Site icon الميزان

الجديد في أحكام الشيك بدون رصيد: قراءة في التوجهات الجديدة للتجريم والعقاب – نجاة البراهمي

بقلم الأستاذة نجاة البراهمي. أستاذة التعليم العالي ورئيسة قسم العلوم الجزائية بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.المحامية لدى التعقيب

1- وأخيرا صدر القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في  2 أوت 2024 المتعلق بتنقيح وإتمام بعض فصول أحكام المجلة التجارية المنظمة لاحكام الشيك وخاصة منها الشيك بدون رصيد.

وبمجرد صدوره اثار هذا القانون جدلا كبيرا في الأوساط القانونية بين مؤيد لاحكامه وبين ناقد لها.

2- وفي اعتقادنا لا مجال لقراءة هذا القانون دون الوقوف عند أبعاده النظرية من حيث مظاهر التجديد التي أدخلها بالنسبة للنصوص السابقة هذا من جهة وعند الإشكاليات التطبيقية التي يطرحها القانون الجديد خاصة بالنسبة للوضعيات السابقة والتي لا تزال أثارها عالقة في تاريخ صدور هذا القانون.  ويمكن ان نجد في الاحكام الجزائية لهذا القانون واحدا من اهم المسائل التي يجب التوقف عنده ناهيك و أن الاحكام الجديدة قد وردت محملة بمظاهر التجديد بخصوص التجريم والعقاب. و من أهم التوجهات نزع التجريم في جريمة اصدار شيك بدون رصيد عندما يكون معين الشيك أقل أو مساو لـخمسة الاف دينار (أولا) و الإبقاء على التجريم مع الحد من العقاب في الصورة التي يتجاوز فيها مبلغ الشيك خمسة الالف دينار (ثانيا) و إقرار جرائم جديدة في حق الساحب و المستفيد والمصرف المسحوب عليه الشيك (ثالثا) كإقرار اليات بديلة للعقوبات السالبة للحرية (رابعا) وتضييق مجال ممارسة الدعوى العمومية بحصوص جريمة اصدار شيك بدون رصيد (خامسا).
أولا: نزع التجريم في جريمة اصدار شيك بدون رصيد

3- يعرف الشيك قانونا بكونه ورقة تجارية تلعب دور السيولة من حيث كونها أداة خلاص.
عمليا تمضي هذه الورقة من طرف الساحب لفائدة المستفيد الذي يكون دائنا للساحب في اطار علاقة اصلية ويتم السحب على الصيرفي المفتوح عنده الحساب الجاري للساحب. ومن شروط سحب الشيك ان يكون للساحب رصيد يغطي قيمة الشيك في تاريخ إصداره.

4- الاّ أنّ التطبيق قد أظهر حيادا بالشيك عن الوظيفة التي من المفروض ان يضطلع بها و انقلب الشيك بصفة فعلية من أداة خلاص الى أداة ضمان بما معناه ان المدين في علاقة اصلية (بيع أو شراء أو غيره) يتجوز سحب شيك لخلاص دائنه و الحال أن رصيده لدى البنك لايسمح بذلك. ومن الأمثلة الأكثر رواجا لهذا الواقع صورة البيوعات بالتقسيط و التي يقبل فيها الدائن البائع ان يتم خلاصه بالتقسيط  فيتوصل بمجموعة من الشيكات المسحوبة من المشتري المدين بمبلغ الشراء و الذي يضمن تواريخ لاحقة لتاريخ السحب و يطلب من البائع ألاّ يقدم تلك الشيكات للبنك الاّ في التاريخ المنصوص عليه في  الشيك. ويكون الواقع بذلك مخالفا  للقانون و مهددا لأمن المعاملات التجارية ضرورة أن المستفيد يمكن ان يخل بإلتزامه الأخلاقي في عدم عرض الشيك للخلاص إلا في التاريخ المضمن على الشيك و يبادر بعرضه  بمجرد سحبه في تناغم مطلق مع القاعدة التي تقتضي أنه يمكن للمستفيد من الشيك ان يعرضه بمجرد امضائه. و قد أسفرت مخالفة الواقع للقانون عن العديد من المساوئ لعل من أهمها تورط الالاف من ساحبي الشيكات في جريمة اصدار شيك بدون رصيد على معنى احكام الفصل 410 من المجلة التجارية و تسليط عقوبات سالبة للحريه عليهم  بما ترتب عليه ارتفاع عدد نزيلي السجون الموقوفين على ذمة المحاكمة أو المحكومين الذين تعذر عليهم خلاص معينات الشيكات التي سحبوها في ظل عدم توفر الرصيد.

كما عرف التطبيق كذلك العديد من الإشكاليات ومن بينها تمسك الساحب عند تتبعه من أجل جريمة الشيك بدون رصيد بكونه قد عول على فتح اعتماد بنكي في حدود معين الشيك و بكونه قد فوجئ بعدم خلاص الشيك من طرف البنك الذي تعلل بعدم تجديد فتح الاعتماد.

وبغاية التصدي لمختلف هذه الوضعيات التي أسفر عليه تطبيق احكام المجلة التجارية في صيغتها القديمة أصدر المشرع التونسي القانون عدد41 لسنة 2024 المؤرخ في 1 أوت 2024 والذي جدد في أكثر من موضع و جاء مكرسا للعديد من الخيارات التي سبق التأكيد عليه رسميا من طرف وزارة العدل و رئاسة الحكومة في العديد المناسبات و في اطار تقديم مشروع القانون و من أهمها:

أ- تجريم اصدار الشيك بدون رصيد يقتصر على الشيكات التي يتجاوز معيّنها 5 الاف دينار

6 – أقر المشرع هذه القاعدة صلب أحكام الفصل 411 جديد  الذي نص على ما يلي: “مع مراعاة احكام الفصل 410 من هذه المجلة يعاقب بالسجن مدة عامين و بخطية تساوي  عشرين بالمئة من مبلغ الشيك  او من باقي مبلغه:

 كل من اصدر شيكا يتضمن مبلغا يتجاوز خمسة الاف دينار  و ليس له رصيد سابق  و قابل للتصرف فيهأاو كان الرصيدأاقل من مبلغ الشيك او من باقي قيمته:
 كل من اصدر شيكا يتجاوز خمسة الاف دينار و ليس له رصيد سابق و قابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد اصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه و لم يكن معولا على اعتماد سابق فتحه له المصرف المسحوب عليه أو على تسهيلات دفع تعود منحها له بمقادير لا يقل معدلها عن مبلغ الشيك أو باقيه و لم يقع الرجوع فيهما بصفة قانونية.
 كل من اعترض على خلاص شيك لدى البنك المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذه المجلة.
 كل من قبل شيكا صادرا في الحالات المبينة بالفقرتين السابقتين مع علمه بذلك.
 كل من تسلم شيكا على وجه الضمان.
 كل من ساعد عمدا أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك في الحالات المشار اليها أعلاه على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها.

7- وبمقارنة هذا الفصل مع أحكام الفصل 411 قديم نلاحظ توجه نحو نزع التجريم بخصو ص جريمة اصدار شيك بدون رصيد وإقرار جرائم جديدة تسلط على غير الساحب من الأشخاص الذين يتأثرون بإصدار لشيك.

ب -التضييق في التجريم في جريمة اصدار شيك بدون رصيد

8- بالمقارنة مع النص القديم نلاحظ أن المشرّع قد جدّد على مستوى أركان الجريمة فبعد أن كانت جريمة إصدار شيك بدون رصيد تقوم ضد” كل من يصدر شيكا” أصبحت الجريمة في النص الجديد لا تقوم الا   ضد “من يصدر شيكا يتضمن مبلغا يتجاوز خمسة الاف دينار” بما يترتب عنه خروج الشيكات التي تتضمن مبالغ تساوي أو أقل عن خمسة الاف دينار من نطاق التجريم.

9– و قد أكّد المشرع بصفة صريحة على نزع التجريم عندما تكون قيمة المبلغ المضمن صلب الشيك أقل أو تساوي مبلغ خمسة الاف دينار. فقد ورد الفصل 2 من القانون عدد 14 لسنة 2024 النقح والمتمم لبعض فصول المجلة التجارية ما يلي: يضاف الى المجلة التجارية الفصول 410 سابعا و 410 ثامنا و 410 ثامنا مكرر فيما يلي نصها: الفصل 410 سابعا:” لا جريمة على من أصدر شيكا دون رصيد يتضمن مبلغا تساوي قيمته أو تقل عن خمسة الاف دينار.
عند غياب الرصيد أو عدم كفايته يعد مدينا بمبلغ الشيك أو باقي قيمته المصرف المسحب عليه الشيك الذي يتضمن المبلغ المذكور بالفقرة الأولى من هذا الفصل….”
و قد تم تبرير هذا الخيار الجديد بالاعتماد على الاحصائيات التي بينت أن أغلب الموقوفين و المحكومين في جرائم اصدار شيك بدون رصيد قد تورطوا في اصدار شيكات تتجاوز المبالغ المضمنة صلبها قيمة الخمسة الاف دينار.”

ثانيا: الحد من العقاب

10- كان العقاب يرتقي في نطاق القانون القديم الى خمسة سنوات سجن مع خطية تساوي مبلغ الشيك بما معناه ان جريمة اصدار شيك بدون رصيد كانت من قبيل الجنحة التي يعاقب فيها القانون باقصى العقاب المسلط على هذا النوع من الجرائم. اما في القانون الجديد فقد اختار المشرع الحط من العقاب الى سنتين فقط مع خطية لا تتجاوز خمس مبلغ الشيك و هو توجه محمود ادا اعتبرنا ان القانون الجزائي.

ثالثا: إقرار جرائم جديدة

11- لقد عرف التطبيق مثلما أشرنا إليه سابقا حيادا بالشيك من وظيفته كأداة خلاص إلى وسيلة ضمان باعتبار ان مختلف الاطراف المتداخلين فيه وخاصة منهم الساحب والمستفيد قد انخرطوا في هذا المنطق الذي يسمح في تقديرهم بتسهيل المعاملات التجارية. وبغاية التصدي إلى هذه الممارسات وسع المشرع التونسي من نطاق التجريم بطرقة أصبح معها التجريم يتجاوز مجرد الساحب ليشمل من قبل الشيك على وجه الضمان وكذلك من تسلمه على هذا الوجه وكل من اعترض على خلاص شيك لدى البنك المسحوب عليه في غير الصور القانونية. وكذلك المصرف المسحوب عليه في العديد من الصور القانونية.

تجريم قبول الشيك على وجه الضمان

12- وتهدف صورة التجريم هذه الى التصدي إلى ظاهرة “الشيك ذو التاريخ اللاحق” الذي يسحب في تاريخ معين ويتعهد المستفيد منه بطلب من الساحب الا يعرض للخلاص إلاّ في تاريخ لاحق يضمن صلب الشيك وفي الخانة المخصصة للتاريخ الذي يفترض أن يوافق قانونا تاريخ سحب الشيك باعتبار أن هذا الأخير هو وسيلة خلاص وليس بوسيلة الضمان.

ويتضح مما تقدم ان “قبول الشيك على وجه الضمان “هو ركن من أركان الجريمة التي لا تقوم إلا بقيامه. ويطرح السؤال حينئذ عن كيفية إثبات هذا القبول على هذا النحو.

13- ان اثبات القبول لا يطرح اشكالا في المنظومة الجديدة التي أرساها القانون الجديد و التي أصبح فيه البيان المتعلق باسم المستفيد بيانا وجوبيا  من جهة ووجوب انخراط هذا الأخير في منظومة المنصة الالكترونية التي تعرف بجميع الأطراف المتداخلين في التعامل المصرفي بالشيك و تعتمد طريقة” الترابط البيني”  أو التشبيك المعلوماتي و يظهر فييها المستفيد بصفته هذه  و بطريقة لا تتحمل لا الشك و لا التخمين حول مركزه. و يثبت قبول المستفيد للشيك على وجه الخصوص من خلال ولوجه للمنصة الرقمية المشار إليها أعلاه و تاكده من وجود الرصيد في مرحلة و”اشعار المصرف بواسطتها في الحين بطلب تخصيص المبلغ المخصص بالشيك على ذمته”. و في هذا السياق نصت أحكام الفصل 410 ثالثا جديد من القانون المتعلق بتنقيح و إتمام بعض أحكام المجلة التجارية و اتمامها ما يلي: “تحدث بمبادرة من البنك المركزي التونسي منصة رقمية موحدة خاصة بالمعاملات بالشيك. ويتولى الاشراف على إرساء هذه المنصة وادارتها وسيرها و تطويرها.

تنخرط وجوبا في جميع المصارف في المنصة الرقمية عبر الية الترابط البيني ويجب على كل مصرف ضمان تكامل انظمته المعلوماتية مع هذه المنصة و مع إلية الترابط البيني المعتمدة.

كما يجب على المصرف توفير خدمات إلكترونية مجانية بواسطة المنصة الرقمية تمكن خاصة الحريف من النفاذ الى المعلومات المتعلقة بحساباته المالية كما تمكن المستفيد من الشيك من التثبت الفوري من وجود رصيد كاف أو من وجود اعتراض على خلاصه بسبب السرقة او الضياع او تحاجير على ساحبه او قفل الحساب المسحوب عليه.

وتتضمن ورقة الشيك وجوبا معلومات التحقق الالكتروني و رمز الاستجابة السريعة الخاص بها  و عناصر الأمان الضرورية للحفاظ على السر البنكي و تامين المعاملة الالكترونية.

و على المستفيد من الشيك قبل تسلمه ان يطلع على مدى توفر الرصيد بحساب الساحب عبر المنصة الرقمية واشعار المصرف بواسطتها في الحين بطلب تخصيص المبلغ  المضمن  بالشيك على ذمته.

توفر المنصة الرقمية وجوبا اشعارا فوريا للمستفيد بالمصادقة على المعاملة المطلوبة وبتخصيص المبلغ المضمن بالشيك على ذمته.”

14- ويبقى السؤال مطروحا على خلاف ذلك عن كيفية اثبات ان قبول الشيك من طرف المستفيد قد تم على وجه الضمان. بعبارة أخرى كيف يمكن اثبات ان المستفيد من الشيك بالرغم من انخراطه في المنظومة الرقمية للتحقق الالكتروني قد كان ضالعا مع الساحب في اصدار شيك بدون رصيد و انه قد قبل الشيك بوصفه هذا مع سبق العلم بعدم توفر الرصيد.  مبدئيا يصعب تصور ذلك في ظل انخراط جميع الأطراف المتداخلة في سحب و قبول و خلاص الشيك في منظومة التدقيق و التحقيق الالكتروني التي يفرضها المشرع و التي يجب على المستفيد ان ينخرط فيها وجوبا. الا أنه و اعتبارا الى كون الصيغة الحاية للقانون لا ترتب جزاءا على عدم الانخراط الوجوبي في منظومة التحقق الالكتروني فان إمكانية ضلوع المستفيد من الشيك في جريمة قبوله على وجه الضمان تبقى ممكنة. و يمكن لهذه القراءة ان تجد سندا لها في احكام الفصل  410 رابعا جديد فقرة 9 سندا لهذه القراءة فقد جاء في هذا الفصل ان “يتم ضبط قائمة في المصارف التي انخرطت في المنصة الرقمية ووفرت خدمات  خاصة بالتعامل بالشيك بمنشور من البنك المركزي التونسي يقع تحيينها كلما اقتضى الامر. وفي كل الحالات مرة على الأقل كل ستة اشهر على ضوء تدقيق  يجريه البنك المركزي التونسي حول فاعلية المنصة و الخدمات المذكورة و نجاعتها”. وواضح من صياغة هذا النص ان الانخراط في المنظومة الرقمية  هو انخراط طوعي الامر الذي يترتب عنه ان عدم اعتماده  لا يترتب عليه أي تبعة و من ثمة فإنه و في انتظار تعميم هذا الانخرط  يبقى التجاوز ممكنا  وإن تقلصت سبل حصوله.

15- وفي صورة حصول التجاوز وثبوت تورط المستفيد في جريمة قبول شيك على وجه الضمان فإنه سيعاقب بنفس العقوبات المسلطة على ساحب الشيك بدون رصيد ويكون بذلك مرتكبا لجنحة و مستهدفا لعقوبة سالبة للحرية مدتها عامين اثنين و خطية مالية في حدود خمس المبلغ المضمن صلب الشيك.

ويخضع لنفس العقاب من تسلم شيكا على وجه الضمان كذلك.

-تجريم تسلم الشيك على وجه الضمان

16- وتهدف صورة التجريم هذه شانها شأن الصورة المتقدمة الى التصدي الى الممارسات التي كانت رائجة في التطبيق و التي يتم بموجبها وبالاتفاق بين ساحب الشيك و المستفيد منه توصل المستفيد بالشيك كضمان و تحوزه به لمدة معينة يقع التنصيص عليه في الشيك مع الالتزام المعنوي طبعا بعدم عرضه للخلاص على البنك المسحوب عليه الشيك و انتظار الاجل المتفق عليه بين الأطراف لارجاع الشيك الى الساحب و قبض المبلغ المضمن صلب الشيك نقدا.

17- ويطرح السؤال من جديد حول كيفية اثبات هذه الجريمة في ظل التشريع الجديد وخاصة عن مدى إمكانية ارتكابها في الواقع في ظل تعميم الانخراط الوجوبي في المنظومة الرقمية للتحقق الالكتروني عندما يصبح القانون عدد 41 لسنة 2024 نافذا بعد استكمال صدور اللوائح والترتيبية. فمن ستخول له نفسه تسلم شيك على وجه الضمان والحال انه محمول على الانخراط في منظومة التحقق الالكتروني الخاضعة بدورها الى منظومة الترابط البيني وهي كل وسائل لوجستية للنفاذ الى المراكز الحقيقية للأطراف المتداخلين في عملية اصدار الشيك و التصدي إلى السلوكيات المخالفة للقانون. فالترابط البيني بين مختلف المصالح الإدارية قد اثبت نجاعته و جدواه في البلدان المتقدمة و المؤمل ان يحقق نفس النتائج في بلدنا.

وإذا ما حصل واقترفت الجريمة وثبت اقترافها فانه تعاقب بنفس العقوبات المسلطة على جريمة اصدار شيك بدون رصيد. وكذلك الامر بالنسبة لاعتراض ساحب الشيك على خلاص هذا الأخير.

تجريم الاعتراض على خلاص الشيك

18- جرم المشرع الاعتراض على خلاص الشيك من طرف الساحب في غير الصور المسموح بها قانونا وهما صورة الضياع والسرقة وذلك بغاية التصدي إلى الأساليب الاحتيالية التي كان يعمد اليها البعض لتعطيل مسار الخلاص. والتجريم لا شك يهدف الى تحقيق الهدف الأساسي الا و هو ارجاع الشيك الى طبيعته الا صلية المتمثلة في كونه أداة خلاص.

وتستوجب هذه الجريمة إذا ما اقترفت نفس العقاب المسلط على جريمة إصدار شيك بدون رصيد.

وبقدر ما لمسنا توجها نحو نزع التجريم و الحد من العقاب اذا تعلق الامر بجريمة إصدار الشيك بدون رصيد بقدر ما نلمس تشددا إزاء المصرف المسحوب عليه الشيك الذي حمله القانون الجديد بالعديد من الالتزامات و رتب على الاخلال بها عقوبات جزائية اتجه الوقوف عندها.

رابعا: تجريم متنوع لاخلال المصرف بالتزاماته

19- لقد خص المشرع المصرف المسحوب عليه ببعض الجرائم(أ) كما نزله بصفة ضمنية في بعض الجرائم التي تنطبق على المهنيين بصفة عامة ويدخل المصرف تحت طائلة هذا التجريم بطبيعة مهنته. (ب).

أ) الجرائم التي تخص المصرف مباشرة

20- لقد تعدد ت الجرائم التي تطال المصرف ومنها بالخصوص:

1- جريمة رفض خلاص شيك عول صاحبه على فتح إعتماد سابق ولم يرجع فيه بصفة قانونية.
2- جريمة رفض خلاص شيك عول صاحبه على تسهيلات دفع تعود المصرف دفعها.
ويرتقي العقاب في الجريمتين إلى خطية مالية تساوي أربعين في المئة من مبلغ الشيك.
3- جريمة عدم إحترام المعايير المتعلقة بالوقاية من إصدار شيكات بدون رصيد ويسلط البنك في صورة إرتكاب هذه الجريمة أما إنذارا أو خطية مالية لا يتجاوز مقدارها 10 بالمئة من رأس المال الأدنى للمصرف وتستخلص الخطايا لفائدة الخزينة العامة للبلاد بمقتضى بطاقة إلزام على معنى أحكام الفصل 412 جديد من القانون عدد 41 لسنة 2024.

ب) الجرائم التي تنطبق على المصرف بحكم مهنته

21- ونذكر على سبيل الذكر:

1- جريمة تعمد إسناد تمويل بفائدة في الحالات الغير مسموح بها قانونا (الفصل 411 سابعا جديد) ويكون فيها العقاب بالسججن مدة عامين وبخطية قدرها عشرة الالف دينار
2- جريمة تعمد مساعدة ساحب الشيك في الحالات المذكورة أعلاه (إصدار شيك بدون رصيد أو الاعتراض عليه في غير الصور القانونية) سواءا بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة تراتيب المهنة.

ويكون العقاب في كلتا الصورتين مدة عامين سجن وبخطية تساوي عشرين في المائة من مبلغ الشيك او باقي المبلغ (الفصل 411 جديد)
وواضح من خلال هذا التجريم أن المشرع قد أراد التدخل بآليات القانون الجزائي بغاية إرساء وتعزيز مبدء الحوكمة الرشيدة والتصدي للعديد ن الممارسات في ظل التشريع القديم والذي لا يزال العمل به جاريا.

22- ويفهم من هذه الاحكام الزجرية وعي المشرع بكون التصدي الى جريمة إصدار الشيك بدون رصيد وغيرها من الجرائم المصرفية على معنى الاحكام الجديدة للقانون عدد 2024/41 يتم عبر اصلاح القطاع البنكي وتطوير مناهج عمله و فرض مبادئ و تعزيز مبادئ الشفافية و الحوكمة الرشيدة. إلاّ انه ومهما كانت مزايا هذا التدخل عبر آليات القانون الجزائي فان السؤال يبقى مطروحا حول مدى المواءمة والملاءمة بين الطابع الزجري للقانون الجزائي وما تقتضيه المعاملات الاقتصادية من مرونة.  و قد يكون هاجس المواءمة بين مختلف هذه المصالح هو الذي حدا بالمشرع التونسي إلى إقرار جملة من البدائل على العقاب المستوجب.

خامسا: بدائل العقوبة الجزائية والتخفيف في العقاب وضم العقوبات وضرورة تحرير الشكاية من طرف المستفيد في جريمة اصدار شيك بدون رصيد

23- اقتضى الفصل 410 ثامنا أن “لا يمكن اثارة التتبعات الجزائية من اجل جريمة الشيك بدون رصيد إلا بناءا على شكاية من المستفيد.
يعرض وكيل الجمهورية بعد مده بالملف من الشاكي أو المصرف المسحوب عليه وقبل اثارة الدعوى العمومية في مدة لا تتجاوز شهرا الصلح بالوساطة على المستفيد من الشيك والساحب المشتكى به.”.

وفي صورة ما إذا اقتضى الامر المحاكمة و فشل الصلح بالوساطة وإذا كان الساحب غير عائد فللمحكمة أن تقضي بإستبدال العقوبة السجنية بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة و لها كذلك إذا تعهدت بنفس الجلسة بأكثر من قضية فلها ان تقرر ضم العقوبات.

نجاة البراهمي
أستاذة التعليم العالي ورئيسة قسم العلوم الجزائية بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس
المحامية لدى التعقيب

مصدر المقال : مجلة ليدرز – تونس

https://ar.leaders.com.tn/article/7018-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D9%83-%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%86-%D8%B1%D8%B5%D9%8A%D8%AF-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%A8?fbclid=IwY2xjawEga1RleHRuA2FlbQIxMQABHYNLKuhwltH4tRC1jqCkVTC5r1M7tqz8ktv3IGvX_m31Hpor5wvk5Gv4og_aem_MKtqmVxVDoxntYh0DVz2Rw