علم الفرائض
اعداد الاستاذ : فتحي الجديدي
متفقد مركزي ورئيس مصلحة بالديوان الوطني للملكية العقارية فرع سوسة
لعلم الفرائض في الدول الاسلامية بالخصوص اهمية بالغة نظرا لتميزه مقارنة بالقوانين الوضعية المتعلقة بالارث خاصة في الدول الغربية وعلى اعتباره ايضا أحد أنواع العلوم الإسلاميّة المتفرّعة من الفقه الإسلاميّ ويسمّى أيضا بعلم المواريث الذي يُعنى بتَرِكة الميت وميراثه.. قد تأسس هذا العلم بداية تأسيس المدارس الفقهية، باجتهادات بعض الصحابة. ومن أبرزها اجتهادات زيد بن ثابت، الذي صاغ أصول التوريث. ثم اجتهادات الخلفاء الراشدين وغيرهم ، لكن اختص من بينهم زيد بن ثابت الذي صاغ أصول التوريث بمنهجة المتخصص أي انه هو الذي وضع الاسس الاولى لهذا العلم واصبح شيئا فشيئا علم مستقل بذاته….وتعود تسميته بعلم الفرائض حسب الفقه الاسلامي اولا : أن الله تعالى سماه فقال بعد التسمية فريضة من الله- والنبي صلى الله عليه وسلم سماه رضى به فقال ( تعلموا الفرائض) والثاني: ان الله تعالى ذكر الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات مجملا، ولم يبين مقاديرها وذكر الفرائض وبين سهامها وقدرها تقديرا ، لا يحتمل الزيادة والنقصان اذ هو الذي ينظم الميراث ولكي نفهم مكنون هذا العلم لا بد من ايجاد مفهوم واضح لما يعرف بالميراث
المبحث الاول : تعريف الميراث
الميراث لغة مصدر الفعل ورث وأصله ( موارث ) انقلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها وهو عملية انتقال شيءٍ عيني كمالٍ، أو عقار، أو منقولٍ وغيرها من شخص إلى آخر بعد الموت… يمكن تعريف الميراث لغة ايضا بأنه البقاء سمي الله تعالى ( الوارث) أي الباقي بعد فناء الخلق ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:” اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني )، أي أبقيهما معي سالمين صحيحين حتى أموت ؛ فالإرث بقيّة الشيء وبقاء شخص بعد موت آخر، بحيث يأخذ الباقي ما يخلفه الميت، أو انتقال مال الميت إلى الحي ،و عند الفقهاء: هو أسم لما يستحق الوارث من مورثه بسبب من أسباب الإرث، أو هو انتقال مال الغير إلى الغير على سبيل الخلافة أمّا تعريف الإرث اصطلاحاً فهو استحقاق وتقسيم جزءٍ من تركة الشخص المتوفّي على شخص أو مجموعةٍ من الأشخاص الذين تربطهم صلة دم معه كالزوجة، أو الأبناء، والإخوة وغيرهم…
الفقرة الاولى : عناصر الارث
وحتى يقوم الارث كمؤسسة قانونية لابد ان تتوفر عناصر مجتمعة في الان ذاته الا وهي :المورث والوارث والتركة فاما المورث فهو الشخص المتوفى، والذي خلّف وراءه حقوقاً تتكون من عقارات او منقولات او الاثنين معا..واما الوارث فهو الشخص الموجود على قيد الحياة حتى وإن كان جنيناً، والذي يحقّ له امتلاك جزءٍ من التركة نتيجة صلة الدم الذي تربطه بالمورث…ويربط بين الاثنين التركة التي يمكننا تعريفها على انها الحقوق المالية التي خلّفها الموروث بعد موته، والتي تقسم على الوَرَثة من بعد معرفة درجة القربة لكل واحد منهم من المورث..وقد نص الفصل 85 من مجلة الاحوال الشخصية في تونس على : ” يستحق الارث بموت المورث ولو حكما وبتحقيق حياة الوارث من بعده “
الفقرة الثانية : أقسام التركة
قسمها شق من الفقهاء الى :
1/ أموال التجهيز: والتي تشمل الأموال اللازمة للإنفاق على الموروث بعد وفاته، كتغسيله، وتكفينه، ودفنه.
2/ الديون: والتي تقسم إلى قسمين، وهما: أموال الزكاة وكفارة الذنوب، بالإضافة إلى الديون المستحقة للعباد، فإن لم تكفِ التركة لتحقيق النوعين، فيجب تقديم ديون العباد.
3/ الوصية: والتي يقدمها الموروث قبل وفاته إلى إحدى الجمعيات أو الجهات الأخرى من غير الورثة. الميراث: والذي يقسّم وفق الشرع على الأشخاص المستحقين
ونحو ذلك اتجه القانون التونسي فقد اقر الفصل 87 من مجلة الاحوال الشخصية على انه : ” يؤدي من التركة بحسب الترتيب التلي :
أ-الحقوق المتعلقة بعين التركة
ب – مصاريف التجهيز والدفن
ج – الديون الثابتة في الذمة
د – الوصية الصحيحة النافذة
ه – الميراث
فاذا لم يوجد ورثة الت التركة او ما بقي منها الى صندوق الدولة “
المبحث الثاني : اسس علم الفرائض
الفقرة الأولى : أسباب الميراث
. هناك ثلاثة أسباب للميراث، وهي:
1/ القرابة والنسب: الذي يعني الاتصال بين إنسانين بولادة قريبة أو بعيدة، لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}. وتشمل القرابة والنسب :
1-1/ الأصول: لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُس}، ويرث منهم: كل ذكر لم يُدلِ بأنثى: كالأب، وأبيه وإن علوا بمحض الذكور، ولا يرث أبو الأم؛ لأنه أدلى بأنثى. وكل أنثى لم تُدلِ بذكر قبله أنثى: كالأم، وأم الأم، وأم الأب، ولا ترث أم أبي الأم؛ لأنها أدلت بذكر قبله أنثى
1-2/ الفروع : لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ويرث منهم كل من لم يُدلِ بأنثى، كالابن، وابن الابن، وإن نزلوا بمحض الذكور، والبنت، وبنت الابن، ولا يرث ابن البنت؛ لأنه أدلى بأنثى، وبنت البنت لا ترث؛ لأنها أدلت بأنثى.
1-3/ الحواشي : ويقصد بهم الاخوة الاشقاء او لاب او لام
2/ النكاح : من أسباب الميراث: ويعني عقد الزوجية الصحيح، فيرث به الزوج من زوجته والزوجة من زوجها بمجرد العقد، وإن لم يحصل دخول ولا خلوة؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُم}، وقوله {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}…. حيث يشترط بالزواج أن يكونَ صحيحاً ومبنياً على أسسٍ شرعية مثبةٍ في العقد. المطلقة بشكلٍ رجعي: حيث يحق لها أن ترث زوجها إذا توفّي خلال فترة العدة، أمّا المطلقة طلقةً بائنة فهي لا ترث، بغض النظر عن وقت وفاة الزوج، سواء في العدّة أو بعدها، ولكن يشار إلى أنّه من الممكن أن تحصل على الورثة إذا عُلِمَ بأنّ الزوج قد طلّقها قبل وفاته ليحرمها من الميراث
3/ الولاء : أي عتق الرقبة، فمن أعتق مملوكا فله الحق في أن يرثه في حال إذا لم يكن للمملوك المعتق أحد يرثه
الفقرة الثانية : اقسام الارث
وهو يقسم إلى قسمين: إرث بفرض وإرث بتعصيب:
1/ الإرث بالفرض : فيكون للوارث نصيب مقدر كالنصف والربع، والفروض الواردة في كتاب الله ستة فروض هي: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس؛ أي الربع وضعفه ونصفه، والثلث وضعفه ونصفه، أما ضعف الربع فهو النصف، ونصف الربع هو الثمن، وأما ضعف الثلث فهو الثلثان، ونصف الثلث هو السدس.
2/ الإرث بالتعصيب : فيكون للوارث نصيب غير مقدر بتقدير محدد وإنما يأخذ الباقي إن كان هناك باق
وقد تبنى القانون التونسي هذا التقسيم فقد نص الفصل 89 من مجلة الاحوال الشخصية على انه : ” الوارثون نوعان : ذو فروض وذو تعصيب ” وقد فصلت الفصول اللاحقة لهذا الفصل اصحاب الفروض فيما نص الفصل 113 من نفس المجلة على ان ” العصبة ثلاثة أنواع :
عـصـبة بـالنفـس ( 1 )
وعـصـبة بـالغير ( 2 )
3/ وعـصبة مع الغير “
وقد عرف الفصل 114 من نفس المجلة التعصيب بالنفس على انه : ” العاصب بنفسه يرث جميع المال عند انفراده والبقية لأصحاب الفروض إن كانت والحرمان إن لم تكن ” كما نص الفصل 115 من نفس المجلة على انه : ” العصبة بأنفسهم مراتب وكل مرتبة مقدمة على ما يليها “
اما التعصيب بالغير فقد عرفه الفصل 119 من نفس المجلة : ” العاصب بغيره كل أنثى عصبها ذكر وهو أربعة :
( 1 ) البنت
( 2 ) وبنت الابن
( 3 ) والأخت الشقيقة
“.. ( 4 ) والأخت لأب
واما العصبة مع الغير فقد نص عليه الفصل 121 من نفس المجلة : ” العاصب مـع الغير كـل أنثى تصير عـاصبة باجتماعها مـع أخرى وهـو اثنان :
( 1 ) الشقيقة فـأكثر مـع بنت أو بنـات أو بنت ابـن أو بنـات ابـن
“( 2 ) والأخت للأب مع البنت أو البنات أو بنت الابن أو بنات الابن
الفقرة الثالثة : الحجب في الميراث
لا يمكننا ان ندرس علم الفرائض دون ان نتعرض الى الحجب والذي يمكننا تعريفه لغة على انه هو : المنع والحرمان يقال حجبه إذا منعه من الدخول والحاجب لغة المانع قال تعالى في سورة الأعراف : ( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ) الآية 46-قال في القاموس المحيط حجبه حجباً وحجاباً ستره .
ويقال للبواب حاجب لأنه يمنع الناس من الدخول على الرؤساء بغير إذن .. واسم الفاعل من هذه المادة حاجب واسم المفعول محجوب فالحاجب الذي يمنع غيره من الأرث والمحجوب الممنوع من الإرث.
وقد عرفه الفصل : 122 من مجلة الاحوال الشخصية على انه :
“الحجب منع وارث معين من كل الميراث أو بعضه بشخص آخر وهو نوعان: الأول : حجب نقصان عن حصة من الإرث إلى أقل منها. الثاني : حجب حرمان من الميراث”… كما تعرض الى ذلك الفصل : 123 من نفس المجلة فاكد على ان : ” حجب الحرمان لا يدخل على ستة من الورثة وهم :
( 1 ) الأب
( 2 ) الأم
( 3 ) والابن
( 4 ) والبنت
( 5 ) والزوج
( 6 ) والزوجة. وحجـب النقصان يدخـل علـى الزوجين والأبوين والجـد وبنـت الابـن والشقيقة والأخت لأب “… من ناحية اخرى قسم الفقه الحجب إلى قسمين :
أ – حجب بالوصف ، وهو حجب عن الميراث بالكلية ويكون فيمن اتصف بأحد موانع الإرث الثلاثة وهي رق أو قتل أو اختلاف دين… المحجوب بالوصف هنا وجوده كعدمه فلا يحجب أحداً لا حرماناً ولا نقصاناً .
ب – حجب بالشخص ، وهو منع شخص معين من الأرث بالكلية أو من فرض مقدر له إلى فرض أقل منه لوجود شخص آخر أو بمعنى آخر هو أن يوجد شخص أحق بالإرث من غيره فيحجبه عن الميراث.. والمحجوب بشخص لا يحجب أحداً حرماناً وقد يحجبه نقصاناً
والحجب بالأشخاص نوعان : حجب حرمان و حجب نقصان اما حجب الحرمان وهو أن يسقط الشخص غيره بالكلية أي حجب عن كل الميراث مع قيام الأهلية للأرث وهذا النوع يتأتى على جميع الورثة إلا ستة حيث إذا وجد أحدهم فلا بد أن يرث من التركة وهم :
الأبوان ( الأب والأم ) والولدان (الابن والبنت من الصلب ) والزوجان (الزوج والزوجة…اما حجب النقصان وهو منع شخص من أوفر منابه أو منعه من بعض إرثه
الفقرة الرابعة : موانع الارث
اختلف الفقهاء بخصوصها الا ان اغلبهم اجمعوا على بعضها ومنها :
1/ أبناء الزنا: وذلك لعدم القدرة على إثبات النسب، نتيجة عدم وجود عقد صحيح للزواج
2/. قاتل الموروث: فإذا قام أيّ شخصٍ من الوارثين بقتل الموروث بهدف الطمع فإنّه يحرم من التركة. القتل: أي إزهاق الروح مباشرة أو تسببًا بغير حق، بحيث يأثم بتعمده لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا يرث القاتل شيئًا”]؛ لأنه قد يقتل مورّثه ليتعجل إرثه منه. أما القتل الذي لو تعمده لم يكن آثمًا كقتل الصائل فلا يمنع الإرث، وكذلك القتل الحاصل بتأديب أو دواء أو نحوه؛ فإنه لا يمنع الإرث إذا كان مأذونًا فيه، ولم يحصل تعدٍّ ولا تفريط …وقد نص الفصل 88 من مجلة الاحوال الشخصية في تونس على انه ” القتل العـمد مـن موانع الإرث فـلا يرث القاتـل سواء أكان فاعلا أصليا أم شريكا أو كـان شاهد زور أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام وتنفيذه “
3/ الكفر: حيث يحرّم على المسلم أن يرث الكافر، والعكس صحيح… فلا توارث بين ملتين لانقطاع الصلة بينهما شرعًا، ولذلك قال الله لنوح عن ابنه {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}، ولحديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم “.
4/ اللعان: وهو أن يقوم الزوج باتهام زوجته الحامل بالزنا، وتبرئه من نسب جنينها، وفي هذه الحالة يرث الطفل المولود من أمّه فقط وهي ترث منه.
5/ الشكّ: وهو عدم الثقة من استحقاق أحد الوارثين للتركة، كأن يكون هناك شكٌ في نسبه او في تاريخ وفاته ومن ذلك نورد ما جاء بالفصل 86 من مجلة الاحوال الشخصية التونسية من انه ” اذا مات اثنان ولم يعلم ايهما مات اولا فلا استحقاق لاحدهما في تركة الاخر سواء اكان موتهما في حادث واحد ام لا “
6/ العبودية : فمن كان عبدا لا يحق له ان يرث لأن الله أضاف الميراث إلى مستحقه باللام الدالة على التمليك، والرقيق ليس له حق في التملك؛ لأنه هو أصلًا ملك لسيده مستعبد له
المراجع :
[1]- مجد الدين الفيروز آبادي ، القاموس المحيط ، جـ1، ط3، المطبعة المصرية، القاهرة، 1933،
2- جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، الفتح الكبير، جـ2، مطبعة دار الكتب العربية، القاهرة، 911هـ،.
3- سعدي أبو حبيب ، القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً ، ط2 ، دار الفكر ، سوريا ، 1988 ،.
4- لسان العرب باب التاء ، فصل الواو ، 200- 199/2
5- أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية / محمد محي الدين عبد الحميد
6- مجلة الاحوال الشخصية التونسية
7 – احكام المواريث في القانون التونسي للدكتور فرج القصير