بحلول صيف 2016 انفجر البوركيني كموضوع سجال حاد في فرنسا حين أصدر عمدة نيس قرارا بمنع ارتداء هذا اللباس في البحر باعتباره لباسا مهددا للنظام العام ومعاقبة من يخالف ذلك بخطية مالية.
لم ينته الجدل إلى حد اللحظة رغم أن مجلس الدولة الفرنسي باعتباره أعلى سلطة إدارية فرنسية قد أصدر قرار بإلغاء منع البوركيني.
وانتقل الحديث من الداخل الفرنسي إلى وسائل الإعلام الأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي العربية لتطرح الجدل حول عدة نقاط أهمها .
أولا : البوركيني أسلمة التجارة أم تجارة الأسلمة ؟
يروج البوركيني في وسائل الإعلام على أنه لباس شرعي لذلك كان لا بد من أن ننظر إليه من الجانب الديني ما يسمح بطرح السؤال التالي :
هل يوجد حقا ما يسمى ب”المايوه الشرعي” أو “لباس البحر الإسلامي” أم هو مجرد وسيلة تجارية يرمي من ورائها إلى تحقيق الأرباح اعتمادا على الخطاب الديني ؟
إذ أن عددا من الدعاة قد أكدوا على ضرورة عدم الربط بين الشرع ولباس البحر.لأنه لا وجود للباس بحر على الطريقة الدينية و لا حتى اختلاف التسمية يضيف عليه الشرعية.
و من جهة أخرى تبدوا صفات ” الحلال ” و “الإسلامية” و ” الشرعية ” جذابة تجلب شريحة هامة من المستهلكين.
صاحبة براءة الاختراع في تصميم “البوركيني”، الشابة الأسترالية من أصول لبنانية عاهدة الزناتي قد أكدت أنها لم تصمم هذا اللباس بهدف سياسي بل لتتيح للمرأة المحجبة وغيرها الفرصة لممارسة السباحة و الرياضة البحرية.وأشارت أيضا أن نحو ثلاثين بالمائة من النسوة اللاتي أقبلن على شراء البوركيني هن من غير المسلمات و خاصة ذوات تشوهات في أجسادهن يردن أن يخفينها.
ثانيا : البوركيني و تباين المواقف في علاقته بالنظام العام
قوبل لباس البوركيني بالترحيب من قبل عدد كبير من المسلمات بعد ترويجه على أساس أنه لباس سباحة شرعي و انتشر بسرعة البرق على الشواطئ الفرنسية .
لقي قرار منع البوركيني ترحيبا من الحكومة الفرنسية بدءا برئيسها مانويل فالس الذي اعتبره أمرا صدر “باسم النظام العام و أن الشواطئ يجب أن تكون خالية من كل المظاهر الدينية على غرار كل المساحات العامة.”
وصرّحت وزيرة حقوق المرأة لورنس روسينيول أن البوركيني “ليس مجرد لباس بل هو مشروع مجتمعي مطالبة بالتصدي له و بتركيز النقاش حول تحرير المرأة و عدم استغلال الموضوع لأغراض سياسية أو لزيادة الضجة حول الإسلام بفرنسا.”
واعتبرته عديد الأطراف تصديا لأسلمة الشاطئ وحماية للائكية الدولة.
في المقابل طالبت منظمات حقوقية أبرزها منظمة ” تجمع ضد الإسلاموفوبيا ” بإلغاء هذه القرارات معتبرة إياها اعتداء على الحريات الأساسية للمواطن.
تعيد هذه الحادثة جدلا قديما متجددا حول صراع الهوية في فرنسا ، التي ينتمي أكثر من 5 ملايين مواطن فيها إلى الديانة الإسلامية وهي النسبة الأكبر في بلدان أوروبا الغربية.
وهو جدل بين طرفين :
طرف يرى في منع مثل هذه الظواهر حماية لعلمانية الدولة ولقيم الحداثة والتقدم.
وطرف يري فيها تصديا ضد الإسلام وخوفا منه أي ” إسلاموفوبيا متجددة “.
وقد تعهد مجلس الدولة الفرنسي باعتباره أعلى سلطة إدارية بالنظر في قرارات المنع ومدى مشروعيتها فألغى قرارات منع البوركيني بتاريخ الجمعة 26 أوت 2016 .
النقاش القانوني تركز أساسا على مفهوم النظام العام وهو مفهوم يصطبغ دائما ” بغموض يحيط به ظل متعاليا على كل الجهود التي بذلها الفقهاء لتعريفه.
ففكرة النظام العام فكرة نسبية و مرنة بصفة عامة تتغير بتغير الأسس الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي يقوم عليها نظام المجتمع.
تغير واكبه مجلس الدولة الفرنسي معتبرا منع البوركيني ” انتهاكا واضحا و خطيرا للحريات الأساسية و العقيدة و الحريات الشخصية. وأنه لا يحق للسلطات المحلية أن تحد من الحريات الشخصية بهذه الطريقة دون أن يكون هناك دليل ملموس على وجود خطر على النظام العام.”
و قد أشادت منظمة العفو الدولية بقرار المحكمة داعية السلطات الفرنسية إلى التوقف عن الادعاء بأن هذه الإجراءات تحمي حرية النساء.
ثالثا : تباين عربي ودولي حول الموضوع
اعتبرت صحيفة ” The Guardian ” هذا المنع “ضربا من الغباء” أما
The telegraph فقد أكدت أن “النسوة اللاتي يرتدين البوركيني لسن هن الأعداء الحقيقيون للحرية ، بل السياسات التي تريد منعه”.
كما ساند رئيس الوزراء الكندي الحق في ارتداء البوركيني باعتباره لا يهدد الحريات.
الأوساط العربية لم تسلم أيضا من هذا النقاش خاصة أن الموضوع يرتبط بالدين الإسلامي.
إذ انتشرت حملات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل مساندة من يرتدون هذا اللباس.
خاصة وان العالم العربي لا يخلوا من استعمال مكثف للبوركيني.
وهو استعمال يأتي مع انتشار ما يسمى بالنزل الحلال والنزل الإسلامية التي تحمل بعدا تجاريا بحتا.
عموما يجب الاعتراف بأن كل ممنوع مرغوب وهو نفس ما حصل مع البوركيني الذي أكدت صاحبة الاختراع أنه مبيعاته قد تضاعفت بعد قرار منعه.