لقد شدت هاته المسألة اهتمام رجال القانون ببلادنا وبمختلف البلدان الاجنبية وخاصة منها البلاد الفرنسية واختلفت الآراء حول طبيعة دائرة الاتهام واعتقدنا ان هذه المسألة حسمت في وقت ما واصبحت محل اتفاق لدى الجميع الا انه وامام ظهور بعض الاختلاف من جديد حول هذه الطبيعة القانونية وتمسك البعض منهم بان دائرة الاتهام محكمة فقط في حين تمسك البعض الآخر بكونها سلطة اتهام وتحقيق من درجة ثانية لا غير وهو ما دفعني ان أتناول هذه المسألة بغاية الايجاز والاختصار لأبين ان الرأيين متكاملين وان دائرة الاتهام لا يمكن لها ان تضطلع بدور دون الآخر.
أولا ـ دائرة الاتهام محكمة استئناف لقرارات السيد قاضي التحقيق
تشتمل كل محكمة استئناف على دائرة اتهام على الاقل وتتألف هذه الاخيرة من رئيس دائرة ومستشارين من محكمة الاستئناف وتنظر بوصفها محكمة استئناف في القرارات التي يصدرها السيد قاضي التحقيق والتي يقع استئنافها من احد اطراف القضية فمن له حق الاستئناف (1) وما هي القرارات التي يمكن الطعن فيها بالاستئناف (2) وما هي آجال ذلك الاستئناف (3) هذه جملة من الاسئلة يجب التطرق اليها في هذا الباب.
1ـ حق ممارسة الاستئناف:
أ ـ وكيل الجمهورية:
قد خول الفصل 109 فقرة اولى من مجلة الاجراءات الجزائية للسيد وكيل الجمهورية استئناف قرارات السيد قاضي التحقيق بعد تمكينه من الاطلاع على ذلك من طرف المحقق.
ب ـ المظنون فيه: يمكن للمتهم استئناف قرارات السيد قاضي التحقيق التي يراها مجحفة بحقوقه وماسة بحريته.
ج ـ القائم بالحق الشخصي: ان قيام المتضرر بالحق الشخصي يجعله طرفا في القضية الامر الذي جعل المشرع يجعله كالنيابة العمومية والمظنون فيه ومكنه من استئناف كل ما يراه ماسا بحقوقه المدنية.
2ـ القرارات التي يمكن الطعن فيها بالاستئناف:
ان هذه القرارات تختلف من طرف الى آخر وذلك امر طبيعي اذ هو نتيجة حتمية لاختلاف وتباين المصالح التي توجد بين الاطراف.فبالنسبة للسيد وكيل الجمهورية جاء الفصل 109 فقرة 1 من مجلة الاجراءات الجزائية ناصا على ان قرارات السيد حاكم التحقيق تحال فورا على السيد وكيل الجمهورية للاطلاع عليها وله حق استئنافها في جميع الاحوال. الامر الذي يجعل المجال واسعا شاسعا للسيد وكيل الجمهورية لان هذا الفصل لم يحدد ما هي القرارات التي يمكن للنيابة العمومية استئنافها وترك الامر مطلق موحيا ان كل القرارات قابلة للاستئناف.اما بالنسبة للمظنون فيه فان المشرع حدد القرارات التي يمكنه استئنافها حسب الفصول 38 و75 و187 من مجلة الاجراءات الجزائية فمكنه من استئناف القرار القاضي بقبول مطلب القيام بالحق الشخصي والقرار القاضي برفض مطلب التخلي عن القضية المقدم من طرف المتهم وقرار رفض مطلب السراح المقدم من طرفه كما يمكنه كذلك استئناف قرار السيد قاضي التحقيق القاضي باحالته على دائرة الاتهام من اجل جريمة معينة.اما بالنسبة للقائم بالحق الشخصي فإن الدارس يجده في علاقة تقابلية مع المتهم فلقد مكنه المشرع من استئناف قرار السيد قاضي التحقيق القاضي برفض مطلبه كقائم بالحق المدني وفق احكام الفصل 38 من مجلة الاجراءات الجزائية واستئناف قرار رفض التخلي عن القضية الذي يتخذه السيد قاضي التحقيق بناء على مطلب مقدم من طرف القائم بالحق كاستئناف قرار الافراج المؤقت عن المتهم.
3ـ آجال الطعن:
ان آجال الطعن في قرارات السيد قاضي التحقيق بالاستئناف هي نفسها الا ان بداية سريانها يختلف حسب الاطراف.
أ ـ بالنسبة للسيد وكيل الجمهورية يمكن للسيد وكيل الجمهورية الطعن في قرارات السيد قاضي التحقيق بالاستئناف في اجل اقصاه اربعة ايام من تاريخ اطلاعه عليها.
ب ـ بالنسبة للمظنون فيه والقائم بالحق الشخصي: يمكن لكل منهما استئناف قرارات السيد قاضي التحقيق السالفة البيان في اجل اقصاه اربعة ايام من تاريخ اعلامهما بالقرار.وهكذا يتجلى وجه الاختلاف في خصوص سريان هذا الاجل بالنسبة للسيد وكيل الجمهورية فان مفعول الاجل يبتدئ من تاريخ الاطلاع على القرار في حين ان الاجل لا يبتدئ مفعوله بالنسبة الى المظنون فيه والقائم بالحق الشخصي الا من تاريخ علامهما من طرف السيد قاضي التحقيق بذلك.هكذا يتبين لنا ان دائرة الاتهام لها دور استئنافي وهي محكمة استئناف لقرارات السيد قاضي التحقيق وهي بذلك محكمة فكيف اذن تكون سلطة اتهام وتحقيق من درجة ثانية.
ثانيا ـ دائرة الاتهام سلطة اتهام وتحقيق من درجة ثانية
تمارس دائرة الاتهام صلاحياتها كسلطة مراقبة او تحقيق من درجة ثانية في المرحلة الختامية للابحاث فبانتهاء السيد قاضي التحقيق من مباشرة الابحاث واصداره قرارا في ختم الابحاث قاض بإحالة المظنون فيه من اجل جناية تحال القضية على دائرة الاتهام لمباشرة هذه السلطة.
اما اذا انتهى السيد قاضي التحقيق بعد اتمام ابحاثه بأن الافعال المنسوبة للمتهم تتشكل منها مجرد جنحة او مخالفة فإنه يتولى احالة القضية على المحكمة المختصة للمحاكمة.وتبدو هذه الصفة الثانية لدائرة الاتهام خاصة من خلال ما اعطاها المشرع من صلاحيات ونفوذ وسلطة شأنها في ذلك شأن السيد قاضي التحقيق الا ان وجودها في الدرجة الثانية مراقبة لأعمال هذ الاخير يجعلها في مكانة قانونية اقوى.ففي خصوص هذه الصلاحيات والنفوذ فقد نص الفصل 116 من مجلة الاجراءات الجزائية انه بإمكان دائرة الاتهام احالة القضية على المحكمة المختصة اذا كانت القرائن كافية لثبوت ادانة المظنون فيه او ان تحفظ القضية اذا لم تكن الادلة والحجج كافية على ثبوت ادانة المتهم ولها في هذه الصورة ان تفرج عن المتهم الموقوف وان ترجع الاشياء المحجوزة لاصحابها.كما انه بإمكان دائرة الاتهام في صورة وجود نقص في الابحاث ان تأذن باجراء ابحاث تكميلية بواسطة احد مستشاريها او ان تقرر ارجاع القضية للسيد قاضي التحقيق المكلف بالاستقراء فيها لاتمام ما تراه من استنطاقات وسماع شهود واجراء معاينات واختبارات ومكافحات وعرض للمتهمين على القيس الى غير ذلك من الاعمال الاستقرائية.ولدائرة الاتهام ايضا ان تأذن باجراء تتبع جديد كتوجيه تهمة جديدة لمتهم شمله البحث او توجيه تهمة ما على شخص لم يقع تتبعه كمتهم وذلك بعد اخذ رأي النيابة العمومية في الموضوع.هذا ويمكن لدائرة الاتهام ان تأذن بالافراج المؤقت عن المتهم اذا كان موقوفا او ان تصدر بطاقة ايداع ضد المتهم المحال عليها بحالة سراح والتي ترى ان الافعال المقترفة منه خطيرة على الامن العام وتستوجب الايقاف ويكون ذلك دائما وأبدا بعد اخذ رأي النيابة العمومية.وهكذا اذن تتبين لنا الطبيعة القانونية لدائرة الاتهام فلا يمكن اعتبار دائرة الاتهام محكمة استئناف لقرارات السيد قاضي التحقيق فقط كما لا يمكن اعتبارها سلطة اتهام وتحقيق من درجة ثانية فقط لان هاتين الصفتين متصلتين ومتينتين ولا يمكن التجزئة بينهما او الاكتفاء باحدى الصفتين وهكذا يكون الرأيين الذين ذهبا اليهما بعض رجال القانون مختلفين في الظاهر فقط لانهما متكاملين في الواقع.