جاء بالفصل 291 من المجلة الجزائية أنه
” يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام و بخطية قدرها ألفان و أربعمائة دينار كل من إستعمل أسما مدلسا أو صفات غير صحيحة أو التجأ للحيل و الخزعبلات التي من شأنها إقناع الغير بوجود مشاريع لا أصل لها في الحقيقة أو نفوذ أو إعتماد وهمي أو التي من شأنها بعث الأمل في نجاح غرض من الأغراض أو الخوف من الإخفاق فيه أو وقوع إصابة أو غيرها من الحوادث الخيالية و يكون قد تسلم أو حاول أن يتسلم أموالا أو منقولات أو رقاعا أو ممتلكات أو أوراقا مالية أو وعودا أو وصولات أو إبراءات واختلس بإحدى هذه الوسائل أو حاول أن يختلس الكل أو البعض من مال الغير “.
إن جريمة التحيل بمفهومها التقليدي تستوجب وجود شخص متحيل يستعمل ذكاءه في الحيل و الخزعبلات المتوخاة منه للإيقاع بالمجني عليه الذي يقع في غلط لقاء التصديق بجدوى المشروع الوهمي و يسلمه مقابل ذلك أمواله (1).
فالاستيلاء هو اعتداء على الملكية مثله مثل السرقة و لكنه يختلف معها في الطرق المستعملة ففي حين إن السارق يتولى إختلاس متاع الضحية رغم إرادتها أو دون علمها، و في غفلة منها , فإن المتحيل يتوصل بالحيل و الوسائل الخبيثة التي يستعملها الى استدراج الضحية لكي تسلمه هي نفسها المال أو الشيء المستولى عليه (2) .
فجريمة التحيل شأنها شأن جريمة السرقة تهدف إلى الإستيلاء بطريقة غير شرعية على ثروة الغير، و يختلفان فقط في الطريقة التي ينتهجها الجاني، فعوض إختلاس الشيء كما يفعل السارق يعمد المتحيل إلى استدراج الحائز حتى يسلمه بنفسه الشيء بعد إيقاعه في الغلط عبر الحيل و الخزعبلات ( 3 ).
+++ 1 – أركان جريمة التحيل
و نتعرض فيما يلي لأركان جريمة التحيل (4)
الركن المادي :
و يتكون من ثلاث عناصر:
إستعمال إسم مدلس أو صفات غير صحيحة أو إعتماد الحيل و الخزعبلات
التوصل إلى اقناع الغير بوجود مشاريع لا أصل لها في الحقيقة أو نفوذ أو إعتماد وهمي أو التي من شأنها بعث الأمل في نجاح غرض من الأغراض أو الخوف من الإخفاق فيه أو وقوع إصابة أو غيرها من الحوادث الخيالية.
تسلم أموال من مكاسب المحتال عليه ( مع تجريم المحاولة).
الركن المعنوي :
تعتبر جريمة التحيل من الجرائم القصدية، حيث تستوجب توفر القصد الجزائي العام و القصد الجزائي الخاص.
القصد الجزائي العام : يتمثل في إنصراف إرادة الجاني إلى تحقيق فعل يجرمه القانون .
القصد الجزائي الخاص : يتمثل في نية التملك بالمنقول المستولى عليه.
والمشرع التونسي أراد عقاب التحيل على الغير عن طريق الحيل والخزعبلات التي ترمي إلى الإستحواذ على مال الغير وهذا ما إستقر عليه فقه القضاء الذي إعتبر أن التحيل لا يتمثل في الحيل والخزعبلات، ولكن في إستعمال هذه الوسائل للوصول إلى الإستحواذ على أموال الغير أو محاولة ذلك ( 5 )
فقد جاء بقرار تعقيبي جزائي عدد 14935 مؤرخ في 26 مارس 1986 أن ” الحيل والخزعبلات لا تكفي لتوفر جريمة التحيل لانتفاء الركن الأساسي للجرم وهو الإستيلاء على مكاسب الغير ” (ن 1986 ص 243).
و محاكم الأصل عليها أن توضح بحكمها أنواع الخزعبلات والحيل التي إستعملها المتهم لإبتزاز أموال المتضرر وإلا يكون مستهدفا للنقض (قرار تعقيبي جزائي عدد 5529 مؤرخ في 6 ماي 1981 ) .
كما أن الصمت والكتمان أو مجرد الإدعاء الكاذب لا يكفي للقول بوجود جريمة التحيل فقد جاء بحيثيات قرار تعقيبي جزائي عدد 15692 مؤرخ في 24/11/2007 ” …ولا يُكتفى بالصمت والكتمان للقول بالحيل والخزعبلات بل لا بد من أعمال خارجية ، ولا يُكتفى بالكذب بل لا بد من أعمال خارجية بمعنى توفر المظهر الخارجي الذي يكسب الكذب لون الحقيقة فينخدع بها المجني عليه، كما في صورة وجود إخراج مسرحي او إستعمال وثائق غير حقيقية أو الإستعانة بشخص لتأييد أكاذيب الجاني …”
+++ 2 – تعاطي السحر بطريق الخزعبلات على الناس من اجل ابتزاز أموالهم
لقد اعتبر فقه القضاء أن متعاطي السحر بطريق الخزعبلات على الناس من أجل ابتزاز أموالهم تتكون منه جريمة التحيل الوارد بها الفصل 291 م ج.
فقد أصيبت أمراة بمرض في الأعصاب فاتصلت رفقة شقيقها بامرأة تدّعي قدرتها على علاج مثل هذه الحالات المستعصية فأشارت عليهما بإحضار عنز أسود فتم إحضاره فذبحته و صرحت لهما أن المريضة يسكنها ” جني ” و أنه لإخراجه لا بد من دفع مبلغ مالي قدره 1.800.000 دينارا لفائدة الجن الذي يعمل معها، فقام شقيق المريضة بتسليمها حينا مبلغ 600.000 دينارا على أن يدفع الباقي لاحقا .
و قامت المرأة التي تدّعي السحر بالتظاهر بمداوة المريضة مستعملة البخور و دم العنز متمتمة بعض الكلمات المبهمة لكن حالة المريضة لم تتحسن و اتضح أنها قد تعرضت لعملية تحيل.
و بناء على شكاية أحالتها النيابة العمومية على المحكمة الابتدائية ب…….لمحاكمتها من أجل التحيل ، فقضت المحكمة الإبتدائية بمحاكمة المرأة التي تدعي السحر بسجنها مدة ثمانية أشهر كما قضت محكمة الإستئناف في الأصل بإقرار الحكم الإبتدائي وإجراء العمل به .
و أقرت محكمة التعقيب الحكم الاستئنافي و صدر في هذا الصدد قرار تعقيبي جزائي عدد 1197 مؤرخ في 10 أكتوبر 2000 ( صدر برئاسة السيد المنجي الأخضر) و جاء بحيثيات القرار ما يلي :
” و حيث أن تعاطي السحر لإخراج الجن من جسم المتضررة يعتبر من باب إرتكاب الخزعبلات على الناس لابتزاز أموالهم و تتكون منه جريمة التحيل موضوع الفصل 291 م ج و لذلك فإن الحكم الذي أثبت في أسانيده إدانة المتهمة من أجل تلك الخزعبلات يكون قد تأسس أسانيد واقعية و قانونية صحيحة لا مطعن فيها و أحسن تطبيق القانون … ” ( 6 ) .
…………………………………………………..
1- المنجي الأخضر – دراسات قانونية في مختلف فروع القانون الجزائي الخاص مدعمة بفقه القضاء التونسي والمقارن – معهد الدراسات العليا للنشر – ص 160
2- عبادة الكافي – المجلة الجزائية معلق عليها – الطبعة الثانية تونس 2016 ص 538
3- فاروق حفصاوي – شرح قانون العقويات التونسي – دار سنابل للنشر سليانة تونس- طبعة أولى 2017 ص 78
4- فاروق حفصاوي – مرجع سابق- ص 78 وما يليها .
5- عبادة الكافي – مرجع سابق ص541
6- سبق أن صدر قرار تعقيبي جزائي عدد 1967 مؤرخ في 14 أوت 1982 جاء في حيثياته : ” متعاطي السحر بطريق الخزعبلات على الناس لابتزاز أموالهم تتكون منه جريمة التحيل الوارد بها الفصل 291 م ج وبذلك فان الحكم الذي أثبت في أسانيده أدانة المتهم من تلك الخزعبلات وعقابه بالسجن من أجل ذلك طبق الفصل 291 م ج المشار اليه أنبنى على أسانيد واقعية وقانونية صميمة لا مطعن معها وتعين رفض الطعن فيه ” ( ن 1982 ص 257).