محكمة منوبة : حكم مدني : اعادة تكييف طبيعة الحساب البنكي من حساب ايداع الى حساب جاري وفق العلاقة التعاقدية الحقيقية
حكم نوعي
صدر عن الدائرة المدنية الأولى بمحكمة منوبة (برئاسة وكيل الرئيس القاضية الفاضلة Anissa Trichili Jbebli وتلخيص القاضية الفاضلة ريمة بن معتوق) حكم يمكن وصفه بالنوعي بخصوص اعادة تكييف طبيعة الحساب البنكي من حساب ايداع الى حساب جاري وفق العلاقة التعاقدية الحقيقية . حكم ثري بالقرارات التعقيبية التونسية والفرنسية و منشور البنك المركزي و القوانين الخاصة و اتفاقية بازل .
سندات قانونية للقاضية المتميزة ريمة بن معتوق:
حيث كانت الدعوى تهدف الى القضاء بإلْزام المدعى عليه أنْ يؤدي للمدعية فِي شخْص ممثّلها القانونيّ المبالغ التالية:
7- مبلغ سبْعة آلاف وثمانُمائة وإثْنيْ عشر دِينارا ومن الملِّيمــ144ــات (7812,144د) لقاء فاضِل حِساب إيداع.
8- الفوائض القانونية الجارية على أصل الدين طبق الفصْل 1100 من مجلّة الإلْتِزامات والعُقُود،
9- فوائِض التأْخِير بِداية من اليوْم المُوالِي للقفْل إلى تمام الوفاء.
10- 64,960 دِينارا لقاء محْضر تنْبِيه بِتسْوِية وضْعِيّة.
11- أُجْرة رقِيم إسْتِدْعاء قضِيّة الحال.
12- ألْف دينار لقاء أتْعاب تقاضي وأُجرة محاماة.
مع الإذْن بالنّفاذ العاجِل طبْقا لأحْكام الفصْل 125 من مجلّة المُرافعات المدنِيّة والتّجارِيّة.
وحيث يتضح من خلال وثيقة طلب فتح حساب وهي العقد الرابط بين المطلوب والدائنة الأصلية أنّ الحساب المفتوح هو حساب ايداع ،
وحيْثُ لم يحضر المطْلُوب وكان بلغه الإسْتِدْعاء طبق القانون وإتّجه النّظر فِي أوْراق الملفّ طبق الأوْراق المظْرُوفة فِيه طبق أحْكام الفصْل 79 من مجلّة المُرافعات المدنِيّة والتّجارِيّة.
في طبِيعة العلاقة التّعاقُدِيّة بيْن طرفيْ التّداعِي:
وحيث نص الفصل 670 من المجلّة التّجارِيّة على ان حساب الإيداع هو العقد الذي يقتضي إيداع مبالغ مالية نقدية يصبح البنك بموجبه مالكا لها وملزما بردها خصوصا لمباشرة دفع ما يتلقاه عن المودع من الاوامر المتضمنة للتصرف بقدر ماله من النقود المودعة سواء مقابل شيكات أو أذون بالتحويل او بإحدى الكيفيات الأخرى.
وحيْث أنّ عقْد الإيداع يقْضِي بإيداع النقود ولا يقْتضِي حقّ التصرّف فِيما جاوز مِقْدار الودِيعة على المكْشُوف لكن إذا سمح البنْكُ بعملِيّة واحِدة أو أكْثر ترتّب عن ذلك بقاءُ شيْء من الحِساب فِي ذمّة المُودِع فيجِبُ على البنْكِ إخْطارهُ بِذلك حتّى يكُون مُلْزما بِتسْوِية حالتِه بِدُون تريّث حسب مُقْتضيات الفصْل 672 من المجلّة التّجارِيّة،
و حيث يتضح من ملف قضية الحال أن المطلوب تولى فتح حساب إيداع لدى المدعية تحت عدد.. بتاريخ 04/08/2010 وفق ما يثبته طلب فتح الحساب المظروف في ملف قضية الحال.
وحيْث لا جدال أنّ العقْد شرِيعة الطّرفيْن لا ينقض إلاّ بِرِضائِهما على معْنى الفصْل 242 من مجلّة الإلْتِزامات والعُقُود صراحة أو ضمْنِيّا.
وحيْث ينُصُّ الفصل 728 من المجلة التجارية “يتكون حساب جار كلما اتفق شخصان بينهما معاملة مسترسلة على أن يدخلا في حساب بطريق دفعات القبض التي يقدمها كل منهما للآخر بما لا تكون معه قابلة للتفكيك الديون المترتبة لكليهما والمتولدة عن عمليات يجريانها مع بعضهما على أن يعتمدا عوضا عن تخصيص كل عملية يجريانها بتسوية على انفراد تتكرر بتكرر التعامل بينهما تسوية نهائية واحدة تكون منوطة بفاضل الحساب عند قفله…..”
وحيْث يُسْتخْلص ممّا سبق بسْطُهُ أنّ من أهمّ خُصُوصِيّات حِساب الإيداع هو وُجُوبُ تخْصِيص كُلّ عملِيّة بِتسْوِية على إنْفِراد تتكرّرُ بِتكرُّرِ التّعامُل بيْن الطّرفيْن خِلافا لعقْدِ الحِساب الجارِي الذي يقْتضِي عدم قابِليّة تفْكِيك الدُّيُون وبالتّالِي عدم تخْصِيص كُلّ عملِيّة يُجْرِيانها بِتسْوِية على إنْفِراد تتكرّرُ بِتكرّر التّعامُل بيْنهما وإنّما إعْمال تسْوِية نِهائِيّة واحِدة تكُون منوطة بِفاضِل الحساب عنْد قفْلِه.
وحيْث أنّهُ ولو كان مُنْطلق العلاقة التّعاقُدِيّة بيْن طرفيْ التّداعِي إبْرام عقْد إيداع إلاّ أنّ طبِيعة التّعامُل على الحِساب من كلا الطّرفيْن تغيّرت من حيْث طبِيعتها وإجْراءاتها لتُصْبِح تتماهى مع خُصُوصِيّات الحِساب الجارِي تمثّلت أساسا فِي سماحِ المُؤسّسة المالِيّة بِتجاوُزِ مِقْدار الودِيعة دُون أنْ تُعْلِمَ المُودِع بذلك فِي كُلّ عملِيّة حتّى يكُون مُلْزِما بِتسْوِية حالتِه دُون تريّث رغْم تكرّر عملِيّات تجاوُز الودِيعة وقِيام الحرِيف من جِهته فِي مُواصلة عملِيّات السّحْب والتّنْزِيل والدُفوعات لمدد زمنِيّة هامّة على المكْشُوف فِي تجاوز لقِيمة الودِيعة التي إضْمحلّت أصْلا.
وحيْث فِي نفْس هذا السّياق جاء بالقرار التّعْقِيبيّ عدد 77381 المُؤرّخ فِي 27 جانْفِي 2014:” وحيْثُ وُفِّقَتْ محْكمة الحكم المطْعُون فِيه لما إعْتبرتْ أنّ الطّرفيْن تراضيا على تحْوِيل طبِيعة الحساب البنْكِيّ من حِساب إيداع إلى حِساب جار طالما أنّ طبِيعة حِساب الإيداع تقْتضِي حسب صرِيح أحْكام الفصْل 672 من المجلّة التّجارِيّة أن لا يقع التصرّف فِيما جاوز مِقْدار الودِيعة على المكْشُوف ولا يُسْمحُ بعكْس ذلك إلاّ بِصُور إسْتِثْنائِيّة “إذا سمح البنكُ بعملِيّة أو أكْثر” وحتى فِي تلْك الصُّورة وإذا ما ترتّب عن ذلك شيْء من الحِساب فِي ذمّة المُودع فيجِب على البنْك إخْطارُهُ بذلك حتّى يكُون مُلمّا بِتسْوِية حالتِهِ بِدُون تريّث” …… إلاّ أنّ الأمْر يقْتضِي فِي تلْك الحالة وعلى خِلاف التّعامُل بالحِساب الجارِي أن تتعدّد الإخْطارات بالتّسْوِية على قدْر تعدّد حالات المدْيُونِيّة …. وإنّما إتّسمت المُعاملات موْضُوع تقْييدات الحِساب بالتّداخُل والتّشابُك حتّى نِهاية التّعامُل بيْن الطّرفيْن …”
وحيْث تواترت القرارات التّعْقِيبيّة فِي هذا الإطار فِي نفْس هذا الإتّجاه على غرار القرار التّعْقِيبيّ عدد 31225/ 31060 المُؤرّخ فِي 16 فِيفرِي 2016 والذي مفادُهُ أنّ طبيعة التّعامل على الحِساب جعل من ذلك الحِساب “يفْقِد طبِيعته كحِساب جار زمن عملِيّة السّحْب وتحوّل إلى حِساب إيداع …” وهو ما ذهب إليْه فقْه القضاء الفرنْسِيّ من إمْكانِيّة تغْيير طبِيعة الحِساب ضمْنِيّا حسب طبِيعة المُعاملات،
فِي تحْدِيد تارِيخ قفْل الحِساب:
وحيْث طالما وقع إعْتِبار الحِساب من قبيل الحِساب الجارِي فإنّهُ يتّجِه إعْتِبار الغِياب الفعْلِيّ لعملِيّات دُفُوع أو تنزيل أو غيْرها من الحرِيف تقُوم قرِينة على إنْهاء علاقة المُعاملات ويكون بذلك العقْد قد فقد موْضُوعهُ لا سيّما مع طُول المُدّة التي إمْتدّت إلى سنوات والتي يُسْتنْتجُ منها عدم توقّع حُصُول عملِيّات بالمُسْتقْبل بما يجْعله حِسابا مجمّدا وهي من الأُمُور الموْضُوعِيّة الموْكُولة لإجتِهاد قضاة الأصْل على معنى القرار المدنِيّ التّعْقِيبيّ عدد 2011. 69332 المُؤرّخ في 24 أفْرِيل 2013. والقرار عدد 22870 بتاريخ 12 فيفري 2009.
وحيث استقر فقه قضاء محكمة التعقيب على اعتماد نظرية القفل الضمني للحساب الجاري في عديد القرارات الأُخرى على غرار القرار التعقيبي المدني عدد 31464 الصادر بتاريخ 05/04/2016 وذلك كُلّما خلتْ الكُشُوفات البنكيّةُ منْ عمليّات القبْض والدفع عدى تقييد الفوائض في مخالفة للفصل 728 من المجلة التجارية باعتبار ان الحساب قد أضحى مجمّدا وجاء فِي حيْثِيّاتها:”… كما يُمْكِن أنْ يتِمّ قفْل الحِساب الجارِي بِصفة ضمْنِيّة وذلك عنْدما يفْقِدُ الحِسابُ الجارِي شُرُوط قِيامِه وذلك بإنْعِدام تسْجِيل عملِيّات القبْض والدّفْع المُتشابِكة…”
وحيث ولئن ترك المشرع بيد البنك مساحة من الحرية تخوله قفل الحساب الجاري غير محدد المدة في كل وقت مع مراعاة التنبيه بقفله، فان عليه التقيد بالآجال التي يقتضيها العرف والتي يجب بأيّ حال أن تكون معقولة وغير متّسعة بما من شأنِه أنْ يُشكِّل مضرّة للحريف وذلك باعتبار أن من الواجبات المحمولة على عاتق البنوك احترام قواعد الحيطة والتصرف الحذر حرصا على مصلحتها ومصلحة حرفائها وحفاظا على الادّخار القومي الذي هو في حوزتها.
وحيْث فِي نفْس هذا السِّياق فإنّهُ يسْتبان بالرّجُوع إلى إتفاقيّات بازل ومُقرّراتها ومُقْتضيات الفصْل 1103 من مجلّة الإلْتِزامات والعُقُود وقانون عدد 64 المُؤرّخ فِي 15 جوِيلية 1999 المُتعلِّق بنسْبة الفائِدة المُشطّة والقانون عدد 65 لِسنة 2001 المُؤرّخ فِي 10/07/2001 المُتعلِّق بمُؤسّسات القرْض وغيْرها من القوانِين على غرار القانون عدد 48 لِسنة 2016 المُؤرّخ فِي 11/07/2016 المُتعلّق بالبنوك والمُؤسّسات المالِيّة والقانون عدد 35 لِسنة 2016 المُؤرّخ فِي 25 أفْرِيل 2016 المُتعلّق بضبْط النّظام الأساسِيّ للبنْك المرْكزِيّ وإلى مناشِير البنْك المرْكزِيّ أنّهُ يُحْملُ على المُؤسّسة المالِيّة التي مُكِّنت من إمْتِياز حصْرِيّ فِي “ممارسة تجارة النُّقُود” عدّة واجبات بإعْتِبارها مسْؤُولة عن حُسْن التصرّف حتّى لا تلْحق ضررا بالمُشارِكين فِي الحياة الإقْتِصادِيّة من ذلك أساسا واجِب النّزاهة والإعْلام والنُصْح والإرْشاد وإتّباع قواعِد التصرّف الحذر ومبْدإ المُلائمة المالِيّة وهو ما أقرّته محْكمة التّعْقِيب فِي عدّة قرارات على غرار القرار التّعْقِيبيّ عدد 1607 المُؤرّخ فِي 20 جوان 1994 والقرار التّعْقِيبيّ عدد 41840 المُؤرّخ فِي 13/06/2017 والذي جاء فِيه “إنّ إنْعِدام تشابك الدّفُوعات يُؤشِّر إلى وُجُود صُعُوبات مادِيّة يمرُّ بِها الحرِيف وهو ما يُوجِب على البنْك كمِهنيّ ومُحْترف المُبادرة بِغلْق الحِساب الجارِي حِفاظا على مصْلحتِه…”
وحيث أنّ القفل الضمني للحساب الجاري إنّما هو مسألة موضوعية تتفحص فيها المحكمة المعطيات المتوفرة بملف القضية والمؤيدات المقدمة لتتبين قفل الحساب من عدمه وتحدد الزمن الذي انتهى فيه بثبوت غِيابِ عملِيّات لدفْع وقبْض متبادلة ومتشابكة ومسترسلة بين الطرفين وانعدام احتمال حصولها لاحقا.
وحيث اقتضى الفصل 11 من منشور البنك المركزي عدد 24-91 المؤرخ في 17 ديسمبر 1991 أن “الديون المسجلة التي تمضي عليها مدة تسعون يوما تجعل الحساب المدرج به مجمدا ثم يتدرج خطر استخلاصها ويتنامى الشك في استرجاعها كلما تقدمت المدة فاذا بلغ الأجل 360 يوما وضعت تلك الديون في أعلى درجة المخاطر وهي الدرجة الرابع.”
وحيث تطبيقا لما سبق وموازنة بين مصلحة البنك والحريف في آن واحد بإعْتِماد العُرْف فِي مثْل المُعاملات البنْكِيّة المُشابِهة بالإسْتِئْناس بمنْشُور البنْك المرْكزِيّ يمكن تحْدِيد أجل القفل الضمني بمرور سنة من آخِر عملية مسترسلة بين الطرفين.
وحيث يتحصْحصُ ممّا سبق بسْطُهُ وبالرجوع الى كشوفات الحساب المقدمة من المدعية أنّ حِساب المطلوب كان مدينا بمبلغ خمْسة آلاف وثلاثُمائة وسبْعُون دِينارا ومن الملِّيمـ115ـات (5370,115د) وذلك فِي 26/04/2013 حيْث سُجِّلت آخِرُ عملِيّة إيداع إيجابِيّة تمثّلت فِي تحْوِيل بنْكِيّ بمبْلغ 3000 دِينار ويتّجِه إحْتِساب سنة منذ تلْك العملِيّة لإعْتِبار الحِساب مُجمّدا بِتارِيخ 30/04/2014 وإعْتِبار المطْلُوب مدِينا بمقْدار خمْسة آلاف وتِسْعُمائة وثلاثة وثمانُون دِينارا ومن الملِّيمـ820ـات (5983,820د).
وحيْث يتّجِه الرّفْض فِيما زاد من جُمْلة الخطايا والفوائِض التي بقِيت المُؤسّسة المالِيّة تُوظّفها على الحِساب المجمد بِصفة أُحادِيّة دُون وُجود عملِيّات متشابِكة بما أثْقل معه كاهل الحرِيف دُون أن يكون قد وقع تنْبِيهه على مدّة سنتيْن.
وحيْث طالما لم يُدْل المطْلُوب للمحْكمة ما يفيد براءة ذمته المالية من المبلغ المطلوب رغْم بُلُوغ الإسْتِدْعاء إليْه طبْق القانون بما يتّجِه معه إلْزامه أنْ يُؤدِّي مبْلغ خمْسة آلاف وتِسْعُمائة وثلاثة وثمانُون دِينارا ومن الملِّيمـ820ـات (5983,820د)