قسم الاخبار

الخطر الداهم وتفعيل الفصل 80 من الدستور – الأستاذ وليد بشير العدل المنفذ

أعلن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد مساء يوم 25 جويلية 2015 في بيان وجهه إلى الشعب التونسي ، عن جملة من التدابير الإستثنائية ، إتخذها طبقا لأحكام الفصل 80 من الدستور حفظا لكيان الوطن وأمن البلاد وإستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة تمثلت في :

إعفاء رئيس الحكومة السيّد هشام المشيشي ،

تجميد عمل وإختصاصات المجلس النيابي لمدّة 30 يوما ،

رفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب ،

تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة ويعيّنه رئيس الجمهورية ، وبأنه سيصدر أمر يُنظّم هذه التدابير الاستثنائية التي حتّمتها الظروف والتي ستُرفع بزوال أسبابها.
كما دعت رئاسة الجمهورية بهذه المناسبة صلب هذا البيان الشعب التونسي إلى الإنتباه وعدم الإنزلاق وراء دعاة الفوضى.

وتنفيذا لهذه التدابير الإستثنائية التى إتخذها ، فقد أصدر رئيس الجمهورية إستنادا على الدستور وخاصة على الفصل 80 منه ، جملة من الأوامر الرئاسية تمثلت في :
• أمر رئاسي عـدد 69 لسنة 2021 مؤرخ في 26 جويلية 2021 تعلق بإعفاء :
ـ السيد هشام مشيشي: رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية ،
ـ السيد إبراهيم البرتاجي : وزير الدفاع الوطني ،
ـ السيدة حسناء بن سليمان : الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة.
وذلك ابتداء من تاريخ 25 جويلية 2021 وتكليف الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.

• أمر رئاسي عـدد 80 لسنة 2021 مؤرخ في 29 جويلية 2021 تم بموجبه تعليق كل إختصاصات مجلس نواب الشعب لمدة شهر ابتداء من 25 جويلية 2021 ، مع إمكانية التمديد في المدّة المذكورة بمقتضى أمر رئاسي وفق ما ينص عليه الفصل 80 من الدستور. وكذلك رفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضاء مجلس نواب الشعب طيلة مدّة تعليق أعمال المجلس. وتكليف الكاتب العام لمجلس نواب الشعب بتصريف الأعمال الإدارية والمالية للمجلس.

ومنذ إعلان رئيس الجمهورية عن جملة التدابير الإستثنائية التي إتخذها ، إختلفت الآراء بخصوصها في ما بين السياسيين والحقوقيين و أساتذة القانون الدستورى والإداري .
فمنهم من أيّد هذه التدابير وإعتبرها مطابقة لأحكام الفصل 80 من الدستور وبأنها تعبّر عن الإرادة الجماعية للشعب التونسي وقد تم إتخاذها في إطار تصحيح المسار ، ومنهم من رفضها وإعتبرها مخالفة لأحكام الفصل 80 من الدستور وأن ما أقره رئيس الجمهورية يعدّ إنقلابا على الشرعية وبأن تونس تعيش ولادة دكتاتور جديد ودكتاتورية جديدة ( جوهر بن مبارك ) وبأنها خرق واضح للدستور ( القاضي أحمد الرحموني ).
ومنهم من إعتبر أن ما قام به رئيس الجمهورية هو إنقلاب بأتم معنى الكلمة وبأنه لم يعد رئيسا شرعيا فهو خارج عن القانون وعن الدستور وبأننا في وضعية gouvernement de fait ( عياض بن عاشور )
وهناك من اعتبر أن ” الدستور واضح وأن كلّ ما أعلنه رئيس الجمهورية قيس سعيد مخالف تماما للدستور “
و” بأن الفصل 80 الذي إستند إليه سعيد في ما أعلنه لا ينصّ على ما إتخذه من قرارات ” ( سناء بن عاشور )

في مقابل ذلك فقد لاقت هذه التدابير إستحسانا كبيرا من أغلبية الشعب التونسي ، صاحب السيادة ومصدر السلطات ، الذي بمجرد الإعلان عنها نزل للشارع في كامل أنحاء البلاد للتعبير عن موافقته الصريحة لتلك التدابير ومساندته المطلقة لرئيس الجمهورية . فإنتقل الشارع التونسي من حالة الإحتقان والغضب الشعبي وأعمال العنف التي شهدتها الشوارع التونسية في العديد من الولايات صبيحة 25 جويلية 2021 إلى حالة من الإحتفالات والرضي الشعبي على القرارات المتخذة في مساء نفس ذلك اليوم .

ولكن بعد الوقوف على مختلف المواقف والآراء المؤيدة أو الرافضة للتدابير التي أعلن عنها رئيس الجمهورية ، نلاحظ أن أصحابها بالرغم من أن أغلبهم من الحقوقيين ، إلا أنهم لم يقدموا تحليلا قانونيا وقراءة مستفاضة لأحكام الفصل 80 من الدستور تبرّر مواقفهم الرافضة أو القابلة بتلك التدابير.
وفي مقابل ذلك نجد رئيس الجمهورية يؤكّد في كل مناسبة أنه طبق أحكام الفصل 80 من الدستور وبأنه حريص على حسن تطبيق أحكام الدستور وحماية الحقوق والحريات.
لذا سنحاول من خلال هذا المقال دراسة الفصل 80 من الدستور بكلّ تجرد بعيدا عن الحسابات الضيقة والآراء المسبقة والمسقطة ، محاولة منا الإجابة عن سؤال حيّر السياسيين وأساتذة القانون الدستوري بتونس وكذلك بعض الدول والمنظمات الأجنبية ، خاصة أنه هناك من قام برفع قضايا ضد رئيس الجمهورية لدى المحكمة الإدارية قصد إلغاء القرارات الأخيرة التي إتخذها .
فهل طبق رئيس الجمهورية الفصل 80 من الدستور مثلما يقتضيه الدستور التونسي ؟ وهل كانت التدابير التي إتخذها رئيس الجمهورية مطابقة لأحكام الدستور ؟
ينصّ الفصل 80 من الدستور التونسي على أنّه ” لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها ، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة ، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية ، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب.ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال ، ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة إنعقاد دائم طيلة هذه الفترة . وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضدّ الحكومة.وبعد مضي ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كلّ وقت بعد ذلك ، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتُّ في إستمرار الحالة الإستثنائية من عدمه . وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما.ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها . ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب “.
تجدر الإشارة منذ البداية أنه لا يمكن تفسير أو تأويل أحكام الفصل 80 بمعزل عن باقي أحكام الدستور ، فأحكام الدستور تفسر وتؤول بعضها البعض كوحدة منسجمة مثلما إقتضته أحكام الفصل 146 من الدستور الوارد بالباب التاسع المتعلق بالأحكام الختامية .
وبالرجوع إلي أحكام الفصل 80 نجده قد أسند لرئيس الجمهورية في صورة وجود حالة استثنائية تمرّ بها البلاد ، الحق في إتخاذ تدابير تحتمها تلك الحالة الإستثنائية . ولكن الفصل 80 قد قيّد ذلك الحق بتوفر عدّة شروط ورتب على إتخاذ تلك التدابير عدّة آثار .

1/ الشروط الواجب توفرها لإتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الإستثنائية:

إنّ الحق الذي منحه الفصل 80 من الدستور لرئيس الجمهورية في إتخاذ تدابير تحتمها الحالة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد ليس مطلقا ، بل إنه مقيّد بتوفر شروط موضوعية ، شكلية وإجرائية.

أ – الشروط الموضوعية :
يشترط الفصل 80 من الدستور توفر أربعة شروط موضوعية والمتمثلة في :

وجود خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها .

هذا الخطر الداهم يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة.

إتخاذ التدابير تحتمها الحالة الاستثنائية.

يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال.

فبالنسبة للشرط الموضوعي الأول والمتعلق بوجود خطر داهم مهدّد لكيان الوطن وأمن البلاد وإستقلالها ، نلاحظ أن الدستور قد إستعمل مصطلح ” خطر داهم ” ، إضافة لاستعماله في الفصل 80 ، في كلّ من الفصلين 56 و75 منه والمتعلقين بصورتي تعذر إجراء الإنتخابات التشريعية أو الرئاسية في مواعيدها بسبب ذلك الخطر الداهم .
إلا أن الدستور لم يحدّد في هذين الفصلين مفهوم أو صور الخطر الداهم على عكس الفصل 80 الذي وإن لم يعرف مصطلح الخطر الداهم إلا أنه إشترط أن يكون مهددا لكيان الوطن وأمن البلاد وإستقلالها .
والجدير بالذكر بأن هذه الصور الثلاث غير مترابطة بل يكفي تحقق إحداها حتى يتحقق شرط وجود خطر داهم.
فكيان الوطن يعرف بأنه كافة مقوّمات الوطن السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وغيرها . أما أمن البلاد فإنه يشمل أمنها العسكري والإقتصادي والغذائي والصحي والبيئي وغيره . وإستقلال البلاد فهو يعني التحرّر من أي سلطة خارجية.
وتجدر الإشارة هنا أنه ، لإثبات وجود خطر داهم مهدّد لكيان الوطن وأمن البلاد وإستقلالها لا بدّ من توفر الشرط الموضوعي الثاني المتعلق بتعذر السير العادي لدواليب الدولة فانهما شرطان متلازمان ، وهذا الشرط الثاني متفق عليه من قبل كافة أفراد الشعب التونسي والنخب والأحزاب السياسية ، فالبلاد التّونسيّة تعيش منذ سنوات أزمة عميقة طالت كلّ المجالات ومست من الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور التونسي .

فقد بلغ النّموّ الاقتصاديّ أدنى مستوياته وتقلّص التّرقيم السياديّ وتدهورت المقدرة الشّرائيّة للمواطن ، مما دفع بالمسؤولين إلى الإلتجاء للاقتراض والتّداين بشكل مهول نتج عنه رهن البلاد وسيادتها الوطنيّة.

المنظومة الصّحّية تردّت تردّيا لم تعرف البلاد له مثيلا من قبل فلم تعد الصحة حق لكلّ إنسان ، ولم تعد الدولة تضمن الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن وتوّفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية مثلما يقتضيه الفصل 38 من الدستور.

الإعلام أصبح في جلّه تحت سلطة الأحزاب السياسية المتنفذة وحلفائها .

مجال الثقافة ، أساس التقدّم الفكري والحضاري للشعوب ، وقع تهميشه بشكل مُفزع.

الفساد ونهب المال العامّ قد استشرى في أغلب مفاصل المنظومة السّياسيّة التي أصبحت قائمة على حسابات التّموقع السّياسيّ ، وعلى خدمة مصالح الأحزاب وخدمة لوبيات متنفّذة دون أيّ إكتراث بمصلحة الشّعب والوطن.

بعض المنظومة القضائيّة قد تمّ اختراقها ، فأصبحت في خدمة الإرهاب تخفي ملفّاته وتحمي مموّليه وداعميه . إضافة إلى حماية الفاسدين والتّستّر عليهم.

السلطة التشريعية تم تشويهها ، فمجلس النّوّاب لم يعد يقوم بوظيفته التّشريعيّة ، وإنّما أصبح ساحة لمهاترات وصراعات وعنف متبادل وترذيل للعمل النيابي .

عدم سعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ، والتنمية المستدامة ، والتوازن بين الجهات ، استنادا إلى مؤشرات التنمية وإعتمادا على مبدأ التمييز الايجابي . كما أنها لم تعمل على الإستغلال الرشيد للثروات الوطنية مثلما يقتضيه الفصل 12 من الدستور.

تم إغتصاب الثروات الطبيعية التي على ملك الشعب التونسي من اللوبيات الفاسدة بمساعدة من بعض مسؤولى الدولة في خرق واضح لأحكام الفصل 13 من الدستور .

الإدارة العمومية لم تعد في خدمة المواطن والصالح العام ، فلم يعد تنطيمها والعمل صلبها وفق مبادئ الحياد والمساواة وإستمرارية المرفق العام ، ووفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة في خرق واضح لأحكام الفصل 15 من الدستور .

التمييز بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات. فالمواطنين والمواطنات أصبحوا يشعرون بأن حقوقهم وحرياتهم الفردية والعامّة غير مضمونة ويفتقدون لأسباب العيش الكريم على عكس ما يقتضيه الدستور في فصله 21.

كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد لم تعد محمية ، وحالات التعذيب المعنوي والمادي تفاقمت أمام صمت الأجهزة الرقابية والردعية للدولة في مخالفة صريحة للفصل 23 من الدستور .

تفاقم نسب البطالة نتيجة عدم إتخاذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف وضمان أن يكون في ظروف لائقة وبأجر عادل على عكس ما تقتضيه أحكام الفصل 40 من الدستور .

الحق في بيئة سليمة ومتوازنة ومناخ سليم غير مضمون من قبل الدولة ، فعوض أن توفر الدولة الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي مثلما يقتضيه الفصل 45 من الدستور ، فإن أجهزتها وأعوانها هي من تسهل وتساعد على تلوث البيئة والمناخ ( قضية النفايات الإيطالية ).

الحق في التعليم لم يعد مضمونا لكل الأطفال لإنهيار المنظومة التربوية العمومية نتيجة كثرة الإضرابات في قطاع التعليم العمومي ، مما تسبب في توجه أغلب العائلات التونسية للقطاع الخاص.

إن هذه المظاهر للأزمة العميقة التي طالت كلّ المجالات ومسّت حتى من أبسط الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور للمواطن التونسي ، شكلت في مجملها خطرا داهما تعذر معها السير العادي لدواليب الدولة مما أصبح كيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها مهددا .
وهو ما جعل الشّعب التّونسيّ الّذي أصبح يعاني معاناة كبيرة جرّاء تردّي جميع الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والصحية يطالب منذ مدّة بتغيير عميق في إدارة الشّأن العامّ . وقد خرج يوم 25 جويلية 2021 معبّرا عن غضبه وإحتقانه من الطّبقة السّياسيّة بصفتهم السّبب المباشر في هذا الإنهيار الشّامل.
هذه الحالة الإستثنائية التي أصبحت تمرّ بها البلاد ، جعلت من رئيس الجمهورية بإعتباره رئيسا للدولة ، ورمز وحدتها ، والضامن لإستقلالها وإستمراريتها ، والساهر على إحترام الدستور يجد نفسه ملزما لإتخاذ تدابير تحتمها تلك الحالة الاستثنائية وبذلك توفر الشرط الموضوعي الثالث.
فهل كانت هذه التدابير التي تم إتخاذها من قبل رئيس الجمهورية حتمية وهادفة إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال مثلما يقتضيه الشرط الموضوعي الرابع ؟.
للإجابة عن هذا التساؤل يجب توضيح مسألة هامة في هذا الإطار ألا وهي أن الفصل 80 من الدستور والفصل 77 منه لم يقيدا رئيس الجمهورية بأي نوع من التدابير ، فعبارة ” تدابير ” جاءت مطلقة ومعلوم أن عبارة القانون إذا جاءت مطلقة فإنها تؤخذ على إطلاقها .
فرئيس الجمهورية حرّ في إتخاذ أي تدبير يكون الهدف منه عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال حتى يتم الخروج من الحالة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد . بمعني أن أي تدبير يتم إتخاذه من قبله يكون هو الحلّ الوحيد لمعالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الظروف الإستثنائية التي أصبحت تمرّ بها البلاد .
فلا أحد ينكر أن رئيس الحكومة قد فشل في ضبط السياسة العامة للدولة وإدارة الشأن العام للبلاد ، خاصة في مجابهة الأزمة الصحية نتيجة تفشي فيروس كوفيد 19 ، فقد شهدت مدته أعلى نسب للإصابات بالفيروس وأعلى عدد للوفيات في صفوق المجتمع التونسي دون أن يسعى إلى تقديم أية حلول للتصدي لهذا الوباء .
كما أنه أصبح يعمل لحساب أطراف سياسية بعينها محاولة منه الحفاظ على حزام سياسي له داخل البرلمان ، ويعمل لحساب لوبيات نافذة في الدولة يحمي مصالحها وفسادها . فكان لزاما على رئيس الجمهورية إقالته كأحد التدابير المناسبة لإيقاف هذا النزيف.
ولا أحد ينكر بأن مجلس النّوّاب لم يعد يقوم بوظيفته التّشريعيّة التي فوّض له الشعب ممارستها بإسمه عبر ممثليه بالمجلس ، فالسلطة التشريعية تم تشويهها ، و أصبح مجلس نواب الشعب ساحة للمهاترات والصراعات وصلت إلى حدّ تبادل العنف والسبّ والشتم والثلب ، ممّا ساهم في ترذيل العمل النيابي و أدى إلى فقدان الشعب التونسي للثقة التي كان منحها لممثليه داخله .
فكان لزاما على رئيس الجمهورية تعليق كلّ إختصاصات مجلس نواب الشعب لمدّة 30 يوما ، مع إمكانية التمديد في المدّة المذكورة بمقتضى أمر رئاسي كأحد التدابير المناسبة لإيقاف هذا النزيف .
وهو تدبير تم بموجبه إحترام أحكام الدستور ، فرئيس الجمهورية لم يقم بحلّ مجلس نواب الشعب لأن حلّه لا يكون ( طبقا لأحكام الفصل 77 ) إلا في الحالات التي ينصّ عليها الدستور ، وهي الحالات التي وردت بالفصلين 89 و 99 منه وإنما إكتفي بتعليق كلّ إختصاصاته فقط .
إن الحصانة البرلمانية وإن كانت منصوص عليها في جلّ الدساتير الدولية حتى يتمكن النائب من ممارسة عمله النيابي بل حرية ودون أية قيود ، إلا أنها أصبحت في تونس تمثل أداة للهروب من المحاسبة وتسليط العقاب على من تعلقت بهم تتبعات قضائية وأصبحوا أعضاء بمجلس نواب الشعب .
فطبقا لأحكام الفصل 68 من الدستور على أنه ” لا يمكن إجراء أي تتبع قضائي مدني أو جزائي ضدّ عضو بمجلس نواب الشعب ، أو إيقافه ، أو محاكمته لأجل آراء أو إقتراحات يبديها ، أو أعمال يقوم بها ، في إرتباط بمهامه النيابية”.
كما أن النائب بمجلس نواب الشعب إذا إرتكب فعلا يجرمه القانون الجزائي وإعتصم بالحصانة الجزائية كتابة ، فإنه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدّة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة .
وقد كثر في الفترة الأخيرة قبل إتخاذ التدابير الإستثنائية من قبل رئيس الجمهورية الحديث على وجود قائمة إسمية للعديد من النواب موجودة بمكتب رئيس مجلس نواب الشعب ، مقدمة في شأنهم مطالب في رفع الحصانة لإقترافهم العديد من الجرائم . وقد تم التكتم علي ذكر أسماء هؤلاء النواب وعدم عرض مطالب رفع الحصانة على مكتب المجلس للتداول بخصوصها وإتخاذ قرارات بشأنها في رفع الحصانة من عدمه مثلما يقتضيه الفصل 69 من الدستور.
ونظرا لأن كل ّعضو بمجلس نواب الشعب محمول على النزاهة ومطالب بالإخلاص في خدمة الوطن وإحترام القوانين التي تصدر عن السلطة التي هو يمثلها ، كان لزاما على رئيس الجمهورية رفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب ، حتى يتم تتبع كل من تعلقت بهم تتبعات جزائية أو مدنية وتسليط العقاب المناسب ضدهم من أجل الجرائم التي إرتكبوها .
إن التدبير الأخير تمثل في الإعلان عن تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة يعيّنه رئيس الجمهورية ، وهو تدبير إستثنائي حتّمته الظروف وخاصة القطيعة التي شابت العلاقة التى كانت تربط رئيس الجمهورية برئيس الحكومة والتي أبرزت عدم جدوى وفاعلية تجزئة السلطة التنفيذية وإسناد مقاليدها إلى طرفين مما ساهم في إضعاف هذه السلطة.
هذا التدبير على عكس ما يدعيه البعض بالقول بأن رئيس الجمهورية قد يستأثر بالسلطة التنفيذية لخاصة نفسه ، فإنه لا يتعارض مع أحكام الفصل 71 من الدستور الذي ينص على أنه ” يمارس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية وحكومة يرأسها رئيس الحكومة ” ، بل إنه سيساهم في تقوية السلطة التنفيذية حتى يتم إحترام القانون وتوحيد الرؤي حول رسم السياسات العامة للدولة في جميع المجالات.
إن هذه الشروط الموضوعية للتدابير وإن تحققت بإقرار جميع الأطراف والأطياف السياسية بالبلاد وحتى من الذين شملتهم ، فإن الفصل 80 من الدستور يشترط شروطا أخرى لإتخاذها .

ب – الشروط الإجرائية :

إن الفصل 80 من الدستور التونسي يشترط لصحّة إتخاذ هذه التدابير القيام بإجراءين إثنين :

استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب قبل الإعلان عن التدابير.

إعلام رئيس المحكمة الدستورية قبل الإعلان عن التدابير.
بالنسبة للشرط الأوّل نلاحظ أن الدستور التونسي لم يحدّد الشكل الذي تتم به هذه الإستشارة فيمكن أن تكون كتابة أو مشافهة .
وقد صرّح رئيس الجمهورية عند إعلانه عن التدابير التي إتخذها ، أنه قام بإستشارة كلّ من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب قبل الإعلان عن تلك التدابير. وهو ما لم ينكره رئيس الحكومة وكذلك رئيس مجلس نواب الشعب. حيث صرح هذا الأخير مساء يوم 25 جويلية 2021 مباشرة على الهواء عند سؤاله من قبل مراسل قناة الجزيرة بخصوص هذه المسألة ، أن رئيس الجمهورية قد أعلمه بأنه سيتخذ جملة من التدابير طبقا لأحكام الفصل 80 من الدستور دون تحديد مضمونها .
وتجدر الإشارة أن الفصل 80 من الدستور يلزم رئيس الجمهورية إستشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب بخصوص إعلانه عن التدابير ولا يلزمه بإستشارتهما بخصوص مضمون تلك التدابير ، وهو ما يؤكد إمكانية أن تكون تلك التدابير تتعلق برئيس الحكومة وبرئيس مجلس نواب الشعب مثلما تم الإعلان عنها من قبل رئيس الجمهورية .
كما تجدر الإشارة أيضا أن الفصل 80 من الدستور لم ينص على إمكانية رفض هذه التدابير أو رفض الإعلان عنها من قبل رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب ، بل إنه أوجب فقط على رئيس الجمهورية إعلامهما بأنه سيتخذ تدابيرا حتمتها الحالة الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد .
أما بالنسبة للشرط الثاني والمتعلق بإعلام رئيس المحكمة الدستورية قبل الإعلان عن التدابير، فيمكن أن نلاحظ أن الدستور التونسي لم يحدّد الشكل الذي يتم به الإعلام فيمكن أن يكون كتابة أو مشافهة.
وفي هذا الإطار لا بد من التذكير بأن المحكمة الدستورية هي هيئة قضائية مستقلة ، تختص دون سواها بمراقبة دستورية مشاريع القوانين و القوانين الدستورية و المعاهدات و القوانين التي تحيلها عليها المحاكم تبعا للدفع بعدم الدستورية بطلب من أحد الخصوم و النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب . كما تتولى المهام الأخرى المسندة إليها بمقتضى الدستور والمتمثلة أساسا في :
النظر في الطعن بعدم الدستورية في أحكام قانون المالية ( الفصل 66 )
البتُّ في إستمرار الحالة الإستثنائية من عدمه ( الفصل 80 )
تلقي لائحة في إعفاء رئيس الجمهورية والحكم فيها ( الفصل 88 )
إقرار شغور منصب رئيس الجمهورية ( الفصل 84 )
تلقي يمين القائم بمهام رئيس الجمهورية ( الفصل 85 )
النظر في النزاعات المتعلقة باختصاص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ( الفصل 101 )
مراقبة دستورية تعديل الدستور ( الفصل 144 )
وبالرغم من أهمية هذه الإختصاصات المسندة للمحكمة الدستورية ، وبالرغم من أنّ الفصل 148 من الدستور قد قيّد دخول أحكام القسم الثاني من الباب الخامس المتعلق بالمحكمة الدستورية حيز النفاذ بإستكمال تعيين أعضاء أوّل تركيبة للمحكمة الدستورية ، والذي يجب أن يتم إرساؤها في أجل أقصاه سنة من تاريخ الإنتخابات التشريعية ، إلا أن ذلك لم يتم بالرغم من صدور القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية .
إن عدم إرساء المحكمة الدستورية بالرغم من إنقضاء الأجل الدستوري المذكور ، مرده أساسا مجلس نواب الشعب لأنه طبقا لأحكام الفصل 10 من القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية الذي نصّ على أنه ” يتم تعيين أعضاء المحكمة الدستورية تباعا من طرف مجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية ” فلا يمكن للمجلس الأعلى للقضاء ولا لرئيس الجمهورية إستكمال تركيبة المحكمة الدستورية بتعيين الأعضاء المطالبين بإختيارهم إلا بعد أن يقوم مجلس نواب الشعب تعيين أربعة أعضاء طبقا لمقتضيات الفصل 11 من القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية.
إن عدم إرساء المحكمة الدستورية في الآجال التي نصّ عليها الدستور ، مثل فراغا دستوريا ، جعل مخالفة الدستور مباحا متى إعترضتنا مسألة داخلة في إختصاصات المحكمة الدستورية من ذلك واقعة وفاة رئيس الجمهورية السابق السيد محمد الباجي قائد السبسي وكيف تم التعامل معها بخصوص إقرار حالة شغور منصب رئيس الجمهورية وتلقي يمين القائم بمهام رئيس الجمهورية آنذاك السيد محمد الناصر وهو أمر طبيعي لأن القانون يأبى الفراغ .
لذا ونظرا لأنه لم يتم إرساء المحكمة الدستورية وبالتالي لا وجود لرئيس لها فإن رئيس الجمهورية يكون معفي من إحترام شرط إعلام رئيس المحكمة الدستورية قبل الإعلان عن التدابير التي إتخذها .

ج – الشروط الشكلية :
وضع الفصل 80 من الدستور التونسي شرطا شكليا لصحّة التدابير التي يتخذها رئيس الجمهورية نتيجة للحالة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد والتي تهدف إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال . ويتمثل هذا الشرط في أن يُعلِنُ رئيس الجمهورية ” عن التدابير في بيان إلى الشعب ” . وهو ما يتطابق مع أحكام الفصل 77 من الدستور الذي ورد به أن رئيس الجمهورية يقوم بـ ” إتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية ، والإعلان عنها طبق الفصل 80 “.
والملاحظ هنا أن الدستور لم يحدّد الطريقة التي يتم بها الإعلان عن تلك التدابير إن كانت مشافهة أو كتابة. ورئيس الجمهورية قد قام بالإعلان عن التدابير التي إتخذها للشعب التونسي بتاريخ 25 جويلية في مرحلة أولى مشافهة بإعلانه عنها مباشرة للشعب وفي مرحلة ثانية كتابة بنشر بلاغ بخصوصها على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية.
إن إشتراط أن يتم الإعلان عن تلك التدابير للشعب التونسي مرده أساسا أن الدولة تقوم على إرادة الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات.
بعد تعرضنا لجملة الشروط الواردة بالفصل 80 من الدستور ، نخلص إلى القول بأن رئيس الجمهورية قد إحترم الدستور عند إتخاذه لجملة التدابير التي أعلن عنها ، حتمتها الحالة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد حتى يتم التصدّي لخطر داهم كان يهدد كيان الوطن وأمن البلاد وإستقلالها تعذر معه السير العادي لدواليب الدولة.
متى تم إتخاذ هذه التدابير من قبل رئيس الجمهورية فإنه يترتب عليها بعض الآثار .

2/ الآثار المترتبة عن إتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الإستثنائية:

إنّ الحق الذي منحه الفصل 80 من الدستور لرئيس الجمهورية في إتخاذ تدابير تحتمها الحالة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد متى تمت ممارسته من قبله ، إلا وترتبت عنه عدة آثار قانونية.
وتجدر الإشارة هنا أن هذه الآثار لا يمكن بأي حال من الأحوال ربطها بالشروط الواجب توفرها وإحترامها من قبل رئيس الجمهورية لإتخاذه التدابير التي حتمتها الحالة الإستثنائية ، فهي نتائج لتلك التدابير المتخذة .
ويمكن تقسيم هذه الآثار إلى آثار حينية وآثار غير حينية .
أ – الآثار الحينية :
يقصد بالآثار الحينية ، الآثار التي تنتج مباشرة بعد إتخاذ رئيس الجمهورية للتدابير التي حتمتها الحالة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد .فما هي هذه الآثار ؟
بالرجوع إلى أحكام الفصل 80 من الدستور والذي نص على أنه ” يعتبر مجلس نواب الشعب في حالة إنعقاد دائم طيلة هذه الفترة . وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضدّ الحكومة ” ، نستخلص أنه أقر ثلاثة آثار حينية تتمثل فيما يلي :

إعتبار مجلس نواب الشعب في حالة إنعقاد دائم طيلة الفترة الإستثنائية.

عدم الجواز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب

عدم الجواز لرئيس الجمهورية تقديم لائحة لوم ضدّ الحكومة.
لقد فسرّ بعض أساتذة القانون الدستوري بأن التنصيص على هذه الآثار صلب الفصل 80 من الدستور منطقي وضروري لأن التصدي للخطر الداهم يستوجب تكاتف جهود كافة المتدخلين والفاعلين السياسيين من سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية، للذهاب إلى إعتبار أن التنصيص على تلك الآثار صلب الفصل 80 من الدستور يشكل مانعا أمام رئيس الجمهورية من إتخاذ مثل التدابير التي قام بإتخاذها .
ولكن لنا أن نوجه لمن يتبني مثل هذه القراءة السؤال التالي : ماذا لو كان الخطر الداهم المهدّد لكيان الوطن وأمن البلاد وإستقلالها ، والذي تعذر معه السير العادي لدواليب الدولة ، مأتاه وسببه هو مجلس نواب الشعب والحكومة ؟
في الحقيقة إن هذه القراءة لأحكام هذا الفصل تعد خاطئة ، لأن رئيس الجمهورية حرّ وغير مقيد طبقا لأحاكم الفصل 80 من الدستور في إتخاذ أية تدابير حتمتها الحالة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد بشرط أن يكون الهدف من إتخاذها تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال .
بل أكثر من ذلك فإن رئيس الجمهورية ، وهو الضامن لإستقلال الدولة وإستمراريتها ، يكون ملزما في هذه الحالة الإستثنائية إتخاذ تدابير ضدّ كل من يمثل خطرا يهدد الدولة التونسية.
لقد أثبت الواقع أنّه تم بمجرد إعلان رئيس الجمهورية عن جملة التدابير التي قام بإتخاذها ، لمس بداية عودة السير العادي لدواليب الدولة ولجميع أجهزتها القضائية والأمنية والرقابية وخاصة منها الصحيّة .
وكذلك إسترجاع مقومات الدولة المدنية ، فإرتفع منسوب الإنتماء والمواطنة لهذا الوطن لدى كافة أفراد شعبه الذي شعر بأنه قد إسترجع إرادته التي أفتكت منه نتيجة حسابات سياسية ضيّقة من قبل فئة ضئيلة لا تمثله ، وأحسّ بعلوية القانون الذي أصبح يطبق على الجميع دون ميز أو إستثناء.
ولكن بالرغم من كل هذه المبررات القانونية والواقعية التي تجيز لرئيس الجمهورية إتخاذ مثل تلك التدابير الإستثنائية ، فإن الآثار الحينية الناتجة عن إتخاذها والمنصوص عليها بالفصل 80 من الدستور مازالت قائمة.
فبالنسبة للأثر الأوّل والثاني المرتبطين بمجلس نواب الشعب ، والمتعلقين بإعتبار مجلس نواب الشعب في حالة إنعقاد دائم طيلة الفترة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد وعدم جواز حلّه من قبل رئيس الجمهورية ، تجدر الإشارة هنا أن رئيس الجمهورية قام بتعليق كلّ إختصاصات مجلس نواب الشعب لمدّة شهر ابتداء من 25 جويلية 2021 ولم يقم بحلّ مجلس نواب الشعب ، فالتعليق والحل ّ هما مصطلحان قانونيان مختلفان .
فالتعليق هو إيقاف إجراء ما أو عمل ما بصفة مؤقتة ومحدّدة في الزمن ، ينتهي مفعوله بإنتهاء الأجل المنصوص عليه ، فالتعليق شمل إختصاصات مجلس نواب الشعب وليس تعليقا للمجلس في حدّ ذاته .
وهو يختلف عن حلّ مجلس نواب الشعب الذي يفيد إيقاف المجلس عن العمل بصفة مطلقة ودائمة ، و إلغاء تشكيله وبالتالي حلّه بالكامل.
وتجدر الإشارة إلى أن تعليق كلّ إختصاصات مجلس نواب الشعب لا يمنع المجلس أن يكون في حالة إنعقاد دائم ، فمصطلح ” حالة إنعقاد دائم ” هو مفهوم سياسي وليس بمفهوم قانوني . ولعل ّ أكبر دليل على ذلك إنعقاده يوم 26 جويلية بعد الإعلان عن التدابير الذي إتخذها رئيس الجمهورية.
أما بالنسبة للأثر الثالث المترتب عن الحالة الإستثنائية التي تمر بها البلاد والمتعلق بعدم الجواز لرئيس الجمهورية تقديم لائحة لوم ضدّ الحكومة ، فقد تم إحترامه إلى حدّ الآن من قبل رئيس الجمهورية فهو لم يقم بتقديم هذه اللائحة ، بل إنه إكتفي بإعفاء رئيس الحكومة وبعض أعضاء حكومته.
إلى جانب هذه الآثار الحينية التي رتبها الفصل 80 من الدستور ، فقد رتب آثارا مؤجلة.
ب – الآثار الغير حينية :
يقصد بالآثار الغير حينية ، الآثار التي تنتج بعد مرور مدّة زمنية محدّدة من تاريخ إتخاذ رئيس الجمهورية للتدابير التي حتمتها الحالة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد . فما هي هذه الآثار ؟
بالرجوع إلى أحكام الفصل 80 من الدستور والذي نص على أنه ” بعد مضي ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير ، وفي كلّ وقت بعد ذلك ، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتُّ في إستمرار الحالة الإستثنائية من عدمه . وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما.
ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها . ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب “.
نستخلص أنه أقر ثلاثة آثار غير حينية ومؤجلة تتمثل فيما يلي :

البتُّ في إستمرار الحالة الإستثنائية من عدمه .

إنهاء العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها .

توجيه رئيس الجمهورية بيانا في إنهاء التدابير إلى الشعب.

تجدر الإشارة إلى أن الأثر الثالث المتعلق بضرورة توجيه رئيس الجمهورية بيانا في إنهاء التدابير التي إتخذها لردّ الخطر الداهم وإنتهاء الحالة الإستثنائية التي كانت تعيشها الدولة ، مفهوم من حيث الشكل ومن حيث الجهة التي يجب أن يوجه إليها ذلك البيان .
فمن حيث الشكل فإن ذلك تفرضه القاعدة الأصولية المتعلقة بمبدأ توازي الشكليات ، فمثلما تم الإعلان عن تلك التدابير بموجب بيان فإن إنهاءها يكون كذلك ببيان .
ومن حيث الجهة التي يجب أن يوجه إليها ذلك البيان ، فقد أوجب الفصل 80 من الدستور أن يتم توجيهه إلى الشعب ، لأنه هو صاحب السيادة ومصدر السلطات مثلما يقتضيه الدستور . وكذلك لأن تلك التدابير قد أتخذت لحمايته وحماية الوطن الذي ينتمي له.
أمّا بالنسبة للأثر الأوّل المتعلق بالبتُّ في إستمرار الحالة الإستثنائية من عدمه ، فنلاحظ بأنها تدخل ضمن إختصاصات المحكمة الدستورية التي تتعهد في هذه المسألة الهامة بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه وبشرط إنقضاء أجل ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير على أقل تقدير وفي كلّ وقت بعد ذلك الأجل .
وبالرغم من أنه من العبث أن نتحدث عن هذا الأثر الهام ، بناء على أننا نعيش فراغا دستوريا نتيجة عدم إرساء المحكمة الدستورية مثلما تم توضيحه بالجزء الأول من هذا المقال عند تعرضنا للشروط الإجرائية ، إلا أنه من الضروري توضيح أن الإختصاص المسند للمحكمة الدستورية يتمثل في البتُّ في مسألة الإستمرار في الحالة الإستثنائية من عدمه فقط دون أن يكون لها صلاحية إبداء رأيها بخصوص التدابير التي تم إتخاذها من قبل رئيس الجمهورية .
وهو ما يفنّد إدعاءات القائلين بأن رئيس الجمهورية قد إستغل عدم تركيز المحكمة الدستورية لإتخاذه تلك التدابير الاستثنائية التي إتخذها .
فالمحكمة الدستورية طبقا لأحام الفصل 80 من الدستور تكون مهمتها مراقبة مدى تواصل وجود الحالة الإستثنائية من عدمه ، والحالة الإستثنائية حسب أحكام الفقرة الأولى من الفصل 80 من الدستور تتمثل في وجود ” خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد وإستقلالها ، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة “.
فتقرر في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ تعهدها إما الإستمرار في تلك الحالة وبالتالي مواصلة العمل بالتدابير التي إتخذها رئيس الجمهورية أو عدم الإستمرار في تلك الحالة لعودة السير العادي لدواليب الدولة ، وبالتالي إنهاء العمل بتلك التدابير لزوال أسبابها .
وعملا بأحكام الفصل 73 من القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 ” تعلم المحكمة الدستورية رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة بقرارها ” .
فإذا كان قرار المحكمة الدستورية عدم الإستمرار في الحالة الإستثنائية ، وتم إعلام رئيس الجمهورية بذلك القرار ، فإنه يكون ملزما بإنهاء العمل بتلك التدابير . لأن قرارات المحكمة الدستورية وآراؤها ملزمة لجميع السلطات.
ولكن هذه الفرضية التي نتحدث عنها متعلقة بوجود محكمة دستورية تم إرساؤها طبقا للشروط والآجال المنصوص عليها بالدستور ووفقا للقانون الأساسي المتعلق بها . فكيف سيكون الحلّ في غياب المحكمة الدستورية ؟ من سيقوم بإنهاء العمل بتلك التدابير ؟ ومن له الحق في تقدير زوال أسبابها من عدمه ؟
جاء بالفصل 80 من الدستور أنه ” يُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها . ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب ” . وهو شىء منطقي إستنادا لأحكام الفصل 537 من م إع الذي نص على أن ” ما أجازه القانون لسبب معين بطل بزواله “.
ولكن الفصل 80 لم يذكر الشخص الذي يتخذ القرار بإنهاء تلك التدابير ، واكتفي فقط بالتنصيص على أن تلك التدابير يُنهى العمل بها بزوال أسبابها أي عودة السير العادي لدواليب الدولة .
فمن له صلاحية تقدير أنّ دواليب الدولة عادت لعملها وسيرها العادي ؟
للإجابة عن هذا التساؤل في غياب نص صريح يقضي بذلك إلى جانب عدم وجود محكمة دستورية ، وجب الرجوع إلى قواعد التفسير والتأويل للنصوص القانونية وخاصة أحكام الفصل 146 من الدستور الذي نص على أنه ” تفسّر أحكام الدستور ويؤول بعضها البعض كوحدة منسجمة ” .
فبالرجوع إلى أحكام الفصل 80 من الدستور نجد أن رئيس الجمهورية هو الجهة الوحيدة التي خوّل لها الدستور إقرار وجود حالة الخطر الداهم دون أية رقابة مسلطة عليه من أية سلطة أخرى تشريعية كانت أو قضائية ، كما خوله إتخاذ التدابير التي يراها مناسبة للخروج من تلك الحالة الإستثنائية التي تعيشها البلاد والإعلان عنها في بيان للشعب .
فالفصل المذكور لم يشترط على رئيس الجمهورية سوى أن ” تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال “. وبالتالي فإن تشخيص وجود الحالة الإستثنائية قد أسند إلى رئيس الجمهورية وهذا منطقي لأنه رئيس الدولة ورمز وحدتها ، والضامن لإستقلالها وإستمراريتها ، والساهر على إحترام الدستور.
وبناء على ذلك وفي غياب للمحكمة الدستورية ، وحتى يتم الخروج من هذا المأزق الدستوري ، فإنه حسب إعتقادنا فإن رئيس الجمهورية هو الشخص الوحيد المؤهل لإنهاء الحالة الإستثنائية لمعرفته لأسبابها التي إعتمدها عند إتخاذه للتدابير ، وهو الشخص المؤهل لمعرفة أن السير العادى لدواليب الدولة قد عاد لسالف سيره ، وبالتالي إنتهاء الخطر الداهم الذي كان يهدد الوطن.
فالمنطق القانوني يقتضي إن كان الدستور قد أسند صلاحية إتخاذ التدابير الإستثنائية لرئيس الجمهورية فمن باب أولى وأحرى أن يتم إنهاؤها من قبله ” فمن أمكنه الأكثر أمكنه الأقل “.

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر و الطباعة محفوظة لمجلة الميزان
إغلاق