المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة – الأستاذ رمزي محمدي
للمؤلف حرية الإختيار بين ممارسة حقوقه بصفة فردية عبر التصرف في مصنفه الإبداعي أو بصفة جماعية عبر تكفل مؤسسة معينة بالدفاع عن حقوقه وضمان إمتيازاته المادية والأدبية من مصنفه الإبداعي.وفي هذا الإطار أقر القانون المتعلق بالملكية الأدبية والفنية لسنة 1994 الإمكانية للمؤلف أن أن يمارس حقوقه بصفة جماعية عن طريق هيكل مكلف بالتصرف الجماعي في حقوق المؤلف ورد تنظيمه بالباب الثامن من قانون 24 فيفري 1994.
كانت الممارسة الجماعية لحقوق المؤلف تتم عن طريق جمعيات المؤلفين التي يرجع إحداثها إلى القرن التاسع عشر في أوروبا وتحديدا في فرنسا كما تكونت في تونس جمعية تحت إسم “شركة المؤلفين والملحنين بالبلاد التونسية ” التي كانت محدثة بموجب قانون 1966.والتي عوضتها المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين التي كانت منظمة بموجب الأمر عدد 2230 لسنة 1996 المؤرخ في 11 نوفمبر 1996 والمتعلق بالتنظيم الإداري والمالي للمؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين.والتي ألغيت هي الأخرى وعوضت بالمؤسسة الحالية وهي المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والمجاورة المنشئة بموجب الأمر عدد 2860 لسنة 2013 المؤرخ في 1 جويلية 2013[1] المتعلق بإحداث المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وضبط تنظيمها الإداري والمالي وطرق تسييرها.
ولمعرفة كيفية الممارسة الجماعية لحقوق المؤلف في علاقة بالمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة من المفيد التطرق للنظام القانوني للمؤسسة ثم إلى شروط الإنخراط.
الفقرة الأولى : النظام القانوني للمؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة
تم إنشاء المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة بمقتضى الأمر عدد 2860 لسنة 2013 المؤرخ في 1 جويلية 2013 المتعلق بإحداث المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وضبط تنظيمها الإداري والمالي وطرق تسييرها .
أ. النظام الإداري والمالي للمؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة
المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة مؤسسة عمومية تخضع لنظام إداري (1) ومالي (2).
النظام الإداري للمؤسسة
المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة هي مؤسسة عمومية لا تكتسي الصبغة الإدارية مايميزها عن المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية[2].وتتمتع بالإستقلال المالي وتخضع لقواعد المحاسبة التجارية وتعمل تحت إشراف وزارة الثقافة.وتم ضبط التسيير والتنظيم الإداري للمؤسسة في الباب الثاني من الأمر المحدث للمؤسسة عدد 2860 لسنة 2013 المؤرخ في 1 جويلية 2013.يرأس المؤسسة مدير عام تتم تسميته بأمر بإقتراح من الوزير المكلف بالثقافة يتولى إدارة المؤسسة وإتخاذ جميع القرارات المتعلقة بنشاطها كما يحدد ذلك الفصل 8 من الأمرالذي ذكر على وجه الخصوص،مهام تتعلق بتمثيله للمؤسسة لدى الغير في جميع الأعمال المدنية والإدارية والقضائية.وبإبرام الصفقات والعقود والإتفاقيات ووضع ومتابعة تنفيذ برامج العمل المتعلقة بمهام المؤسسة خاصة في مجال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.وإلى جانب المدير العام نجد مجلس المؤسسة الذي ضبطه الفصل 10 إلى الفصل 16 من الأمر ويتركب من 11 عضوا أولهم المدير العام للمؤسسة برتبة رئيس إلى جانب ممثل عن رئاسة الحكومة وممثل عن الوزارة المكلفة بالمالية وممثل عن الوزارة المكلفة بالتخطيط والتعاون الدولي وممثل عن الوزارة المكلفة بالثقافة ومؤلف في ميدان الأدب والمسرح ومؤلف في ميدان الموسيقى ومؤلف في ميدان الفنون التشكيلية والكتابية ومؤلف في ميدان المصنفات السمعية والبصرية وممثلان عن فناني الأداء.ويعين أعضاء مجلس المؤسسة بقرار من الوزير المكلف بالثقافة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرتين على أقصى تقدير وبالنسبة لممثلي الوزارات يتم تعيينهم بناء على إقتراح من الوزراء المعنيين ويمكن للمدير العام دعوة كل شخص من ذوي الكفاءة لحضور إجتماع مجلس المؤسسة لإبداء الرأي في إحدى المسائل المدرجة بجدول أعمال المجلس كما ضبط ذلك الفصل 11 من الأمر المنظم.ويضطلع مجلس المؤسسة كما يحدده الفصل 10 بمهام دراسة وإبداء الرأي في عقود الأهداف ومتابعة تنظيمها والميزانيات التقديرية للإستثمار والتصرف وهياكل تمويل مشاريع الإستثمار وتنظيم مصالح المؤسسة والنظام الأساسي لأعوانها ونظام تأجيرهم والصفقات والإتفاقيات المبرمة من قبل المؤسسة والشراءات والمبادلات وجميع العمليات العقارية المندرجة ضمن نشاط المؤسسة وإنخراط المؤسسة في المنظمات الدولية غير الحكومية للمؤلفين والمصادقة على نسب ومبالغ المستحقات الراجعة للمؤلفين ولأصحاب الحقوق المجاورة وبصفة عامة كل مسألة أخرى تتعلق بنشاط المؤسسة والتي يتم عرضها من قبل المدير العام.
النظام المالي للمؤسسة
ضبط الباب الثالث من الأمر التنظيم المالي للمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في قسم أول يتعلق بالمداخيل وفي قسم ثان يتعلق بالحسابات.وأورد الفصل 17 من أمر 2013 مكونات الموارد المالية للمؤسسة التي يضبطها مدير المؤسسة بميزانية تقديرية مدير ويعرضها على مجلس المؤسسة ثم يقع المصادقة عليها بمقتضى مقرر صادر عن الوزير المكلف بالثقافة.وأقر الفصل 19 أن يتم مسك حسابات المؤسسة طبقا للقواعد المحاسبة التجارية وإلى جانب الميزانية العامة للمؤسسة أقر الأمر المنظم لها إحداث صندوق إجتماعي وثقافي للمنظمة في الباب الخامس منه ويضطلع هذا الصندوق بصرف منح التقاعد السنوية ومنح العلاج والمساعدات الظرفية للأعضاء الذين يمرون بظروف اجتماعية صعبة[3].
ب. وظائف المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة
بالعودة لقانون 24 فيفري 1994 وخاصة الباب الثامن منه تحت عنوان في التصرف الجماعي في الحقوق يؤخذ من قراءته في فصليه 48 جديد و 49 جديد على وظائف المؤسسة التونسية الحقوق المؤلف والحقوق المجاورة باعتبارها الهيكل المكلف بالتصرف الجماعي إذ تظطلع بوظيفة تمثيلية إلى جانب وظيفة محاسبية.
الوظيفة التمثيلية
إن الوظيفة التمثيلية للمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لا تقتصر على التمثيل الداخلي لمنخرطيها وإنما كذلك تمثيل المؤلفين خارجيا ودوليا.
إن قراءة الأمر المتعلق بتنظيم المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والباب الثامن من قانون 1994 يؤكد على أنّ المدير العام،بتفويض من مجلس الإدارة،يضطلع بمهام تمثيل المؤسسة لدى الغير في المعاملات المدنية والتجارية والقضائية وهو الذي يبرم كذلك عقود التمثيل العامة مع المستغلين ويتخذ جميع القرارات والمبادرات الضرورية كما أنه حسب الفصل 6 من الأمر يلتزم الأعضاء المنخرطون بمنح المؤسسة بمفعول الإنخراط لديها وذلك بالنسبة إلى كافة البلدان خلال كامل مدتها المؤسسة حقا في ترخيص أوتحجير التمثيل أوالعرض العمومي أوالنسخ الخطي أوالميكانيكي أوالترجمة أوالإقتباس لمصنفاتهم الحاضرة أوالمستقبلية في خصوص الإنتاج الأدبي أوالمسرحي أوالموسيقي أوالسينمائي أوالسمعي البصري أوالفني أوكل نوع من أنواع الإنتاج يمكن حمايته كما يتعين على المؤلفين التصريح للمؤسسة بكل مصنف جديد تم إيداعه وذلك بصفة إلزامية قبل إستغلاله العمومي والإمتناع عن كل عمل من شأنه أن يضر بمصالح المؤسسة وخاصة عدم الحلول محلها في تسليم الرخص لإستغلال أعمالهم.
سار في هذا الاتجاه فقه القضاء التونسي منذ أن كان يشرف على الممارسة الجماعية لحقوق المؤلف الجمعية التونسية للمؤلفين والملحنين وبعدها المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلف إذ يعتبر فقه القضاء التونسي أن الوظيفة التمثيلية للمؤسسة الجماعية عامة بالنسبة لإستغلال كل المصنفات وعلى كامل التراب التونسي[4].وتلعب المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة دورا هاما بالنسبة للمؤلفين وأصحاب الحقوق المجاورة[5] في مراقبة استنساخ مصنفاتهم وتحصيل الحقوق المالية للأعضاء ومنع قرصنة أعمالهم [6].وبالتالي فإن المؤسسة تضطلع بمهمة إستغلال المصنف الفكري نيابة عن المؤلف وتدافع عنه وعن حقوقه في نفس الوقت وهذا هو مناط التصرف الجماعي في حقوق المؤلف وفي هذا الإطار أكد القضاء التونسي أنّ استغلال مصنّفات غنائية دون ترخيص الهيكل المكلف بالتصرف الجماعي خطأ موجب للتعويض[7].
تختص المؤسسة بالتمثيل الدولي للمؤلفين فهي مكلفة بالسعي لإبرام المعاهدات والإتفاقيات وإجراء الإتصالات مع المؤسسات والجمعيات الأجنبية التي تهتم بحقوق المؤلفين.وأكدت محكمة التعقيب في هذا الإطار أن الإسترخاص وجوبي من الهيكل المكلف بالتصرف الجماعي في إستغلال كل المصنفات التي تحت تصرف الهيكل على التراب التونسي وليس فقط المصنوعة في تونس[8].
مسك الحسابات
يمكن إعتبار المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة من حيث الوظيفة المحاسبتية هيكل إستخلاص وتوزيع لحقوق المؤلفين إذ تتعهد بتحديد وقبض الإستحقاقات المالية من جهة أولى وفي صرف المستحقات المالية للمؤلفين من جهة ثانية.وتضبط المؤسسة التونسية معاليم الإستغلال للمصنفات وتقبض هذه الإستحقاقات المالية وفق قواعد الفصل 7 من قانون 1994 فيما يتعلق بالإستغلال المادي للفنون الشعبية [9]كما تستفيد المؤسسة إستثنائيا من إحالة المصنفات التي لم تنجز بعد كما ينص على ذلك الفصل 24 من قانون 24 فيفري 1994 .وتحدد المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة نسب ومبالغ المستحقات الراجعة للمؤلفين ولأصحاب الحقوق المجاورة وقواعد إستخلاص المستحقات وتوزيعها سواء المسندة للمؤلفين أو أصحاب الحقوق المجاورة أومستحقيهم.
الفقرة الثانية : الانخراط
يخضع الانخراط في المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لجملة من الشروط والإجراءات (أ) التي يتمتع على أساسها المنخرط بجملة من الحقوق ويلتزم بجملة من الواجبات (ب).
أ. كيفية الانخراط
يتم الانخراط عند توفر جملة من الشروط (1) وفق إجراءات معينة (2).
شروط الانخراط
يمكن لكل مؤلف تونسي أو أجنبي لمصنف مبتكر في مجالات الإبداع الأدبي أو الفني أوالعلمي الانخراط بالمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.وبموجب انخراطه هذا، يسند إلى المؤسسة بالنسبة إلى جميع البلدان، الحق دون سواها في السماح أو في منع استغلال إنتاجه الفكري الحالي أو المستقبلي بأية وجهة أو طريقة كانت.وللانخراط بالمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، فان النظام الداخلي[10]يوجب الاستجابة للشروط المتمثلة في أن يكون صاحب المطلب تونسي الجنسية أوفي بعض الحالات يمكن للأجانب المقيمين في تونس الانخراط وأن أن يكون المؤلف أوالملحن، شخصا طبيعيا أو معنويا أو أن يكون وارثا لصاحب الحق وأن يكون قد عرض على العموم على الأقل مصنف بأي شكل كان (تسجيل،بث إذاعي أو تلفزي).ويتم قبول المطلب من قبل اللجان الاستشارية للمصنفات أولا ثم يتولى صاحب المطلب إمضاء عقد انخراط بالمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وأحال بموجبه للمؤسسة كافة حقوقه على مصنفاته الحاضرة والمستقبلية.
إجراءات الانخراط
يمكن لكل مؤلف لمصنف مبتكر في مجالات الإبداع الأدبي والفني والعلمي الانخراط بالمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وذلك بتقديم ملف في الغرض يحتوي على مطلب كتابي على ورق عادي يوجه إلى المدير العام للمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة يبين فيه الصنف المراد الانخراط وعينة من الإنتاج المقدم لغرض الانخراط، مدعوما بما يثبت أنه سبق عرضه على العموم بأي طريقة كانت أو تسجيله أو بثه أو نشره أو بيع نسخ منه في السوق أو نسخة من بطاقة التعريف الوطنية بالنسبة للأشخاص الماديين أو رقم التسجيل بالسجل التجاري بالنسبة للذوات المعنوية مع نسخة من بطاقة التعريف الوطنية لممثلها القانوني.وتبت مصالح المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في المطلب بعد أخذ رأي اللجنة الاستشارية المختصة وفي حالة القبول يقوم المرشح بإمضاء عقد الانخراط وإتمام ملفه ويصبح بذلك منخرطا في المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
ب. حقوق وواجبات المنخرط
يتمتع المنخرط بالمؤسسة بجملة من الحقوق (1) كما أنه يلتزم بجملة من الواجبات(2).
حقوق المنخرط
تتمثل حقوق المنخرط في حماية مصالحه المعنوية والمادية طيلة المدة القانونية لحماية حقوق المؤلف عن كل استغلال لمصنفاته المصرح بها لدى المؤسسة والتمتع بالمساعدة والاستشارة القانونية عند إبرام العقود مع المستغلين.وتمثيل المنخرط لإسناد تراخيص في استغلال مصنفاته واستخلاص مستحقاته المتصلة باستغلال مصنفاته المصرح بها للمؤسسة وإيفائه بها والتمتع بخدمات الصندوق الاجتماعي والثقافي.
واجبات المنخرط
تتمثل واجبات المنخرط في التزام المنخرط بأداء مجموعة من الواجبات تجاه المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة خاصة منها إمضاء عقد الانخراط الذي بموجبه يسند المنخرط للمؤسسة في كل بلد وطيلة مدة الانخراط حق ترخيص أو منع العرض العمومي للمصنــف أو استنساخه أو ترجمته أو الاقتباس منه، سواء كان ذلك بالنسبــــة للمصنفات الحاضرة أو المستقبلية، التي تندرج ضمن الأصناف الأدبية والمسرحية والموسيقية والسمعية البصرية وسائر الأصناف المعنية بالحماية ووجوب التصريح بكل مصنف جديد تم إبداعه قبل استغلاله العمومي و ذلك بتعمير بطاقة التصريح،والامتناع عن كل سلوك من شأنه إلحاق الضرر بمصالح المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وعدم الحلول محلها في تسليم الرخص لاستغلال أعمالهم،وإعلام المؤسسة قبل إبرام العقود مع المستغلين،ودفع معلوم الانخراط .
في ظل واقع يتميز بقلة الوعي بأهمية حق المؤلف، تطرح عديد الإشكاليات التي تعترض عمل المؤسسة إجرائيا عند التنفيذ ومدى نجاعتها[11]، فالفقه لم يخفي استياءه من الاضطراب التي تدخله الممارسة الجماعية لحق المؤلف باعتبار أنّ حق المؤلف والحقوق المجاورة تفترض امتيازات فردية ونظام التصرف الجماعي من شأنه الحد من هذه الامتيازات[12] وضمان حسن القيام بدورها في المستقبل[13]ما يدفعنا لدراسة كيفية حماية المشرع التونسي لحق المؤلف من مختلف الاعتداءات التي قد تطاله.