

[45]  نسرين بن مطير، مرجع سابق ص 106.

[46]  هالة الشيحي، استغلال الطفل في الجريمة المنظّمة، الهيئة الوطنيّة للمحامين، محاضرة ختم التمارين، فرع نابل 2014/2015 ص 15.14.

[47]  الفصل 235 من م.ج:” تسلّط العقوبات المنصوص عليها بالفصل 234.233.232 السابقة حتى ولو كانت مختلفة الأعمال التي تؤلف عناصر الجريمة قد ارتكبت ببلدان مختلفة”.

[48] – عبد الباسط الخالدي، حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي، ص 107.

[49] – رضا المزغني، رعاية الأحداث في القوانين والتشريعات العربية، دار النشر بالمركز العربي للدراسات بالرياض 1990 ص 156.

[50] – عبادة الكافي، المجلة الجزائية معلق عليها، ص244.

[51] – فرج القصير،القانون الجنائي العام، مركز النشر الجامعي، 2006 ص 172.

[52] – إدوارد غالي الذهبي، الجرائم الجنسيّة، مكتبة غريب، القاهرة 1988 ص 226.

[53] – قرار تعقيبي جزائي عدد 7532 مؤرخ في 14 فيفري 1973 مأخوذ من مذكرة الطفل المهدد بين الحماية الاجتماعيّة والقضائيّة، نسرين مطير، مرجع سابق، ص 108.

 [54]  – مصطفى بن جعفر، حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي، م.ق.ت، جانفي 1999، ص 102.

[55] -Cass.crim ,19 sep 2001,n°00-350 ,conte(ph),corruption de mineur, droit pénal, Mai 2017,p43 .

[56] – Cass.crim ,19juin 1996, n°0095-83-756,juris Data n°1996 ,Bull.crim n°265,op cit,p,43 .

[57] –  التقرير السنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة 2016، مرجع سابق ص 35.

[58] – فتحي الميموني، حماية الطفل بين التشريع و الواقع المتجدد، الجمهورية التونسية وزارة العدل وحقوق الإنسان، مركز الدراسات القانونية والقضائية،م ق ت،  فيفري 2005،ص 79 .

[59]  – سوسن الماجري، التصدّي للجرائم المرتكبة ضدّ الأطفال، جامعة تونس المنار، كلية العلوم السياسية المنار تونس، مذكرة للحصول على الماجستير في العلوم الجنائية 2007/2008 ص 67.

[60]ـ   ناهد البرهومي: حماية الأطفال من الجرائم الجنسية المرتكبة ضدّهم، مذكرة الإحراز على شهادة الماجستير في قانون الأعمال، كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة بتونس، ص 42.

[61]  سوسن الماجري، مرجع سابق ص 67.

[62]  عبد الله الأحمدي، حقوق الإنسان والحريات العامّة، اوربس للطباعة والنشر، تونس، ص 220.

[63]  الفصل 226 مكرر من م.ج:” يعاقب بالسجن مدّة ستّة أشهر و بخطيّة قدرها ألف دينار كل من يعتدي علنا على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامّة بالإشارة أو القول أو يعمد إلى مضايقة الغير بوجه يخلّ بالحياء”.

[64]  عبد الله  الأحمدي، مرجع سابق ص 291.

[65]  فاتن هميلة، مرجع سابق ص 80.

[66]  قانون الإيداع صدر بمجلة الصحافة تحت عدد 75-32 بتاريخ 28 أفريل 1975 منقح بالقانون عدد 37 لسنة 2015 مؤرخ في 22 سبتمبر 2015.

[67] – سميّة العريبي، مرجع سابق، ص 32 .

[68] – سلوى عبد العزيز، الجرائم الاخلاقية والإباحية عبر الانترنت و أثرها على المجتمع من منظور شرعي و قانوني، مجلة الواحات للبحوث والدراسات، جامعة الحاج الأخضر باتنة 2012 العدد 17 ص 170.

[69] – تم اعتماد هذا البروتوكول بموجب قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة رقم 25 نوفمبر 2000.

[70]  هلالي عبد الله احمد، اتفاقية بودابست لمكافحة جرائم المعلومات، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، القاهرة، 2007 ص 115.

[71]  الفصل 226 مكرر من م.ج:” يعاقب بالسجن مدّة ستّة أشهر وبخطيّة قدرها ألف دينار كل من يعتدي علنا على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامّة بالإشارة أو القول أو يعمد إلى مضايقة الغير بوجه يخلّ بالحياء”.

[72]  فاتن هميلة، مرجع سابق ص 94.

[73]  التقرير السنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة 2016، مرجع سابق. ص 35.

[74]  مصطفى بن جعفر، مرجع سابق، ص 50.

[75]  مصطفى بن جعفر، مرجع سابق، ص 50

[76]  التقرير السنوي التفسيري للاتفاقية الأوروبية للإجرام ألمعلوماتي المبرمة في 23 نوفمبر 2001 بودابست فقرة 100.

[77] – هالة الشيحي، استغلال الطفل في الجريمة المنظّمة، مرجع سابق ص 24-25 .

[78] – بسام عاطف المهتار، استغلال الأطفال، تحديات وحلول، منشورات الحلبي الحقوقية، 2008، ص 66.

[79] – بسام عاطف المهتار ، مرجع السابق، ص 67 .

[80]  هالة الشيحي، استغلال الطفل في الجريمة المنظّمة، مرجع سابق ص 25.

[81] – شمل 51،5%  تحرش جنسي، و35% ممارسة جنس، 12 % حالة زنا محارم، و43 % حالة استغلال جنسي، مأخوذ من مجلة بحوث ودراسات قانونية عدد 14،عدد خاص بالقاضي وإرساء دعائم دولة القانون، ثريا بن يحي، حماية ضحايا الاعتداءات الجنسية على ضوء القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، ص123 .

[82] – حكم جناحي استئنافي، عدد 538 بتاريخ 28-01-2020، محكمة الاستئناف بجندوبة، الدائرة الجناحيّة،               

[83]  نسرين بن مطير، مرجع سابق ص 123.

[84]  الفصل 131 من م.ج:” كل عصابة تكوّنت لأي مدّة كانت مهما كان عدد أعضاؤها، وكلّ وفاق وقع بقصد تحضير أو ارتكاب اعتداء على الأشخاص أو الأملاك تعدّ جريمة ضدّ الأمن العام”.

[85] – رضا خماخم، حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعيّة تونس 1997 ص 42.

[86]  محمد اللجمي، إثبات الجريمة المنظّمة، م.ق.ت، نوفمبر 1990 ص 27.

[87]  قرار تعقيبي جزائي عدد 38035 مؤرخ في 26 جوان 1991، مأخوذ من م.ق.ت، ص 77 رضا خماخم، المجلة الجزائية معلّق عليها، ص 160.

[88] – التقرير الإحصائي السنوي لمندوب حماية الطفولة لسنة 2019، مرجع سابق

[89] – مداولات مجلس نواب الشعب ومصادقته بجلسته المنعقدة بتاريخ 10 جانفي 2019، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 29 جانفي 2019، عدد 9، ص 235.

[90] ـ أماني بن صالح، الطفل بين مجلة حماية الطّفل وقانون القضاء على العنف ضد المرأة، رسالة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء، فوج التاسع والعشرون، 2018 – 2019، ص 51.

[91]  محمود صالح العدلي، موسوعة القانون الجنائي للإرهاب، دار الفكر الجامعي الإسكندرية 2003 ص 29.

[92] ـ مريم بالعربي، الطفل الضحية، رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد الأعلى للقضاء، السنة القضائية 2016 – 2016 ص35.

[93] – قرار تعقيبي جزائي عدد 55395 مؤرّخ في 25-01-2018 مأخوذ من كتاب الحماية الجزائية للطفل من العنف، تأليف سرين قطاط، مرجع سابق،ص 40 .

[94] – بشرى سلمان حسين العبيدي، الانتهاكات الجنائيّة الدوليّة لحقوق الطفل، منشورات الحلبي الحقوقيّة لبنان، 2011، ص 340 .

[95]  محمد الحبيب الشريف، حماية الأطفال في النزاعات المسلّحة، م.ق.ت، جويلية 2003، ص 13 وما بعده.

[96]  حاتم بو زيان، حماية الطفل في القانون الجزائي، مذكرة للإحراز على شهادة الدراسات المعمّقة في قانون الأعمال، كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية سوسة 2002/2003 ص 149.

[97] – الفصل 10 من قانون 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب:” يحكم وجوبا بأقصى العقوبة المستوجبة للجريمة الإرهابية … إذا ارتكبت باستخدام طفل”.

[98] – الفصل 82 من قانون مكافحة الإرهاب:” تلتزم الدولة بالتعويض لفائدة ضحايا الإرهاب…”.

[99]  وداد النقاش، استغلال الطفل في الجرائم، مذكرة المعهد الأعلى للقضاء، 2006/2007 ص 114.

[100]  L’article 227-18 code pénale français annote.opp.cit.p 515.

[101]  مريم بالعربي، الطفل الضحيّة، مرجع سابق ص 37.

[102] – الفصل 2 من قانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلّق بالمخدرات.

[103]  سنية المحواشي، الطفل في جرائم المخدرات، المعهد الأعلى للقضاء 2004/2005 ص 93.

[104] – القانون عدد 39 لسنة 2017 المؤرّخ في 08 ماي 2017 المتعلّق بتنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرّخ في 18 ماي 1992 المتعلّق بالمخدرات، والذي ألغى أحكام الفصل 12 من قانون 52 لسنة 1992 وعوّضها بالفصل 12 جديد الذي جاء فيه “لا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلّة الجزائية على الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون باستثناء تلك المنصوص عليها بالفصلين 4 و8 منه”

[105] ـ وداد النقاش، مرجع سابق ص 148.

[106]  نجيبة الشريف، طفلنا بين التشريع والقضاء، الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم، تونس، طبعة أولى، جانفي 2000 ص 40.

[107]  صالح سعد، المخدرات والمجتمع 1، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الأردن 1998 ص 98.

[108]  نسرين بن مطير، مرجع سابق ص 120.

[109]  رضا خماخم  وحاتم قطران: مجلّة حماية الطفل معلق عليها،2012، ص 26.

[110]  محمد الحبيب الشريف، حماية الأطفال في النزاعات المسلّحة، م.ق.ت، جويلية 2003 ص 16.

[111]– تقرير اليونيسيف لوضع الأطفال في العالم 2011 .

[112]  وائل حداد، الطفل في الجريمة المنظّمة، رسالة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الجنائية، كلية العلوم والحقوق السياسية بتونس 2005/2006 ص 63.

[113] – حمدي عبد الحميد متولي، مرجع سابق، ص 565.

[114]  نسرين بن مطير، مرجع سابق ص 122.

[115] – عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العالم، حقوق الإنسان الطبعة الأولى لسنة 2004 ص 128 وما يليه.

[116]  – البروتوكول الاختياري المتعلق باشتراك الأطفال في النزاعات المسلّحة الذي انضمّت إليه تونس بموجب القانون عدد 42 لسنة 2002 المؤرخ في 7 ماي 2002.

[117] – المادّة 22 من الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاهيّة الطفل لسنة 1991.

[118] – سامية دولة، الحماية الدولية للأطفال في مجال النزاعات المسلّحة، م.ق.ت، ديسمبر 2008 ص 67-68.

[119] – سامية دولة، الحماية الدولية للأطفال في مجال النزاعات المسلّحة، مرجع سابق، ص 66

[120]  – حميدة العريف، حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، م.ق.ت جانفي 1999 ص 59.

[121]  سهيل سمامة، القاموس المبسط، منشورات مكتبة سمير، طبعة ثانية 1990 بيروت لبنان ص 132.

[122]  أماني بن صالح: مرجع سابق، ص 48.

[123] – التقرير السنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة لسنة 2016، مرجع سابق ص 37.

[124] – الفصل 23 من القانون الأساسي المتعلق بالاتجار بالأشخاص المؤرخ في 3 أوت 2016:” يكون العقاب بالسجن لمدّة 15 عاما و بخطية قدرها خمسين ألف دينار إلى مائة ألف دينار إذا ارتكبت الجريمة ضد طفل..”. 

[125] – سميّة العريبي، مرجع سابق، ص 37 .

[126] – المادة 32 من اتفاقية حقوق الأمم المتحدة لاتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها بمقتضى القانون عدد 92 مؤرخ في 29 نوفمبر.1992

-[127]  الاتفاقية الدولية عدد182 المتعلقة بأسوأ أشكال عمل الأطفال مصادقا عليها بمقتضى القانون عدد 1 لسنة 2000 مؤرخ في 24 جانفي 2000.

[128]  دليل النصوص القانونية والترتيبية المتعلقة بعمل الأطفال في تونس، منظمة العمل الدولية 2019، طبعة أولى 2019.

[129] – الفصل 53 من م.ش نقح بالقانون عدد 62 لسنة 1996 المؤرخ في 15 جويلية 1996″ لايمكن تشغيل الأطفال الذين يقل سنّهم عن ستّة عشر عاما في جميع الأنشطة الخاضعة لهذه المجلّة”.

[130] – الفصل 39 من الدستور” التعليم إلزامي إلى سن السادسة عشر”.

[131] – الفصل 54 من م.ش نقح بالقانون عدد 62 لسنة 1996 مؤرخ في 15 جويلية 1996.

[132] – الفصل 61 من مجلة الشغل:” لا يجوز تشغيل الأطفال دون 18 سنة بعد فحص طبي معمق يثبت أهليتهم للقيام بالعمل”. 

[133] – الفصل 62 م.ش:” إن تأهيل الأطفال للعمل الذي يباشرنه يجب أن يكون موضوع مراقبة طبيّة مستمرّة إلى بلوغ 18 سنة”.

[134]  حميدة عريف: حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، مرجع سابق، ص 158.

[135] – الفصل 53 م.ش فقرة 2 .

[136]  نسرين بن مطير، مرجع سابق ص 98.

[137]  حاتم بوزيان، حماية الطفل في القانون الجنائي، مرجع سابق.

[138]  نسرين بن مطير: الطفل المهدّد، مرجع سابق ص 99.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر و الطباعة محفوظة لمجلة الميزان
إغلاق