العنف الخفيف والعنف الشديد في القانون وفقه القضاء الجزائي
العنف في القانون كجريمة مستقلة في فصول متعددة بحسب اهمية العنف وخطورته فهو احيانا عنف خفيف واحيانا اخرى عنف شديد ويختلف العنف ايضا بحسب الضحية فهو عنف بين الازواج وضد الاطفال وضد القضاة وعنف ضد السلف ويختلف بحسب ما خلفه من اضرار بدنية بجسم الضحية من نسبة سقوط وقد تنجر عنه وفاة الضحية وموتها.
تعرض الفصل 319 من المجلة الجنائية للعنف المتعارف عليه بانه خفيف.
الفصل 319 يستوجب العقوبات المذكورة الأشخاص الذين يرتكبون المعارك أو الضرب أو العنف ولا ينجـر منـه لصحة الغير أدنى تأثير معتبر أو دايم
يستشف من الفصل 319 ان العنف اذا لم يكن له تأثير معتبر او دائم عُد من قبيل العنف الخفيف وفي مقابل ذلك فان كل عنف لا يندرج ضمن ما وصفه الفصل 319 عُد من العنف الشديد موضوع الفصل 218 من المجلة الجنائية.
الفصل 218 (نقح بالقانون عدد 72 لسنة 1993 المؤرخ في 12 جويلية 1993). من يتعمد إحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف ولم تكن داخلة فيما هو مقرر بالفصـل 319 يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ألف دينار.
عهدت محكمة التعقيب مهمة وصف العنف بالخفيف او بالشديد لمحكمة الاصل ولاجتهاد القاضي المطلق بشرط التعليل:
جزائي عدد 2396 مؤرخ في 18/12/1978 – وصف العنف بالشديد او الخفيف يخضع لاجتهاد قاضى الموضوع بشرط التعليل.
جزائي عدد 10951 مؤرخ فى 10/03/1975 – المرجع في التفريق بين العنف الخفيف و العنف الشديد ترك هذا الاخير اثرا معتبرا و هي مسألة موضوعية ترجع لاجتهاد حاكم الاساس المطلق و لا تدخل تحت رقابة التعقيب طالما كان لحكمه مأخذ صحيح من الاوراق.
اعتبرت محكمة التعقيب في باب التعريف بالعاهة المعتبرة المستديمة الركن المميز للعنف الشديد ان سقوط الاسنان اثر الاعتداء من شانه ان يضفي وصف الشدة على العنف
جزائي عدد 396 مؤرخ في 24/11/1976 – اذا كان سقوط الاسنان نتيجة عنف شديد نشأ عنه سقوط مستمر يتجاوز العشرين بالمائة فان الفعلة تكون من باب الجنح الراجعة بالنظر للمحكمة الابتدائية ذلك ان فقدان المعتدى عليه لبعض أسنانه يعتبر عاهة مستديمة تكون معها منفعة الفم منقوصة لان ما تقوم به الاسنان الصناعية له مفعول محدود و ترتيبا على هذا يكون معرضا للإبطال القرار الذى درج على خلاف ذلك باعتبار تلك الجريمة من باب العنف الشديد المجرد حسب الفصل 218 من القانون الجنائي.
violence grave
وفي قرار آخر
جنائي عدد 8029 مؤرخ فى 08/12/1971 اسقاط السن وكسر البنصر يدخلان في عموم الجراحات الواردة بالفصل 218 من ق ج التي يترتب عنها جريمة العنف الشديد.
و في قرار آخر اعتبرت محكمة التعقيب صفع المتهم للمتضرر بالكف على خده وجره من طرف متهم ثان من قبيل العنف الشديد
جزائي عدد 161 مؤرخ فى 10/07/1976 – اعتراف المتهم الاول بصفعه للمتضرر بكف يده و المتهم الثاني بمسكه وجره له و تقرر ذلك بتصريحات المتضرر و الشهادة الطبية تثبت به جريمة الاعتداء بالعنف الشديد.
تختلف العقوبة بالنسبة لجريمة العنف بحسب نتيجة الاثار المحدثة ونسبة السقوط الحاصل
الفصل 219 (نقح بالقانون عدد 34 لسنة 1964 المؤرخ في 2 جويلية 1964 وبالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989).
إذا تسبب عن أنواع العنف المقرّرة آنفا قطع عضو من البدن أو جزء منه أو انعدام النفع به أو تشويه بالوجه أو سقوط أو عجز مستمر ولم تتجاوز درجة السقوط أو العجز العشرين في المائة فالمجرم يعاقب بالسجن لمدة خمسة أعوام. ويكون العقاب بالسجن مدة ستة أعوام إذا تجاوزت درجة السقوط أو العجز الناتج عن الاعتداءات المذكورة العشرين في المائة.
أثارت مسالة التحقق من نسبة السقوط الحاصل عن العنف مسائل متعلقة بمرجع النظر الحكمي
جزائي عدد 385 مؤرخ فى 08/11/1975 – ان تعكر حالة المتضرر من العنف يؤثر على وصف التهمة و مرجع النظر. – اذا احيل المتهم على المحكمة في عنف شديد نشأ عنه سقوط مستمر دون العشرين في المائة و تبين لديها بعد عرض المتضرر من جديد على الفحص الطبي ان حاله تعكرت و ان السقوط اصبح اكثر من العشرين في المائة فان لها التخلي لفائدة المحكمة الجنائية.
على ان حالات تعرض لا يمكن فيها تقدير درجة السقوط النهائي وهي جميع الحالات التي يقع فيها تقدير السقوط قبل البرء النهائي لذلك قررت محكمة التعقيب ان المحكمة لا يمكنها مقاضاة المتهم قبل التحقق من البرء النهائي ومن درجة السقوط النهائي
جزائي عدد 8620 مؤرخ فى 30/05/1973 – لا يجوز للمحكمة ان تقضى في جريمة العنف الشديد الا بعد البرء التام والا كان حكمها مبينا على احتمال يجعله مستهدفا للنقض.
جزائي عدد 7742 مؤرخ في 16/03/1983 – العنف المتولد عنه السقوط واجب فيه تحقيق نسبة ذلك العجز نهائيا بعد البرء النهائي بما لا مراجعة فيه اذ ان تلك النسبة هي التي يتحقق منها مرجع النظر الحكمي و العقاب المستوجب و درجة الحكم فالحكم الذي صدر في الموضوع قبل ذلك يكون سابقا لأوانه و يضر بالنظام العام و مصلحة المتهم الشرعية فيستوجب النقض.
ان محكمة التعقيب محقة فيما ذهبت اليه من ضرورة التحقق من درجة السقوط النهائي وذلك بانتظار برء الضحية فدرجة السقوط عادة ما تتضاءل بمرور الزمن وتماثل الضحية للشفاء الا ان حالات أخرى تتعكر فيها صحة الضحية وتتفاقم درجة السقوط فمن الحالات التي عُرضت في هذا الشأن امام فقه القضاء التونسي حالة فريدة حوكم فيها المتهم من اجل العنف الشديد امام محكمة الناحية واتصلت بالحكم قوة ما قُضي فيه الا ان صحة الضحية تعكرت فجأة وانتهى الامر بوفاته.
فهل تمكن محاكمة المتهم مرة ثانية لنفس الافعال؟
ذلك ما قضت به محكمة التعقيب:
جزائي عدد 1145 مؤرخ في 11/05/1977 – اذا قضى في دعوى العنف لدى محكمة الناحية ثم تبين ان المعتدى عليه توفى من اجل العنف المسلط عليه وجب فتح بحث جديد في الاعتداء بالعنف الناتج عنه موت و لا يعارض ذلك باتصال القضاء الناجم عن حكم محكمة الناحية.
فالتريث في الحكم في قضايا العنف شديدا كان او خفيفا امر من شانه تفادي وضعيات مشابهة لما راينا يُخرق فيها صراحة مبدأ قانوني ثابت في منع محاكمة المتهم بالنسبة لنفس الأفعال مرتين