- في سابقة فريدة مواطنون يقاضون الدولة على أساس جريمة إنكار العدالة بسبب المماطلة في النظر في النزاعات.
الوقت من أثمن و أغلى ما يملك الإنسان. فلا يمكن لكل مال العالم ولا حتى الذهب تعويض أو اعادة الوقت الضائع رغم أنه قيل قديما أن “الوقت من ذهب” !
ذلك أن الوقت يؤثر على حقوق المتقاضين فقط يكتسبون حقوقا وقد يخسرون أخرى كل ذلك في خضم صراع الزمن. لكنه لا يحضى بهذه الأهمية في المجتمعات المتخلفة التي تعمل على ” قتل الوقت” في المقاهي وتدخين النرجيله ولا تعي حقوقها.
إن للوقت في المجتمعات المتقدمة قداسة خاصة وهذا ما جعل سبعة وعشرون مواطنا يقدمون يوم الإثنين الحادي عشر من سبتمر 2017 على إستدعاء الدولة الفرنسية أمام القضاء للتنديد بالتأخير المفرط في فصل النزاعات وإصدار الأحكام من طرف قضاة الشؤون الأسرية في محكمة بوبيني. وقد تضاعفت دعاوى التعويض والمسؤولية ضد الدولة في الآونة الأخيرة بسبب طول الآجال الناجم عن نقص القضاة والكتبة بالمحاكم.
ويقدر أجل إنتظار تعيين جلسة أمام قضاة الشؤون الأسرية بالمحكمة الإبتدائية ببوبيني أربعة عشرة شهرا ولا يصدر الحكم إلا بعد اسابيع أو حتى بعد عدة أشهر. وخلال هذا الوقت الضائع بين أروقة المحاكم تظل حقوق الزيارة والنفقة وحضانة الأطفال معلقة وهو ما أتعب المتقاضين الذين قرروا مباشرة دعوى ضد الدولة لإقرار مسؤوليتها ونيل التعويضات الضرورية الكفيلة بجبر الضرر أو على الأقل التخفيف من حدته.
وفي حالة مسايرة المحكمة للسان الدفاع وتبنيها مواقفه فإن المتقاضين قد يتحصلون على بضع المئات من اليورو وهو مبلغ متواضع لكن العبرة تكمن – حسب ما صرحت به المحامية فاليري غريمود- في توعية الناس حول حقوقهم و تجنيب الآخرين ما مروا به من مماطلة.
واضافت أن الأزواج يعيشون ظروفا صعبة وأن الإضطرار إلى إنتظار شهور قبل لقاء القاضي يجعل مئات العائلات في وضع حرج ولا يطاق. ودعمت رأيها بذكر مثال واقعي وهو حالة أم لثلاثة أطفال لم تتحصل على مساعدة مالية من زوجها فصارت مهددة بالطرد من المكرى الذي تعيش فيه.
وقد سبق لمحكمة ستراسبورغ أن أدانت فرنسا. و تعد حالة بوبيني وشيكة بسب قلة القضاة وكثرة الملفات وهي حالة قريبة من تلك التي تعانيها باريس التي يستغرق أجل النظر في النزاعات فيها من خمسة إلى ستة أشهر مقابل أربعة عشرة شهرا في بوبيني.
ويذكر أن القيام على أساس مسؤولية الدولة في هذا المجال تضاعف هذه السنوات. ولم تكن الدعاوى دون جدوى فأغلبها أدت إلى إدانة الدولة.
وفي هذا السياق يجدر التذكير أن الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان واضحة وقد نصت على أن كل مواطن له الحق في التقاضي وفي آجال معقولة . ودون إحترام الآجال نكون أمام ضرب من ضروب تنفير المواطن من اللجوء إلى القضاء وهو ما يشكل إنكارا للعدالة.
وتجدر الملاحظة أن أغلب الإشكالات حول التأخير في النظر في الملفات كانت تتعلق أساسا بقضايا الطلاق. إذ وصف أحد المحامين حالة إمرأة طالت إجراءات قضية طلاقها قرابة السنة أنها بمثابة المحكومة بأن تبقى ” متزوجة رغما عنها ” ! ولعل هذا ما جعل المشرع الفرنسي يعيد تنظيم إجراءات الطلاق ويجعل الطلاق بالتراضي من إختصاص المحامي و عدل الإشهاد. وقد يكون مرد هذا التعديل التخفيف من الضغط المسلط على مرفق العدالة و الذي صار يحملها مسؤولية كل خطأ.
ولا شك أن هذا التوجه القضائي سيلقى صدى في عديد الدول بالعالم خاصة أن فرنسا لطالما ألهمت هذه الدول بنظامها القضائي وقوانينها