استأثرت ظاهرة العنف ضد المرأة خلال السنوات الأخيرة بإهتمام متزايد من رجال القانون و المدافعون على القضية النسوية فمما لا شك فيه ان المرأة مرهقة من العنف المسلط عليها وهذا ماجعل الاهتمام بهذا الموضوع أمر حتمي بكونه أصبح ظاهرة متكررة وملفتة للانتباه،فالمشرع التونسي كان سباقا في هذا المجال عبر حقبة زمنية بداية من مصادقته على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1985ثم البروتوكول الاختياري للاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 2008،مرورا بدستور2014 وصولا إلى القانون عدد 58لسنة 2017المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة،وقد جاء هذا القانون بالآليات والوسائل الكفيلة التي تتخذها الدول لضمان حماية حقوق المرأة.
وأهم هذه الآليات “مطلب الحماية” الوارد في القسم الثاني من القانون 58 من الفصل 30إلى 38وهو آلية على مستوى التقاضي وعليه فالنقاش المطروح حول جدوى وفاعلية هذا المطلب .فعلى المستوى التطبيقي صدر أول قرار حماية في الجمهورية التونسية لفائدة إمرأة ليبية الجنسية عن قاضي الاسرة بالمحكمة الابتدائية بقفصة في القضية عدد 146بتاريخ 29مارس 2018.وعليه تساءلنا على النظام القانوني لمطلب الحمايةفالمتمعن في القسم الثاني من القانون 58 يلاحظ ان مطلب الحماية شأنه شأن عدة مؤسسات قانونية يخضع إلى نظام قانوني.
1_شروط مطلب الحماية على المستوى الهيكلي :
لقد نص الفصل 30من القانون 58 فيما معناه ان قاضي الأسرة هو من يتعهد بالنظر في مطلب الحماية وهو مايؤكد أن القاضي المختص هو قاضي الأسرة ويعتبر ذلك حسب مرجع نظره الترابي وعين مرجع نظر المحكمة الابتدائية التي بدائرتها-مقر المطلوب حسب الفصل30 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية-مقر الضحيةمقر طفل الضحية /مقر أبويه أو مقدمهكما أنه واستنادا إلى الفصل 30 المذكور سالفا فإن قاضي الاسرة يتعهد بالنظر في مطلب الحماية بناء على طلب كتابي صادر عن الضحية أووكيلها أو النيابة عمومية ويمكن هنا في حالة الحديث عن الضحية” طفل “الرجوع إلى احكام مجلة حماية الطفل في فصلها 51 في القسم الأول من الباب الثاني .”كما يمكن لقاضي الاسرة ان يتعهد من تلقاء نفسه بالنظر في اسناد الحماية.” ويمكن لقاضي الأسرة الحكم وفق اجراءات القضاء الاستعجالي والقرارات المحكوم بها في اطار مطلب الحماية تقبل الطعن بالاستئناف ولاتقبل الطعن بالتعقيب (الفصل 35 من القانون الاساسي عدد58) كما أن حضور المحامي غير وجوبي.وتبقى المطة الأولى من الفقرة الأولى من الفصل 30من القانون الاساسي عدد 58 طلقة فالقانون في هذا السياق لم يحدد من هو الوكيل وهو مافتح باب أمام النشطاء في المجتمع المدني أو المرافقات والأشخاص في مراكز الايواء وخلايا الانصات والعاملون في مجال الدفاع عن حماية ضحايا العنف من تقديم مطلب كتابي لفائدة الضحية وبالتالي فإن الهياكل المعنية في مطلب الحماية وردت في الفصل 30 على سبيل الذكر لا الحصر .
2-شكليات طلب الحماية:
بالنسبة لشكليات هذا الطلب فيمكن كتابته قياسا على شكليات العرائض ويمكن هنا الرجوع الى الشكليات الواردة بالفصل 43 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية كذلك الفصل 203 من نفس المجلة في إطار القضاء المستعجل .اضافة الى الشكل العام يمكن شرح نوع العنف الذي تعرضت له الضحية إضافة إلى شرح لأسباب المطلب والتدابير المطلوب اتخاذها ومدتها وعند الاقتضاء تحديد معين النفقة(الفصل 31)وعادة ما تطلب الضحية لا الحماية فقط بل كذلك أحد فروعها خاصة نفقتها،نفقة الأبناء،الحضانة،المسكن،منحة سكن..وهذا كله في أطار مدة الحماية المحكوم بها لفائدة الضحية .والقيام بهذا المطلب لا يمنع الضحية من القيام بقضايا أخرى أمام القضاء الجزائي أو المدني .وعادة مايكون هذا المطلب مصحوبا بوثائق ومؤيدات كمضمون الزواج أو نسخة من عقد الزواج ،مضامين ولادة الأبناء في الكفالة،شهادة او وصل خلاص أجر الزوج ،نسخ من بطاقة التعريف الوطنية نسخة من عقد كراء…وكل وثيقة يمكن ان تفيد في المطلب .بعد تقديم المطلب يقع النظر فيه من طرف قاضي الاسرة الذي يقوم بالتحرير على الاطراف والاستماع لكل من يرى فائدة في سماعه ويمكنه الاستعانة في أعماله بأعوان المصالح العمومية للعمل الاجتماعي(الفقرة الثانية من الفصل32 من القانون عدد58).
3-أثار مطلب الحماية
هي التدابير التي يتخذها قاضي الأسرة بناء على الفصل 33من القانون عدد 58و هي كالآتي :
“منع المطلوب من الاتصال بالضحية أو الاطفال المقيمين معها في المسكن العائلي أو في مكان العمل أو في مكان الدراسة اوفي مراكز الايواء أو أي مكان يمكن أن يتواجدوا فيه
*إلزام المطلوب بالخروج من المسكن العائلي في حالات الخطر الملم بالضحية أو بأطفالها المقيمين معها مع تمكين المطلوب من تسلم أغراضه الشخصية بموجب محضر يحرر في الغرض من طرف عدل تنفيذ على نفقته.
*إلزام المطلوب بعدم الاضرار بالممتلكات الخاصة بالضحية أو الأطفال المشمولين بقرار الحماية أو الأموال المشتركة أو التصرف فيها.
*تحديد سكنى الضحية والأطفال المقيمين معها وعند الاقتضاء إلزام المطلوب بأداء منحة السكن مالم يسبق تعهد المحكمة المختصة بالنظر أو صدور حكم في الغرض.
*تمكين الضحية عند مغادرة المسكن العائلي شخصيا أو من تفوضه من استلام أغراضها الشخصية وكل مستلزمات الأطفال المقيمين معها بموجب محضر يحرر في الغرض من طرف عدل تنفيذ على نفقة المطلوب.
*إسقاط الحضانة أو الولاية عن المطلوب وتحديد إجراءات الزيارة مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل
*تقدير نفقة الزوجة ضحية العنف والأطفال وعند الاقتضاء مساهمة كل من الزوجين فيها مالم يسبق تعهد المحكمة المختصة بالنظر في النفقة أوصدور حكم فيها.”
كما حدد الفصل 34 من نفس القانون مدة التدبير اذ أنه لا يتجاوز 6اشهرفي كل الحالات قابلة للتمديد مرة واحدة لنفس المدة.تكون هذه القرارات نافذة على المسودة ،واستئنافها لايوقف تنفيذها هذا ماذا جاء به الفصل 209 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية صراحة..
-4تنفيذ قرار الحماية
مثل الكثير من القرارات فإن قرار الحماية يخضع لإجراءات فقد حدد الفصل 36 من القانون عدد 58الجهة التي عهدت لها مهمة تنفيذ قرارات الحماية وقرارات التمديد فيها وهي النيابة العمومية.لكن مالا يخفى علينا بقية الاجراءات متبعة والتي لم تأتي صريحة في هذا القانون الا وهي اعلام المحكوم ضده بواسطة عدل منفذ بالحكم الذي صدر ضده أمام قاضي الاسرة وذلك استنادا إلى الفصل 5 مجلة مرافعات مدنية وتجارية .ويمكن في هذه الحالة الاستناد على الفصل 13من القانون نفسه الذي ينص على وجوبية الاعانة العدلية كما يمكن الاستناد في اجراءاتها على القانون عدد 52لسنة 2002 المؤرخ في3جوان 2002 المتعلق بمنح الاعانة العدلية.وبخلاصة القول فمطلب الحماية يخضع إلى نظام قانوني وهو مكسب في القانون التونسي إلا أنه لا يخلو من بعض النقائص مثل أن مطلب الحماية يمكن الحكم فيه وفق الاجراءات المقررة لدى حاكم الناحية في القضاء المستعجل غير ان المشرع في اطار القانون عدد58 أسنده الى قاضي الاسرة وهذا من شأنه أن يمس من حقوق بعض الضحايا خاصة ان الظروف الاجتماعية تختلف وأن عدد كبير من الضحايا يكونون في معتمديات وأرياف بعيدة كل البعد عن مقر المحكمة الابتدائيةالسؤال المطروح هنا لماذا لم يسعى المشرع الى تنقيح الفصل 39من مجلة المرافعات المدنية والتجارية بإضافة سادسا الى الفقرة الثانية؟
كما تجدر الاشارة في اطار قضايا الطلاق للضرر أنه في حالة العنف المعنوي الذي يصعب كثيرا إثباته فإنه إذا ماصدر قرار حماية فيمكن للضحية الاستناد الى ذلك القرار لاثبات الضرر.