من يوقف معاناة ساكني العمارات ؟ – مهدي بن خليفة
إدارة الأجزاء المشتركة في البناءات العمودية – من يوقف معاناة ساكني العمارات ؟ – مهدي بن خليفة
مجاز في القانون ودارس بماجستير بحث في القانون الخاص – كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس – جامعة تونس المنار – mehdibenkhelifa@yahoo.com
ملخص :
” أصبح البناء العمودي شكلا طاغيا في المعمار الحديث لما يوفره من إيجابيات خاصة في ظل تناقص الأراضي الصالحة للبناء وارتفاع ثمنها وزحف المناطق العمرانية على حساب الأراضي الصالحة للزراعة والمناطق الخضراء والغابات ، هذا بالإضافة إلى تدني تكلفة هذا النوع مقارنة بالبناء الأفقي[1] إذ يقدر العدد الجملي للبنايات العمودية سنة 2017 بـ 4365 حسب آخر الإحصائيات لوزارة التجهيز و الإسكان و التهيئة الترابية [2] لــــــــــذا كان لا بد من ايجاد صيغ منظمة لهذا المشهد الجديد بهدف المحافظة على الأجزاء المشتركة بالمركبات العقارية والعمارات وتعميق وترسيخ لثقافة التعدد والعمل الجماعــــي .
في هذا المقال نحاول تسليط الضوء على كيفية إدارة الأجزاء المشتركة في البناءات العمودية و حجم الصعوبات ، الإشكاليات و المعاناة اليومية التي تعترض المتساكنين . “
مع تزايد الرصيد العقاري للبلاد التونسية وأمام التوجه نحو البناء العمودي والملكيات المشتركة،كان لا بد من التعاطيالايجابي مع هذا النمط الجديد من الحياة الذي أدخل تغييرا جذريا على المشهد البيئي والصحي للمدن[3]ولكن لا تعتبر البناءات العمودية من المفاهيم الجديدة إذ عرفت تونس هذا الشكل من البناء منذ العصر البربري قبل أن يتدعم أكثر فأكثر في نهاية القرن 19 ، من جانبه و نظرا لأهمية المسألة فقد تدخل المشرع التونسي في عدة مناسبات لتنظيم البناءات العمودية بشكل عام وقد مر هذا التدخل التشريعي بثـــلاث مراحل أساسية :
المرحلة الأولىكانت مع انتصاب الحماية بالبلاد التونسية إذ بمجرد صدور المجلة العقارية[4] سنة1885 سعي المشرع لتنظيم العمارات و خاصة بالفصل 173 منه الذي اهتم بتحديد الواجبات المحمولة على كاهل جميع المالكين للشقق .
المرحلة الثانية جاءت مباشرة بعد الاستقلال و تحديدا سنة 1957 و ذلك بعد صدور الأمر العلي المؤرخ في 19 فيفري 1957 والمتعلق بتنظيم القانون الأساسي المتعلق بالملكية المشتركة للعمارات المنقسمة إلى طوابقو الذي ينطبق على العقارات المسجلة.
أمــــاالمرحلة الثالثةفبرزت بصدور مجلة الحقوق العينية بمقتضى القانون عــــدد 5 لسنة 1965 المؤرخ في 12 فيفري 1965 والذي ألغى المجلة العقارية الصادرة سنة 1885 وكذلك أمر 1957 ،و في هذه المجلة القانونية خصص المشرع الباب الثالث الوارد تحت عنوان ” ملكيات الطبقات ” و المضمنة للفصول من 85 إلى 102 لتقنين مسألة تسير و إدارة الأجزاء المشتركة في البناءات العمودية و قد شهدت هذه الفصول تنقيحات متتالية في السنوات الاخيرة وذلك قصد مزيد تنظيم الملكية المشتركة وتحديد حقوق وواجبات مالكي ومتساكني العمارات .
ولكن ماهو الدافع الحقيقي الذي جعل المشرع التونسي يتدخل في أكثر من مناسبة و بصفة متتالية لتنقيح الفصول المتعلقة بملكية الطبقات ؟ و هل نجح فعلا في حلحلة الأوضاع المتردية لبعض العمارات ؟
لاحظنا في الآونة الأخيرة ، مع تعدد و الانتشار البناءات العمودية في المدن الكبرى خاصة ، أن الأجزاء المشتركة[5]لا تتلقى أي صيانة أو تعهد لعدة سنوات مما يؤدي إلى إنهيار بعضها مع ما يشكله ذلك من مخاطر على المتساكنين والمارة، هذا بالإضافة إلى الآثار الجمالية والبيئية لقلة الصيانة والتعهد[6]زيادة على تفاقم ديون بعض البناءات العمودية لصالح شركة الكهرباء و الغاز و شركة استغلال و توزيع المياه ، كل هذه الأسباب و غيرها جعل المشرع يقر بصعوبة الوضع و الحاجة الملحة للتدخل التشريعي العاجل و الناجع لوضع حد نهائي للتسيب التي تعيشه بعض البناءات العمودية .
و أول تدخل فعلي كان ، مثلما وقع الإشارة سلفا ، مع تنقيح عدة فصول قانونية بمجلة الحقوق العينية بمقتضي القانون عــدد 68 لسنة 1997 و المؤرخ في 27 أكتوبر 1997 والذي أدخل تحويرا على الهياكل المكلفة بتسيير ملكية الطبقات بتعويض إتحاد المالكين بنقابة المالكين من جهة وإحداث مؤسسة النقيب العقاري المحترف من جهة أخرى .
لم يظهر مصطلح ” نقابة المالكين ” لأول مرة مع تنقيح مجلة الحقوق العينية بل سبق للمشرع أن استعمل نفس المصطلح عند صياغة مجلة التهيئة الترابية و التعمير[7] ، إذ وقع تخصيص الباب الثالث الوارد تحت عنوان ” في نقابات المالكين ” للتطرق أساسا لكيفية تكوين و تسيير نقابة المالكين ويبدو أن هذا الخيار قد وجد استحسانا من المشرع فعمد إلى تنقيح مجلة الحقوق العينية في 1997 لتنظيم إحداث وتسيير نقابة المالكين بملكية الطبقات وتحديد واجباتها وسلطتها.
و لكن ما يفسر أيضا حرص مشرعنا على مزيد تدقيق بعض المفاهيم المتعلقة بكيفية إدارة الأملاك المشتركة و تنقيح الفصول المتعلقة خاصة بخطة النقيب العقاري المحترف يــأتي أساسا بعد تفشي ظاهرة سلبية لدى أغلب متساكني البناءات العمودية متمثلة في غياب الوعى و الإرادة الحقيقية و الفعلية للاعتناء بالأجزاء المشتركة من خلال انتخاب هيكل يشرف على تسيير و تنظيم المساحات المشتركةأو على الأقل اسناد المسؤولية إلى نقيب عقاري محترف بعد أن صدر بتاريخ الثالث من شهر فيفري من سنة 2006 القرار المتعلق بالمصادقة على كراس الشروط الخاص بممارسة نشاط النقيب العقاري المحترف.
وتعتبر مؤسسة النقيب العقاري المحترف حديثة إذ وقع إضافتها بموجب القانون عدد 78 لسنة 2005 المؤرخ في 4 أوت 2005 وقد جاء بشرح أسباب هذا القانون أنه يجب “سنّ التشاريع المناسبة لمزيد أخذ هذا الصنف من البنايات بالعناية والصيانة والتصدّي لشتّى مظاهر الإهمال التي يمكن أن تنال منها وتجعلها قاصرة عن أداء وظيفتها” إذ أنه بالرغم من وجود إطار تشريعي متكامل للغرض يساعد على المحافظة على المظهر الجمالي للعمارات ويكفل تأمين صيانتها وحمايتها فإن نظام التصرف في ملكية الطبقات ما يزال يشكو عديد الصعوبات على مستوى التطبيق[8]أي أنعملية تنصيب النقيب العقاري المحترف لا تخلو من صعوبات و ذلك يرجع خاصة الي أن تغيير عقليات المالكين أمر صعب ويتطلب الكثير من الجهد والوقت[9]، كما أن بعض الإقامات السكنية قد قامت بانتخاب و تنصيب نقابات سكنية أقل ما يقال عنها أنها نقابات صورية بالنظر الى أن هذه الأخيرة مخلة بدورها المحمول عليها و متملصة تماما من مهامها ووصل الأمر بالبعض منها الىحد التلاعب بالموارد المالية المتأتية من الإقامة و المتمثلة أساسا في المعاليم الشهرية التي يدفعها المتساكنين .
وهذا ما يفسر اليوم للأسف الشديد حالة أغلب العمارات في تونس من خراب و دمار كيف لا و قد أصبحتهذه البناءات مهددة بالسقوط نتيجة غياب الصيانة الازمة، كما أصبحت الأجزاء المشتركة من حدائق و ممرات مشتركةمكانا تلقي فيها الزبالة و الفضلات المنزلية بالإضافة إلى تعمد البعض الاستحواذ على بعض المساحات المشتركة دون حسيب و لا رقيب و هذا راجع أساسا لغياب روح المسؤولية لدي أغلب القاطنين بهذه العمارات.
و أمام حالة الفوضى و الفراغ وغياب الرقابة استغل بعض المنحرفين هذه الأماكنلتصبح وكرا لتعاطي الرذائل كاستهلاك المواد الكحولية و المواد المخدرة و غيرها و هو ما يشكل تهديدا حقيقيا و خطير للأملاك العامة و الخاصة .
و قد تواصل هذا الإشكال حتي بعد تنظيم أول انتخابات بلدية في 06 ماي 2018 اذ لازلت هذه الهياكل المحلية و بالرغم من مرور أكثر من سنتين على انتخابها عاجزة تماما على إيجاد حلول جذرية لهذا الموضوع الحساس و الهام الذي يتفاقم يوما بعد يوم بالرغم من أن هذه المسالة تدخل في صميم صلاحياتها و خول لها المشرع عبر عدة قوانين و خاصة مجلة” الجماعات المحلية ” الصادرة بمقتضي القانون الأساسي عـــدد 29 لسنة 2018 و المؤرخ في 09 مــــاي 2018 بإمكانية التدخل للتنبيه على المتساكنين في مرحلة أولى بضرورة إرساء هيئة منتخبة لإدارة الأملاك المشتركة ثم في صورة فشل انتخاب هيئة ،يمكن في مرحلة ثانية لرئيس البلدية أن يتدخل لتنصيب أحدهم أو تعيين نقيب عقاري محترف يشرف على الاعتناء بالمساحات المشتركة مع إلزام المتساكنين بدفع مساهماتهم الشهرية و ذلك للرقي بهذه العمارات و ضمان بيئة سليمة للجميع .
صورة توضيحية
[1]ماجدة الحفصي، ملكية الطبقات ، محاضرة ختم تمرين ، الهيئــة الوطنيــة للـمحــــاميـــنالـفرع الـجهوي بـتونس ، السنة القضائية 2010 – 2011
[2] مرصد السكن والعقار ، إحصائيات البناء العمودي سنة 2017 ، وثيقة منشورة بالموقع الرسمي لوزارة التجهيز و الإسكان و التهيئة الترابية http://www.mehat.gov.tn/
[3]سفيان رجب ، القانون يفرضها والسكان يتجاهلونها ..خطة النقيب العقاري المحترف بالمركبات العقارية والعمارات ، مقال صحفي نشر بجريدة الصباح يوم 22 ماي 2009 .
[4]تم سنة 1884 إحداث لجنة من رجال قانون تونسيين وفرنسيين كلفت بإعداد تشريع موحد للأملاك غير المنقولة, واعتمدت اللجنة في أعمالها بالأساس على القانون العقاري المعمول به في أستراليا آنذاك والمعروف بقانون “تورانس”.
[5] عرف المشرع التونسي الأجزاء المشتركة بالفصل 85 – فقرة 2 من مجلة الحقوق العينية ” … تعتبر مشتركة أجزاء المبانـي وكذلك الأراضي والمساحات والفضاءات والممرات والمعابر والتجهيزات والقنوات وبيوت الحراسة والمصاعد والمدارج والسطوح والصحون وغيرها من الأجزاء والعناصر المخصصة لاستعمال أو لمنفعة كافة الشركاء أو بعضهم ما لم ينصّ على خلاف ذلك بسند التملك.”
[6]ماجدة الحفصي، مرجع سابق ص 26
[7] صدرت مجلة التهيئة الترابية و التعمير بمقتضي القانون عدد 122 لسنة 1994 المؤرخ في 28 نوفمبر 1994
[8]ماجدة الحفصي ، مرجع سابق ص 34
[9]سعيدة بوهلال ،تركيز نشاط النقيب العقاري بالعمارات… عملية لا تخلو من صعوبات ، مقال صحفي صادر بجريدة الصباح بتاريخ 04 سبتمبر 2008