القانون العام

نظام التراتيب العمرانية على ضوء مجلة الجماعات المحلية –زجر الإعتداء على الملك العمومي البلدي

عمر المحيرثي :ملحق قضائي

الجزء الثاني : جزاء الإخلال بالتراتيب العمرانية

لا يمكن أن نتطرق إلى جزاء الإخلال بالتراتيب العمرانية(الفرع الثاني)،قبل الحديث عن طريقة معاينة مخالفتها(الفرع الأول).

الفرع الأول : معاينة التراتيب العمرانية

يعد مجال التهيئة الترابية و التعمير من المجالات التي تتداخل في تنظيمها السلطة المركزية إلى جانب الجماعات المحلية، حيث يتصرف كل منهما في إطار إختصاصاته مع اعتماد مبدأ التنسيق بينهما.

و إن اختصاص البلدية في هذا المجال لا يتعدى إعداد الأمثلة التي ينص عليها التشريع المتعلق بالتهيئة الترابية والتعمير و التي تدخل في إطار اختصاصها و المصادق عليها من مجلسها.

هذا و قد استثنى القانون أمثلة التهيئة التي تستدعي أهميتها البيئية أو الثقافية أو صبغتها الحساسة حماية خاصة و أسند هذه المهمة إلى السلطة المركزية.

و تصب الفصول 113 و 114 و 117 من م.ج.م في خانة التوازن و التوسيع للسلط المسندة للجماعات المحلية مع بقاء القيادة للسلطة المركزية باعتبار أنها تدير مصالحها المحلية طبق مقتضيات المبدأ الدستوري القاضي بأن تونس هي دولة موحدة.

فالتراتيب الذي تتخذها البلدية في إطار تنظيمها لمجالها الترابي لها صلة وثيقة بالنظام العام،فبدون تنظيم محكم لمجالها تعم الفوضى و يتكاثر البناء العشوائي و بالتالي تعجز عن توفير المرافق العامة للمتساكنين و هو ما ينعكس سلبا على السياسة العمرانية التي تعتمدها الدولة قصد تنمية الرصيد العقاري لها باعتبار و أن أهم ركيزة للإقتصاد الوطني هو العقار.

لذلك فإن البلدية لا تتواني عن معاينة كل مخالفة للتراتيب العمرانية سواء بمناسبة قيامها بتفقد أو تنقل على عين المكان لرفع المخالفة أو بمناسبة إشعارها بذلك من السلطة المركزية طبق ما ورد بالفصل 121 من م.ج.م.فالمعاينات التي تقوم بها البلدية تتم عن طريق أعوان مؤهلين للغرض (الفقرة الأولى) و طبق إجراءات معينة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : الأشخاص المؤهلين لمعاينة التراتيب العمرانية :

إن مسألة معاينة مخالفة التراتيب العمرانية قد أحالت لها مجلة الجماعات المحلية في عديد المواضع مثل عبارة ” وفق شروط و إجراءات يضبطها  التشريع المتعلق بالتعمير والبناء”،  أو كذلك من خلال الفصل 260 من م.ج.م عندما نص أن رئيس البلدية :”يأذن للأعوان المختصين بالبلدية أو يطلب من إدارة التجهيز المختصة ترابيا تكليف أعوان تابعين لمصالح الدولة بمراقبة مطابقة الأشغال المنجزة للأمثلة المرخص في إنجازها..”.

و بما أن مجلة التهيئة الترابية و التعمير هي التشريع العام للبناء و التعمير في تونس فإنه يتجه الرجوع إلى أحكامها حتى نتبين قائمة الأشخاص المؤهلين و خاصة الفصول 73 و 88 منها.فالأشغال التي تستلزم ترخيصا لا تطرح أي إشكال باعتبار أنها تخضع إلى معاينة تقوم بها المصالح المختصة للبلدية.فهذه القائمة تشمل أعوان الضابطة العدلية المنصوص عليهم بالفقرات الأولى و الثانية و الثالثة و الرابعة من الفصل 10 من م.إ.ج(أ) و الأعوان المكلفين بالتراتيب البلدية،و قد ألغي ليحل محله أعوان الشرطة و الحرس البلديين (ب)و أعوان السلك الفني المحلفون و المكلفون بالرقابة بالوزارة المكلفة بالتعمير(ج)و مهندسو وزارة الفلاحة المحلفون و المؤهلون للغرض(د) و مثلهم من الأعوان التابعين للوزارة المكلفة بالتراث (ه)و أيضا الأعوان التابعين لوزارة البيئة و التهيئة الترابية و أخيرا الخبراء المراقبون التابعون للوكالة الوطنية لحماية البيئة (ز).

و بما أن وكيل الجمهورية هو طرف منضم للإدارة و ليس طرفا أصليا رغم أن القانون أسند له صلاحية معاينة الجرائم بصفته أحد هياكل الضابطة العدلية و لا شيء يمنعه من القيام بذلك بنفسه أو بواسطة أحد مساعديه، إلا أن التطبيق القضائي و كثرة العمل فرضت عليه فقط كرئيس للضابطة العدلية أن يتولى إثارة الدعوى العمومية في خصوص الجرائم العمرانية المحالة عليه و إحالتها على المحكمة المختصة أو تكليف أحد المأمورين المذكورين بالفقرات الثانية و الثالثة أو الرابعة للقيام بذلك.

أ*مأموري الضابطة العدلية:

 قبل تحديد صنف الضابطة العدلية المختصين اتجه التعريج على مفهومها، و في هذا الإتجاه نص الفصل 9 من م.إ.ج أن :” الضابطة العدلية مكلفة بمعاينة الجرائم و جمع أدلتها و البحث عن مرتكبيها و تقديمهم للمحاكم ما لم يصدر قرار في افتتاح بحث”. و هو ما يعني أن أعمال الضابطة العدلية تقتصر فقط على الأعمال الأولية السابقة لمرحلة إثارة الدعوى العمومية من قبل وكيل الجمهورية المختص[1] و عدد المشرع هياكل الضابطة العدلية بالفصل 10 من م.إ.ج و شملت من ضمنهم ما أشارت إليه مجلة التهيئة الترابية و التعمير و هم محافظو الشرطة و ضباطها و رؤساء مراكزها، و ضباط الحرس الوطني و ضباط صفه و رؤساء مراكزه “لكن قائمة أعوان الحرس و الشرطة المعتبرين كأعوان للضابطة العدلية امتدت بموجب الفصل 5 من القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 6 أوت 1982 المتعلق بضبط النظام الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي كما هو منقح بموجب القانون عدد 58 لسنة 2000 المؤرخ في 13 جوان 2000، إلى محافظي الشرطة بمختلف رتبهم و ضباط الشرطة و ضباط الأمن بمختلف رتبهم و رؤساء مراكز الشرطة و ضباط الحرس الوطني و ضباط صف الحرس الوطني و رؤساء مراكز الحرس الوطني، و هكذا امتدت قائمة الأعوان الذين يمارسون وظيفة الضابطة العدلية طبق أحكام مجلة الإجراءات الجزائية إلى ضباط الأمن بمختلف رتبهم”[2].

ب*أعوان الشرطة و الحرس البلديين:

كان الأمر عدد 1121 لسنة 2000 المؤرخ في 22 ماي 2000 المتعلق بضبط النظام الأساسي الخاص بسلك مراقبي التراتيب البلدية في فصله 4 ينص على أن سلك مراقبي التراتيب البلدية يتولون تحت إشراف و سلطة رئيس البلدية معاينة كل المخالفات طبق النصوص التشريعية و الترتيبية الجاري بها العمل.

لكن  تم تعويضهم بأعوان الشرطة و الحرس البلديين من الصنف “أ” و “ب” و ذلك بعد صدور الأمر عدد 518 لسنة 2012 المؤرخ في 2 جوان 2012 المتعلق بحذف سلك مراقبي التراتيب البلدية و إدماج أعوانه بسلك الأمن الوطني و الشرطة الوطنية[3]. و أوكل لهم المنشور عدد 32 بتاريخ 2 نوفمبر 2012 الصادر عن وزير الداخلية تقريبا نفس مهام أعون التراتيب سابقا إلا أن المنشور عدد 9 بتاريخ 09 ماي 2013 أقصى صراحة رئيس البلدية من مهمة الإشراف على سلك الشرطة و الحرس البلديين باعتبار أنهم أصبحوا خاضعين لوزارة الداخلية مباشرة كسلطة إشراف.

لكن و رغم كل هذا الزخم التشريعي الناتج أساسا عن مطالبة الأعوان بذلك فإنهم ضلوا من الناحية الوظيفية يساعدون رئيس البلدية على تنفيذ قراراته نظرا لكونهم سلطة تنفيذية تتولى تنفيذ الأحكام و القرارات الصادرة عن السلط المختصة و منها كل الجرائم العمرانية بالمناطق الراجعة للجماعات المحلية.

ج*أعوان السلك الفني المحلفون و المكلفون بالرقابة بالوزارة المكلفة بالتعمير :

إن أول الشروط التي نستنتجها من صفة أعوان السلك الفني المؤهلون لمعاينة مخالفة التراتيب العمرانية أنهم أعوان فنيون (1) أي أن مهامهم فنية بحتة، و أيضا أعوان محلفون و مكلفون بالرقابة (2).

1-أعوان فنيون :

يصنف أعوان السلك الفني المعنيين بالمعاينة بما تشمله من رقابة بالفنيين لأنهم بالأساس مكلفون بالمراقبة الفنية للبناءات موضوع التراخيص من طرف البلدية و تتعلق مهمتهم  أساسا في المساهمة في الوقاية من مختلف المخاطر الفنية التي يمكن إعتراضها خلال إنجاز المنشأة[4].

و لأن مهمته فنية فهو يتولى :”عمليات التثبت أثناء قيامه بمهامه على القواعد العلمية التي تهم ميادين التدخل المعنية والتي تدخل ضمن المخاطرالفنية، كما يتولى زيارة الحظيرة كلما دعت الحاجة إلى ذلك[5].

2-أعوان محلفون و مكلفون بالرقابة :

هم أعوان محلفون لأن لهم صفة عون ضابطة عدلية لذلك يؤدون القسم أمام  رئيس المحكمة الإبتدائية المختصة بعد انتدابهم و لا يشرعون بأعمال الرقابة إلا بعد أدائهم اليمين القانونية.

د*مهندسو وزارة الفلاحة المحلفون و المؤهلون للغرض :

هم بالأساس المهندسون الذين وقع انتدابهم من وزارة الفلاحة في إحدى الإختصاصات ذات العلاقة و مهمتهم الأساسية  في مجال التهيئة الترابية و التعمير عادة ما تتعلق بمعاينة مخالفة تراتيب ملك الدولة العمومي للغابات و هم محلفون للقيام بمهامهم[6].

ه*الأعوان المحلفون و المؤهلون التابعون للوزارة المكلفة بالتراث :

هم الأعوان المنتدبون للغرض و المحلفون و المكلفون بمعاينة مخالفة التراتيب الخاصة بالمواقع الثقافية و المجموعات التاريخية و التقليدية و المعالم التاريخية المتواجدة داخل المجال الترابي للبلدية ذلك أن مجلة حماية التراث الأثري و التاريخي و الفنون التقليدية[7] قد أخضعت كل الأشغال المتعقلة” بأعمال التهديم الكلي أو الجزئي أو أشغال الشبكات الكهربائية و الهاتف و قنوات المياه و التطهير و الطرقات السلكية و اللاسلكية و كل ما من شأنه أن يشوه المظهر الخارجي للمنطقة أو الموجودة داخلها و كذلك وضع الألواح الدعائية و حوامل الملصقات و الملصقات نفسها و غير ذلك من علامات الإشهار ذات الطابع التجاري[8] و الموجودة داخل المنطقة المصونة[9] إلى المراقبة العلمية والفنية للمصالح المختصة بالوزارة المكلفة بالتراث[10].

و هو نفس الشيء بالنسبة لكل مجالات مخالفة تراتيب التهيئة الترابية و التعمير المتعلقة بالتراث الأثري و التاريخي والثقافي و المتواجدة داخل المنطقة البلدية و ذلك لأن هذا المجال كما أسلفنا ذكره يتعلق بالنظام العام التاريخي للبلاد وهو ما يحتم تدخل السلطة المركزية لغاية إحكام تنظيم الذاكرة الوطنية.

ز*الخبراء المراقبون التابعون للوكالة الوطنية لحماية البيئة المحلفون و المؤهلون للغرض :

يتمتع الخبراء المراقبون التابعون للوكالة الوطنية لحماية البيئة بصلاحية معاينة و رفع مخالفة التراتيب العمرانية المتعلقة خاصة بما تخلفه المواد التي تصبها المؤسسات الخطرة خاصة  من خطر على المحيط بما يجعل سكان البلدية في خطر يهددهم و ربما يجعلهم يغادرون بناءاتهم و يلجئون للبناء في اماكن أخرى دون احترام مثال التهيئة.

فهولاء الخبراء المراقبون يمارسون وظائف الضابطة العدلية لذلك يؤدون اليمين القانونية أمام رئيس المحكمة الإبتدائية المختصة[11].

الفقرة الثانية : إجراءات معاينة التراتيب العمرانية :

اقتضى الفصل 257 من م.ج.م أن رئيس البلدية تحت رقابة المجلس البلدي يأذن للأعوان المكلفين بالتراتيب البلدية بمعاينة المخالفات و تحرير المحاضر و إدراجها بسجل مرقم و إحالتها على المصالح ذات النظر لإتخاذ ما يستوجبه القانون.

ففي مجال تراتيب البناء و التقسيم يأذن رئيس البلدية للأعوان المختصين بالبلدية أو يطلب من إدارة التجهيز المختصة تكليف أعوانها لمراقبة مطابقة الأشغال للأمثلة المرخص في إنجازها.

و تتمثل إجراءات المعاينة في التنقل على عين المكان قصد التثبت من مدى مطابقة الأشغال للأمثلة. و تتم المعاينة بطلب من المعني بالأمر أو من الجهات الإدارية المختصة[12].و تشفع عملية المعاينة بمحضر في انتهاء الأشغال سواء بمحضر إيجابي أي أن الأشغال كانت مطابقة للتراتيب العمرانية أو بمحضر سلبي عند معاينة عدم المطابقة،ثم نهاية تحال المحاضر على رئيس البلدية و على الوزارة التي يهمها الأمر و على وكيل الجمهورية المختص ترابيا.

أما عن الشروط الشكلية للمحاضر فهي لها نفس الشكل بالنسبة لكل المحاضر و قد أتينا على هذه الشروط في مواضع سابقة و لا فائدة من إعادة ذلك.

الفرع الثاني : جزاء الإخلال بالتراتيب العمرانية

تمارس البلدية صلاحياتها على كامل المنطقة البلدية،و لهذا الغرض تشرف على كل العمليات الحاصلة داخل مجال تدخلها،و توفر الوسائل و الآليات القانونية التي توجه كيفية التوسع العمراني و تعمل على إحكام تنظيم و استعمال كل مجالها الترابي. كما تسعى إلى توفير الحماية الكافية لكل المرافق العمومية و للملك العمومي البلدي،حتى تحقق أهدافها المنشودة و تحافظ على الطابع المعماري و التنظيم المحكم للمجال البلدي و بالتالي تحقق التنمية المحلية الشاملة.

و في خضم كل هذه الإجراءات و الوسائل التنظيمية التي تتمخض عن تراتيب الضبط العمراني،يمكن أن تأتي بعض العوارض التي تحول دون تنفيذ مقتضياته سواء بالإعتداء على الملك العمومي البلدي،أو بالقيام بأعمال مخالفة لمثال التهيئة العمرانية، أو بعدم الإستجابة لواجب الحصول على التراخيص الإدارية اللازمة.

و حتى تتمكن البلدية من مراقبة مجالها العمراني و الترابي و تقطع مع ظاهرة الفوضى العمرانية الناتجة عن البناء العشوائي و عدم الإلتزام بتطبيق القانون،فإنها تحاول إيجاد السبل الكفيلة لمجابهة هذه التصرفات المجرمة في حق المتساكنين و في حق النظام العام العمراني،و ذلك عبر تعويلها على السلطة القانونية التي تمتلكها للقيام بكل ما يلزم للحد من ظاهرة الإعتداءات على التراتيب العمرانية و زجر كل الأعمال المخالفة لها.

إن القواعد التي تتأسس عليها التراتيب العمرانية ،تعتبر بمثابة الإطار القانوني الذي يتحتم احترامه من كل من يتولى عمليات عقارية داخل المنطقة البلدية.و بالتالي فكل من لا يحترم هذه القواعد يكون عرضة للتتبع و الردع الإداري وتسليط العقاب المستوجب لذلك.

لقد خول القانون صلاحية الزجر الإداري للجرائم العمرانية لرئيس البلدية في إطار سلطاته الضبطية،و على هذا الأساس،يصدر عند الإقتضاء،قراراته المتعلقة بزجر كل مخالفة لتراتيب الضبط العمراني المتعلقة بالإعتداء على الملك العمومي البلدي(الفقرة الأولى)، أو المتعلقة بمخالفة تراتيب البناء (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: زجر الإعتداء على الملك العمومي البلدي

يحظى الملك العمومي البلدي بحماية خاصة تنطلق بعملية تحديده ثم إدراجه بسجل الأملاك البلدية التي تضبط قائمة الأملاك الراجعة للبلدية.

و يحدد سجل الأملاك البلدية موقعها و حدودها و مساحتها و طريقة استعمالها،إلى جانب تحديد كيفية انجرار ملكيتها سواء بوصفها ملكا أصليا أو مسلما من الدولة،أو ناتجا عن تنفيذ مثال التهيئة أو أنه استقر على ملكها بموجب الإنتزاع من أجل المصلحة العمومية،أو  أنها متأتية من التقسيمات،أو بناء على هبة أو وصية[13].

و تهدف عملية توثيق كل البيانات التي تعرف الملك العمومي البلدي إلى تحصينه من كل شغب،لذلك تتولى البلدية عملية تسجيله بالسجل العقاري ترقبا لأي عارض قانوني أو مادي،و أيضا لحفظ حقها أثناء تقديم مطالب تسجيل تشمل هذه الأملاك،فضلا على إدخال العقار في نظام الأملاك العامة الذي ينتج عنه عدم امكانية التفويت فيه و عدم سقوط ملكيته بمرور الزمن و عدم جواز عقلته و لا تسري عليه أحكام الحوز[14].

“و يستوجب ضمان حسن التصرف في الأملاك العقارية تأمين الحماية القانونية و المادية لها و استخدام أفضل الوسائل لترشيد استغلالها و تسويغها و التفويت فيها باعتبارها تشكل موردا للميزانية و أداة تدخل في الميادين الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و أداة مساهمة في إنجاز مشاريع التنمية[15]“.

و قد خول القانون امكانية إشغال أجزاء من الملك العمومي البلدي بصفة وقتية بموجب”عقد إشغال وقتي للملك العمومي البلدي”،بناء على طلب كتابي مسبق يتقدم به الراغب في ذلك،و تحدد فيه كل البيانات الخاصة بالملك المستغل ومساحته و مدة الإشغال و النشاط الذي سيقوم به المستفيد و معلوم ذلك.

كما خول القانون استغلال الملك العمومي البلدي في شكل لزمة بناء على شروط قانونية و عقدية يمضي عليها المستلزم له.

و سواء تعلق الأمر بعقود إشغال وقتي للملك العمومي البلدي أو في إسناده إلى الغير في شكل لزمة،فإن الملك البلدي يبقى محل متابعة و حماية من البلدية،و بإمكانها،في كل مرة لا يحترم فيها معاقدها شروط الإستغلال،أن تضع حدا لهذه العقود متى لمست إخلالا بشروط العقد.و عليه تتولى البلدية زجر كل المخالفات سواء المتعلقة بمخالفة شروط الإشغال الوقتي للملك العمومي البلدي، أو بمخالفة شروط عقد لزمة الملك العمومي البلدي و هي موضوع الحماية التبعية للملك العمومي البلدي(ب)،فضلا عن شموله لحماية أصلية(أ)، و في كلتا الحالتين لا تتوانى البلدية عن زجر كل مخالفة تتعلق به.

أ*الحماية الأصلية للملك العمومي البلدي

تتعلق هذه الحماية،بحماية مباشرة للملك العمومي البلدي،و لهذه الغاية تتخذ البلدية على الأقل صنفين من التدابير لتحقيق هذا الهدف،الأولى،تتمثل في إصدار قرارات التصفيف و التسوية الخاصة بالملك العمومي البلدي للطرقات،و الثانية،تشمل إصدار قرارات لها مفعول حمائي عام لكافة أنواع الأملاك العمومية المحلية،لذلك يشكل كل اعتداء على الملك العمومي البلدي بصفة مباشرة الحماية الأصلية لها،و في صورة مخالفة هذه التدابير تتولى البلدية زجر كل مخالفة لها سواء المتعلقة بقرارات التصفيف و التسوية(1)،أو بالإعتداء المادي على الملك العمومي البلدي للطرقات(2) أو على الملك العمومي البحري و بعض مكونات المياه(3)،أوبالإخلال بتدابير الضبط الإداري للصيانة(4).

1-زجر مخالفة قرارات التصفيف و التسوية:

عادة ما ينتج عن تنفيذ مثال التهيئة العمرانية حقوق ارتفاقية لصالح البلدية،سواء  نتيجة إدماج بعض الأملاك ضمن الملك العمومي البلدي،أو  نتيجة تصنيف الشوارع و الطرقات إلى طرقات عمرانية و مسالك و ذلك بغاية إخضاع كل منهما لنظامها القانوني الخاص بها. و إذا لم يتم هذا التصنيف فإن رئيس البلدية بإمكانه اتخاذ قراره في خصوص ذلك بعد مداولة المجلس البلدي و موافقته و أخذ رأي المصالح المختصة بالوزارة المكلفة بالتعمير.

و تكون الطرقات و الشوارع و المسالك ملكا عاما للبلدية باستثناء الطرقات الوطنية و الجهوية و ما خرج عن نطاق مجالها الترابي.و هو ما يخول لها إصدار كل القرارات الحمائية المشمولة بها،كالتي تتعلق بتصفيفها و تسوية ارتفاعها و تحديدها.

ففي صورة مخالفة تلك القرارات و معاينة البلدية لبعض التجاوزات،كأن يخرق أحد المالكين المجاورين المسافة الإرتفاقية و دخوله في المسافة المحددة قانونا و الفاصلة بينه و بين الملك العمومي للطرقات،و التي تم تحديدها كمسافة تراجع بناء عن قرار صادر عن رئيس البلدية بعد مداولة و مصادقة المجلس البلدي و موافقة السلط المختصة، فإن البلدية بعد تحرير محضر معاينة بواسطة الأعوان المؤهلين من شرطة و حرس بلديين تتولى التنبيه عليه بضرورة إزالة الإحداثات و إلا فإنها تصدر قرارا إما بإزالتها أو بهدمها.

2-زجر الإعتداء المادي على الملك العمومي للطرقات :

من صور الإعتداءات المباشرة على الملك العمومي البلدي للطرقات هي الإعتداء المادي عليه،و لعل هذا النوع يعد من أخطر الإعتداءات على الملك العمومي باعتباره اعتداءا على الجمالية الحضرية و إضرارا بأموال البلدية و أموال المجموعة الوطنية و إتلافا متعمدا لها.

و أمام تكرر الإعتداءات و توسع نطاقها على المستوى الوطني صدر الأمر الحكومي عدد 59 لسنة 2018 المؤرخ في 16 جانفي 2018 المتعلق بضبط الجدول التعريفي لمقدار الخطية الإدارية المنصوص عليه بالفصل 45(جديد) من القانون عدد 20 لسنة 2017 المؤرخ في 12 أفريل 2017 المتعلق بتنقيح و إتمام القانون عدد 17 لسنة 1986 المؤرخ في 7 مارس 1986 المتعلق بتحوير التشريع الخاص بملك الدولة العمومي للطرقات.

و لسائل أن يسأل عن مدى انطباق القانون عدد 17 لسنة 1986 المؤرخ في 7 مارس 1986 المتعلق بتحوير التشريع الخاص بملك الدولة العمومي للطرقات على الملك العمومي البلدي للطرقات؟

الجواب،هو بالإيجاب، أي أن التشريع الخاص بملك الدولة العمومي للطرقات ينطبق على الملك العمومي البلدي للطرقات،بدليل و أن الفصل 4 من رتب الطرقات في ثلاثة أصناف،طرقات قومية و طرقات جهوية و طرقات محلية.

و عرف ذات الفصل الطرقات المحلية بأنها تشمل جميع المسالك لضمان المواصلات ذات الصبغة المحلية أو الفلاحية،و هو ما يعني الطرقات العمرانية و المسالك الموجودة داخل المنطقة البلدية هي محل حماية قانونية من قانون 1986 السالف الذكر،فضلا عن مجموعة الأحكام الواردة به و المتصلة بالملك العمومي البلدي للطرقات إذ”يمكن إدماج الجزء من الطريق الذي يكتسب خاصيات شارع بلدي ضمن الملك العمومي البلدي بأمر[16]

و بقراءة القانون المذكور نلاحظ وجود العديد من المخالفات التي يسعى إلى زجرها عبر تسليط العقاب الإداري المتمثل أساسا في الخطية و إزالة آثار المخالفة على نفقة المخالف و زجر الأضرار اللاحقة بالملك العمومي للطرقات بواسطة أمر استرجاع مصاريف.و تتم معاينة هذه المخالفات من قبل مأموري الضابطة العدلية أو الأعوان المحلفين التابعين للوزارة المكلفة بالتجهيز[17].

و تتم عملية رفع المخالفة عبر إجراءات معينة ليقع تسليط عقوبة الخطية الإدارية نهاية على المخالف.

فأما عن أنواع المخالفات فقد نص عليها الأمر الحكومي عدد 59 لسنة 2018 الذي ضبط الجدول التعريفي لمقدار الخطية الإدارية المنصوص عليها بالفصل 45 جديد من قانون 12 أفريل 2017،و هي 19 مخالفة تتعلق كلها بأعمال مادية تتمثل بصفة عامة في إلقاء فواضل البناء أو سكب زيوت أو مواد سائلة مضرة أو تصريف مياه مستعملة أو إقامة حفر على الملك العمومي للطرقات.و أيضا وقوف أو توقف العربات في اماكن غير مخصصة أو ترك عربة أو هيكل عربة مهملة بالطرقات التابعة للملك العمومي ،أو تركيز بنايات أو محلات أو وضع لافتات  أو إلصاق سندات إشهارية على ملك الدولة للطرقات، و كذلك كل أعمال الإنتصاب بواسطة وسائل النقل و غيرها من الجرائم.

و تترواح الخطايا الإدارية المتعلقة بها من 100 دينار إلى 2000 دينار،و هي عقوبات صارمة باعتبار و أن مبلغ الخطية مثلا يكون 2000 دينار على كل ركيزة إشهارية بملك الدولة العمومي للطرقات،و قد اعتمد المشرع نفس التمشي في كل المخالفات حتى يكون زجر هذه الجرائم ناجعا و هو ما يؤدي إلى حماية الملك العام للدولة بصفة عامة.

و كل مخالف سلطت عليه الخطية الإدارية عليه ان يبادر بخلاصها مع مصاريف جبر الأضرار و إزالتها لدى إحدى القباضات المالية مقابل وصل في أجل لا يتجاوز شهرا من تاريخ تبليغ المحضر أو تحرير المخالفة و تسلم المحضر مباشرة.

و في صورة انقضاء أجل الشهر دون مبادرة المخالف بالخلاص تضاعف الخطية بعنوان التأخير.

3-زجر الإعتداء على الملك العمومي البحري و بعض مكونات الملك العمومي للمياه:

للبلديات الساحلية تراتيب خاصة بها تتعلق بالشريط الساحلي الممتد على حدودها البحرية أو المائية،لذلك خول لها القانون ممارسة سلطاتها الضبطية لزجر كل إعتداء على الملك العمومي البحري أو الملك العمومي للمياه.لكن و قبل التطرق لجزاء الإعتداء على الملك العمومي البحري و الملك العمومي للمياه(+)،اتجه التعريج على النظام القانوني للملك العمومي البحري و المائي(+).

+النظام القانوني للملك العمومي البحري و الملك العمومي للمياه :

أتى القانون عدد 73 لسنة 1995 المؤرخ في 24 جويلية 1995 المتعلق بالملك العمومي البحري[18] على تعريف للملك العمومي البحري،لكن هذا التعريف يقوم على أساس تحديد مكوناته المنصوص عليها بالفصول 1 و 2 و 3 من نفس القانون.

فحسب صريح الفصل الأول “يتكون الملك العمومي البحري من الملك العمومي البحري الطبيعي[19] و الملك العمومي البحري الإصطناعي[20]“،و يقع تحديده بعلامات حدود بعد القيام بكل الإجراءات القانونية المنصوص عليها بقانون 24 جويلية 1995 و ذلك بمقتضى أمر باقتراح من الوزير المكلف بالتجهيز بعد أخذ رأي الوزير المكلف بأملاك الدولة و الوزير المكلف بالبيئة و التهيئة الترابية.

و مثله مثل النظام العام للملك العمومي،فإن الملك العمومي البحري غير قابل للعقلة و الرهن و لا يمكن التفويت فيه و لا اكتسابه بالتقادم من طرف الغير حسب منطوق الفصل 19 من ذات القانون،لذلك تتطلب حمايته زجر كل الإعتداءات المسلطة عليه،و تتداخل عديد السلط العمومية في عملية حمايته و رفع الجرائم المتعلقة به.

لذلك خول القانون للبلدية،في إطار مساندتها للمجهود الوطني في حماية الملك العام،أن تعاين كل مخالفة لتراتيب الشريط الساحلي و من ورائها الملك العمومي البحري و البحث في كل المخالفات و تحرير المحاضر اللازمة و إحالتها على النيابة العمومية و على الوزارت المكلفة بأملاك الدولة و بالتجهيز و بالبيئة و التهيئة الترابية.

و لمزيد السيطرة على الملك العمومي البحري و احكام التصرف في أجزائه و حمايته من الإعتداءت أنشأ المشرع بمقتضى القانون عدد 72 لسنة 1995 المؤرخ في 24 جويلية 1995″وكالة حماية و تهئية الشريط الساحلي”،و هي حسب صريح الفصل 2  مؤسسة عمومية ذات صبغة تجارية و صناعية تتمتع بالشخصية المدنية و الإستقلال المالي،و هي تتولى تنفيذ سياسة الدولة في ميدان المحافظة على الشريط الساحلي بصفة عامة و على الملك العمومي البحري بصفة خاصة.

و أما الملك العمومي للمياه،فقد ضبطت نظامه القانوني مجلة المياه الصادرة بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 1975 المؤرخ في 31 مارس 1975[21]، و تتبع الملك العمومي للمياه حسب ما ورد بالفصل الأول من المجلة،مجاري المياه على اختلاف أنواعها و الأراضي الداخلة في ضفافها الحرة، و المياه المحصورة بالأودية، و العيون على اختلاف أنواعها، و طبقات الماء بباطن الأرض على اختلاف أنواعها، و البحيرات و السباخ، و قنوات المياه و الآبار و الأحواض المستعملة من طرف العموم و كذلك توابعها ،و قنوات الملاحة و الري أو التطهير الواقع إنجازها من طرف الدولة أو على حسابها لفائدة المصلحة العامة و كذلك الأراضي التي توجد ضمن ضفافها الحرة و توابعها.

و الملك العمومي للمياه غير قابل للتفويت و لا لسقوط الحق بمرور الزمن،لذلك وضعت المجلة كل التدابير اللازمة لزجر كل اعتداء عليه.

و في كل حالات الإعتداء على الملك العمومي البحري أو على أجزاء من الملك العمومي للمياه المتمثلة في البحيرات و السباخ غير المتصلة طبيعيا و سطحيا بالبحر و قنوات الملاحة و مجاري المياه و المياه المحصورة بالأودية،تتولى البلدية زجر المخالفات المتعلقة بها جزاء إداريا على المخالفين.

+جزاء الإعتداء على الملك العمومي البحري و الملك العمومي للمياه:

يتمثل موضوع الحماية في كامل الملك العمومي البحري و أجزاء الملك العمومي للمياه المنصوص عايها بالفصل 25 من م.ت.ت.ت أي البحيرات و السباخ غير المتصلة طبيعيا و سطحيا بالبحر و قنوات الملاحة و مجاري المياه و المياه المحصورة بالأودية. و عليه فكل مخالفة لتراتيب الشريط الساحلي المتعلقة بالملك العمومي البحري و المائي على معنى الفصل 25 المذكور،يواجه المخالف عقوبة هدم الإحداثات التي شيدها في المناطق المجاورة له.

فكل بناء شيد في منطقة لا يشملها مثال تهيئة عمرانية مصادق عليه على مسافة تقل عن 100 متر ابتداء من حدود الملك العمومي البحري و من حدود أجزاء الملك العمومي للمياه المشار إليها آنفا ،أو تشييد بناء في منطقة يشملها مثال تهيئة عمرانية مصادق عليه على مسافة أقل من 25 مترا حسب التحديد المومأ إليه،يعرض صاحبه لعقوبة هدم البناء،و ذلك بعد القيام بكل الإجراءات القانونية السابقة من معاينة و تنبيه و ترك فرضة الهدم الذاتي للبناء المخالف،مع الأخذ بعين الإعتبار للإستثناءات القانونية المنصوص عليها بالتشاريع الجاري لها العمل[22].

4-زجر مخالفة تدابير الضبط الإداري للصيانة :

“يعود تاريخ وضع نظام عام للصيانة إلى نهاية القرن التاسع عشر،حيث صدر الأمر العلي المؤرخ في 25 جويلية 1897 المتعلق بالضبط و المحافظة على الأملاك العامة،و ذلك إلى جانب صدور نصوص أخرى ضبطت أنظمة خاصة ببعض أملاك عمومية.و يهدف الضبط الإداري للصيانة إلى تأمين الحفاظ على الأملاك العامة،إذ تتوفر الإدارة على سلطة اتخاذ الإجراءات الضرورية[23] بقصد حفظ كل الأملاك العامة.

و في هذا الصدد تتمتع البلدية بسلطة الضبط الإداري للصيانة التي تمثل حماية عامة لكل أملاكها العمومية،و لها عن طريق رئيس البلدية ان تصدر مثلا قرارات تتعلق بعدم إلقاء الفضلات بجانب المنشآت التاريخية و الثقافية، أو منع قطع بعض الأنواع من الأشجار أو تحجير الرعي ببعض الأماكن ،أو بتخصيص مسالك محددة لبعض الحيوانات الأليفة.

و في حالة مخالفة هذه القرارات تتولى البلدية معاينتها و من ثم تسليط العقاب الإداري المناسب سواء بالخطية أو بإزالة آثار المخالفة.

ب*الحماية التبعية للملك العمومي البلدي

يحظى الملك العمومي البلدي بحماية خاصة باعتبار و أن هذه الحماية تتبع الملك العمومي البلدي لتشمل كل العمليات القانونية المتعلقة به،فالمبادئ العامة التي يقوم عليها الملك العام تجعل من البلدية مشرفة على ملكها حتى في صورة إشغال أجزاءه إشغالا وقتيا(1) أو إسناده التصرف فيه بواسطة عقد لزمة (2)،و لا تتوانى عن زجر كل مخالفة للشروط الخاصة بكلا التصرفين القانونيين.

1-زجر مخالفة شروط  الإشغال الوقتي للملك العمومي البلدي:

تتخذ البلدية القرار المناسب في خصوص حالة الإخلال بشروط الإشغال الوقتي للملك العمومي البلدي بالرجوع في الإشغال الوقتي(+)، و ذلك في صور محددة(+).

+صور مخالفة شروط الإشغال الوقتي للملك العمومي البلدي:

هي صور قانونية و لا يحرر العقد إلا بتضمينها،فالعقد يستلهمها من القانون لذلك خيرنا أن تكون “شروط الإشغال” بدل “شروط عقد الإشغال”.

و قد نص على هذه الصور الأمر عدد 362 لسنة 2007 المؤرخ في 19 فيفري 2007 المتعلق بضبط شروط و صيغ الإشغال الوقتي و لزمة المرفق العمومي في الملك العمومي البلدي[24].

و بالرجوع للأمر المذكور نلاحظ و أن للإشغال الوقتي عدة صيغ،تتعلق الأولى بأجزاء الملك العمومي البلدي الذي يندرج في نطاق التصرف في الملك العمومي البلدي وكان موضوع الإشغال يتصف بالإستمرارية و يقتضي تثبيت إحداثات أو تجهيزات خفيفة بها،على شرط الثبت قبل الموافقة من توفر التراخيص اللازمة عند الإقتضاء لممارسة النشاط المزمع القيام به[25].

و أما الصيغة الثانية،فتندرج في سلطات الضبط الإداري لرئيس البلدية،و تشمل أجزاء الملك  العمومي الخارجة عن نطاق التصرف فيها و لا تقتضي توفر الشروط المنصوص عليها بالفقرة الأولى من الفصل الأول من الأّمر المشار إليه.

و في الحالتين يجب على المستفيد أن يتقيد بالشروط اللازمة و المحددة في ذات الأمر و أن لا يقوم بأحد الأفعال و التصرفات المندرجة بصور مخالفة شروط الإشغال الوقتي،و التي استنتجهناها بمفهوم المخالفة من فصول الأمر و تتمثل في:

-استعمال موضوع الإشغال الوقتي في غير الغرض المرخص بشأنه : و هو ما يعني أن يتقيد المعني بالأمر بموضوع الإشغال طبق العقد المبرم بينه و بين البلدية، أي إذا كان موضوع الإشغال استغلال جزء من الرصيف لوضع كراسي المقهى،فلا يجوز مثلا أن يحول ذلك مكان لعرض سلع بغاية التجارة[26].

-تثبيت إحداثات أو تجهيزات غير قابلة للتفكيك و الإزالة بسهولة : يجب على المستفيد أن لا يثبت إحداثات على الملك العمومي البلدي غير قابلة للتفكيك و لا الإزالة،كأن يعمد إلى إحداث دعائم اسمنتية مقوات بمادة الحديد بغرض إحداث لافتة إشهارية بالمحل،حيث يجب أن تكون مثلا بالخشب و مثبتة بطريقة يمكن إزالتها بسهولة باستعمال البراغي على سبيل المثال[27].

-إستعمال جزء الملك العمومي البلدي موضوع الإشغال بواسطة شخص آخر أو إحالته إلى الغير دون الحصول على الموافقة المسبقة : على المستفيد أن يستعمل موضوع الإشغال بنفسه أي أن بياشر الأعمال الموظفة عليه شخصيا،و أن لا يحيل حق استعماله للغير بأي وجه كان سواء بكراء أو هبة إلا إذا حصل على موافقة كتابية من رئيس البلدية الذي عليه في هذه الحالة أن يبرم عقدا جديدا مع المحال إليه[28].

-عدم المحافظة على أجزاء الملك العمومي البلدي موضوع الإشغال و إدخال تغييرات على حالتها:

و هو ما يعني إتلافه من الناحية المادية،أو إدخال تغييرات جوهرية بما من شأنها أن تضر بجزء الملك العمومي البلدي.و نتيجة للمراقبة الدورية من قبل البلدية لأملاكها فبإمكانها بصفة تلقائية أو بطلب من المعني بالأمر،أن تأذن باجراء الإصلاحات الضرورية لضمان سلامة الملك البلدي و المحافظة على حالته و وظيفته و احترام الشروط المتعلقة بالصحة و السلامة[29].

-عدم أخذ الإحتياطات اللازمة للوقاية من الأخطار المحتملة : على المستفيد أن يأخذ الإحتياطات اللازمة لتجنب أخطار الحرائق و الحوادث و غيرها، كما عليه أن يتحصل على شهادة وقاية من مصالح الحماية المدنية إن اقتضى أمر الإشغال ذلك[30].

-إهمال أجزاء الملك العمومي البلدي بما يتسبب في إلحاق أضرار بها : تتعلق هذه الحالة بفعل الإهمال و هو يعني عدم القصد،و هي حالة معاكسة لعدم المحافظة التي هي أفعال قصدية.فإذا أهمل المعني بالأمر مثلا أعمال الطلاء أو أتلفت أجزاء من موضوع الإشغال،عليه جبرها على نفقته الخاصة و تحت رقابة البلدية و في صورة عدم قيامه بما يلزم فتتولى البلدية ذلك بنفسها و على نفقة المستفيد[31].

-عدم تأمين المستفيد لمسؤوليته المدنية تجاه الغير عن الأضرار الناجمة عن استعمال الأماكن موضوع الإشغال الوقتي للملك العمومي البلدي أو فسخ عقد التأمين دون موافقة البلدية : الهدف من عملية تأمين المسؤولية المدنية هو النأي بالبلدية عن جبر الأضرار الحاصلة بسبب ملكها العام و تحميل ذلك على إحدى شركات التأمين مقابل أقساط يدفعها المستفيد[32].

-عدم التقيد بالشروط الفنية الضمنة بكراس الشروط المعدة للغرض : تتعلق هذه الوضعية بعدم إحترام كراس الشروط المعد للغرض بغاية ضمان سلامة المرور و حماية الأمن العام و المحافظة على الجمالية الحضرية إذا كان موضوع الإشغال الوقتي يتعلق بإقامة لافتات أو ركائز أو إشارات أو أية علامة أخرى لغاية إشهارية[33].

-عدم دفع المعاليم المستوجبة : أي عدم دفع معلوم الإشغال من المستفيد رغم انقضاء الأجل القانوني أو أجل الفضل الممنوح من البلدية.

-الإخلال بالأمن العام

+جزاء مخالفة شروط الإشغال :الرجوع في الإشغال الوقتي للملك  العمومي البلدي

“يتنهي الإشغال الوقتي بانتهاء مدة العقد ما لم يتم تجديده طبقا لأحكام الفصل 3 من هذا الأمر[34]” الذي اقتضى أن المدة القصوى لعقد الإشغال الوقتي هي سنة واحدة و يمكن للمستفيد أن يطلب تجديد العقد كتابيا، كما ينتهي بوفاة المستفيد.

و تعد هاتين الصورتين، الأسباب العامة لإنقضاء الإشغال الوقتي و لا دخل للمستفيد في ذلك،غير أن الإخلال بشروط الإشغال في غير الحالتين المذكورتين،يسمح لرئيس البلدية بوضع حد له في حالات معينة، ويرتب قرار الرجوع في الإشغال آثار محددة:

 فأما عن حالات الرجوع،فتتمثل،أولا،في حالة مخالفة شروط الإشغال المنصوص عليها بالفصول من 6 إلى 13 من الأمر عدد 326 لسنة 2007.و هو ما يعني من الناحية العملية،أنه بمجرد اتصال رئيس البلدية بمحضر معاينة مخالفة شروط الإشغال و بعد انتهاء مدة الإذعان لمقتضيات محضر التنبيه يتولى إصدار قراره بالرجوع في عقد الإشغال الوقتي للجزء المستغل من الملك العمومي البلدي.

أما الحالة الثانية، فهي إمكانية الرجوع في الإشغال الوقتي بصفة شخصية من رئيس البلدية لإعتبارات تهم المصلحة العامة. و يبقى تحديد المصلحة العامة من خصائص السلطة التقديرية لرئيس البلدية تحت رقابة القضاء.

و أما في خصوص الحالة الثالثة و الأخيرة،فتتعلق بطلب يتقدم به المعني بالأمر لإنهاء الإشغال.

و ينتج عن كل حالات الرجوع آثار قانونية، إذ لا يترتب عن إنهاء الإشغال الوقتي أي حق في المطالبة بالتعويض[35]، كما يتحتم على المستفيد أن يرجع أجزاء الملك العمومي البلدي موضوع الإشغال إلى البلدية المعنية على الحالة التي تسلمها عليها،بعد تفكيك و رفع الإحداثات و التجهيزات التي ثبتها فيه[36].

2-زجر مخالفة شروط عقد لزمة الملك العمومي البلدي :

 نص الفصل 18 من أمر 2007 أنه:”يمكن للبلدية أن تعهد عن طريق اللزمة بإدارة و استغلال المرفق العمومي بالملك العمومي البلدي إلى شخص طبيعي أو إلى شخص معنوي..” و ذلك بمقتضى عقد يبرم بين رئيس البلدية المانحة و المستلزم، يتم المصادقة عليه من قبل وزير الداخلية و التنمية المحلية بعد أخذ رأي وزير المالية،و يرفق بكراس شروط يتضمن الشروط الخصوصية المتعلقة باللزمة.

و يقتضي العقد تحميل كلا الطرفين التزامات متبادلة،لكن البلدية باعتبارها لها صلاحيات السلطة العامة فبإمكانها في صورة الإخلال بمقتضيات عقد اللزمة (+) أن تسترد المرفق العمومي البلدي(+).

+صور الإخلال بمقتضيات عقد اللزمة :

وضع الأمر عدد 362 لسنة 2007 شروط منح اللزمة و التي يتم استرداد المرفق موضوع اللزمة في صورة الإخلال بها،هذا على غرار الشروط العقدية الخاصة التي بالإمكان إضافتها،و هو ما نستخلصه من الفصل 20 من الأمر المذكور “ينص عقد لزمة المرفق العمومي بالملك العمومي البلدي خاصة على مايلي“، و تتمثل صور الإخلال بمقتضيات عقد اللزمة في نفس صور الإخلال بشروط الإشغال الوقتي و لا فائدة من إعادتها،لكن تبقى أن نضيف بعض الصور الخاصة المنصوص عليها بذات الأمر.

فمن صور الإخلال بمقتضيات العقد أن لا يضمن المستلزم استمرارية المرفق العمومي و المساواة في المعاملة بين كافة مستعملي المرفق، أو يضر بالمنشآت التي يستغل بواسطتها المرفق العمومي.

+جزاء الإخلال بمقتضيات العقد:

ينتج عن إخلال المستلزم بمقتضيات العقد جزاءان إداريان إثنان،ففي صورة منح اللزمة على وجه الإستغلال يكون الجزاء هو اسقاط الحق،و في صورة منح اللزمة على وجه الإدارة فللبلدية أن تسترد المرفق العمومي البلدي.

نص الفصل 31 من الأمر عدد 362 لسنة 2007 على جزاء اخلال المستلزم بمقتضيات عقد لزمة الملك العمومي البلدي، و هو حق البلدية في إسقاط حق المستلزم في استغلال المرفق العمومي البلدي،أي أن تضع حدا للعقد قبل نهايته و بامكانها أن تكتتب عقدا جديدا لفائدة شخص آخر.و أما عن استرداد المرفق العمومي فيعني تعهد البلدية بتسييره ينفسها دون إحالته إلى مستلزم آخر.

مع الملاحظ و أنه و على خلاف الإشغال الوقتي،فإن التعويض عن استرداد المرفق العمومي جائز لكن حسب الشروط المضمنة بالعقد،بينما لا يترتب تعويض عن حالة إسقاط الحق لأن القانون قد سكت عن ذلك،و ربما يعود ذلك إلى طبيعة المخالفات المرتكبة التي لا يمكن تداركها دون حصول أضرار للبلدية.


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر و الطباعة محفوظة لمجلة الميزان
إغلاق