القانون العام

الاتفاقيات الدولية وحقوق المرأة في العالم العربي – حفيظة شقير

إن التعرض للحقوق التي تتمتع بها المرأة ودراسة وضعها القانوني يتطلبان البحث عن مختلف القواعد القانونية التي تنظم هذا الوضع. وتتسم القوانين المحلية التي تتعلق بوضع المرأة في العائلة وفي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، في مجملها، بعدم اعتبار خصوصيات وضع المرأة وبغياب قواعد تعتمد على المساواة وتعترف للمرأة والرجل بنفس الحقوق والواجبات. إن معظم هذه القوانين تضع المرأة في منزلة دونية وبدرجات مختلفة حسب طبيعة المجالات.

ففي المجال السياسي، لا تتمتع المرأة بنفس الحقوق في مختلف الدول العربية. فبينما تضمن، على سبيل المثال، القوانين الجزائرية والتونسية والمغربية كل الحقوق السياسية للمرأة فتسم لها بالمشاركة في الحياة السياسية وبتحمل المسؤوليات السياسية العليا، ترفض بعض التشريعات في دول عربية أخرى الاعتراف لها بحقوقها السياسية، وخاصة منها حق الانتخاب.

وفي المجال الاجتماعي، أصبح اليوم حق المرأة في الشغل حقاً مكتسباً. لكن دخول المرأة إلى سوق الشغل بقي محدوداً.

أما في المجال العائلي، فقد نظمت العديد من الدول العربية وضع المرأة في الأسرة عبر قوانين مختلفة، مثل المدونة المغربية، ومجلة الأحوال الشخصية التونسية، وقانون الأسرة اليمني. إلا أن بعض الدول الأخرى بقيت إلى الآن دون إصدار تشريعات في هذا المجال، مما دفع الجامعة العربية إلى التفكير في توحيد قوانين الأحوال الشخصية العربية.

أولاً ـ الاتفاقيات الدولية ذات الطابع العام:
1 ـ استعراض الاتفاقيات:

تكتسي الاتفاقيات الدولية صبغة عامة حين تتعلق بمختلف الحريات التي يجب أن يتمتع بها الانسان، وتنظم حياته داخل المجتمع. وأهم النصوص في هذا المجال هي:
ـ الإعلام العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948.
ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966.
ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966.
تنص المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان أن (لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دون تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب… الجنس)).
ويؤكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على مبدأ المساواة، معلناً في المادة 3 أن ((الدول الأطراف تتعهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد)). وهي: حق الشغل، وحق التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية، وحق تكوين نقابات والانضمام إلى النقابة ـ حق كل مواطن في الضمان الاجتماعي ـ منح الأسرة أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة ـ حق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته ـ حق كل مواطن بالتمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية يمكن بلوغه حق كل فرد في التربية والتعليم ـ حق كل مواطن في المشاركة في الحياة الثقافية وفي التمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته.

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فهو يقر كسابقه بمبدأ المساواة في المادة 3: ((إن الدول الأطراف في هذا العهد تتعهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد)). وهي: الحق في الحياة كحق ملازم لكل إنسان ـ عدم إخضاع أحد للتعذيب وللمعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الانسانية أو الحاطة بالكرامة ـ منع الاسترقاق والرق والاتجار بالرقيق والعبودية ـ منع السخرة والعمل الإلزامي ـ حق كل فرد في الحرية وفي الأمان على شخصه ـ حق كل فرد يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف وبمحاكمته خلال مهلة معقولة من طرف أحد القضاة ت حق كل فرج في المعاملة بصفة إنسانية عندما يكون محروماً من حريته ـ حرية التنقل ومغادرة أي بلد وحرية اختيار مكان الإقامة ـ كل متهم بارتكاب جريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً، والناس جميعاً سواء أمام القضاء ـ احترام حقوق الدفاع لكل متهم ـ الحق في الاعتراف بالشخصية القانونية ـ حق كل شخص أن يحميه القانون من التدخلات في خصوصياته أو شؤون أسرته ـ حق كل انسان في حرية الفكر والوجدان والدين ـ حق كل انسان في اعتناق آراء دون مضايقة، وفي حرية التعبير ـ الحق في التجمع السلمي ـ الحق في تكوين الجمعيات، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها ـ حق الأسرة في التمتع بحماية المجتمع والدولة ـ حق المرأة والرجل في التزويج وتأسيس أسرة بكل حرية ـ حق كل طفل على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصراً وفي اكتساب اسم وجنسية ـ حق كل مواطن في المشاركة في إدارة الشؤون العامة وفي الانتخاب وفي تقلد الوظائف العامة في بلده ـ حق احترام الشعائر الدينية.

وإضافة إلى هذه المجموعة من الاتفاقيات والوثائق، هناك اتفاقيات أخرى تتعلق مباشرة بوضع لامرأة وهي:
ـ الاتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة، وهي اتفاقية عرضتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصديق في 20 ديسمبر 1952.
ـ الاتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة، عرضت للتوقيع والتصديق بقرار الجمعية العامة المؤرخ في 29 يناير 1956.
ـ اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج، التي عرضتها الجمعية العامة للتوقيع والتصديق بقرارها المؤرخ في 7 نوفمبر 1962.
ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها المؤرخ في 18 ديسمبر 1979.

كل هذه الاتفاقيات تتعلق بوضع المرأة العائلي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتهدف إلى تحقيق مبدأ المساواة في مختلف هذه المجالات. كم أنها تنص على الضمانات الكافية لذلك، إذ إنها تقر بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة (بما في ذلك التدابير التشريعية) للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

2 ـ موقف الدول العربية من الاتفاقيات ذات الطابع العام:
إن معظم الدول العربية لم تصادق على الاتفاقيات الدولية المذكورة. ففيما يتعلق بالنصوص ذات الطابع العام، إن 9 دول فقط من مجموع 22 صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بينما لم تصادق أي دولة عربية على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

أما الاتفاقيات التي تتعلق مباشرة بالمرأة، فلم تحظ بالاهتمام اللازم من الدول العربية. فلم تصادق على الاتفاقية المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة إلا 5 دول، بينما صادقت دولة واحدة على الاتفاقية المتعلقة بجنسية المرأة المتزوجة، واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج، كما صادقت 4 دول فقط على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

إن المصادقة على الاتفاقيات لا تعني بالضرورة الموافقة على كل ما جاء فيها، إذ إن العديد من الدول تصادق عليها بعد تقديم تحفظات. هكذا كان الشأن بالنسبة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فالدول الأربع التي صادقت عليه أبدت العديد من التحفظات وفقاً للمادة 28 من الاتفاقية التي تجيز للدول إبداء تحفظات على الاتفاقية وقت التصديق عليها أو الانضمام إليها.

ثانياً ـ الاتفاقيات الخاصة بمجال العمل:
تنقسم اتفاقيات العمل إلى جزئين، تبعاً للمنظمات التي أصدرتها. فمن جهة، هناك اتفاقيات العمل الصادرة عن منظمة العمل العربية، ومن جهة أخرى، هناك اتفاقيات العمل الصادرة عن منظمة العمل الدولية.

1 ـ الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل العربية:
منظمة العمل العربية هيئة إقليمية مختصة، في إطار جامعة الدول العربية، الغاية من إنشائها وضع وتطبيق مستويات ومعايير متطورة للنهوض بشروط وظروف العمل، وتوحيد التشريعات العمالية في الدول العربية.
ومن أبرز نشاطات منظمة العمل العربية منذ قيامها سنة 1971 إصدار اتفاقيات العمل العربية وتوصيات العمل العربية، ومن ضمنها الاتفاقية العربية رقم 5 لسنة 1976 بشأن المرأة العاملة. صدرت هذه الاتفاقية عن مؤتمر العمل العربي في دورته الخامسة المنعقد في مارس 1976 ((انطلاقاً من دور المرأة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة ومن ضرورة إيجاد المناخ المستقر والملائم لها عن طريق التشريعات وتقديم التسهيلات التي تعينها على القيام بواجباتها في الأسرة والعمل على أساس المساواة التامة مع الرجل))، كما جاء في ديباجة الاتفاقية.
ومن الاتفاقيات الأخرى التي اهتمت بوضع المرأة الاتفاقية رقم 1 لعام 1966 بشأن مستويات العمل، التي تضمنت أحكاماً خاصة بحماية النساء العاملات، والاتفاقية رقم 3 لعام 1971 بشأن المستوى الأدنى للتأمينات الاجتماعية، التي تعرضت إلى ما ينبغي أن تتمتع به المرأة من رعاية طبية قبل الوضع وعند الولادة.
ومما يؤسف له قلة عدد الدول التي صادقت على هذه الاتفاقيات التي توفر ضمانات هامة للمرأة العربية. ومهما يكن، فإننا نأمل أن تتبنى قوانين العمل الداخلية في الدول العربية فحوى هذه الاتفاقيات وتنظم وضع المرأة العربية.

2 ـ الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية:
من جملة 162 اتفاقية صادرة عن منظمة العمل الدولية، هناك 12 اتفاقية تتعلق بالمرأة بصفة رئيسية أو ثانوية. ومن هذه الاتفاقيات اتفاقيات عامة تهدف إلى تكريس مبدأ المساواة والقضاء على أشكال التمييز في الشغل، وهي:
1 ـ الاتفاقية رقم 19 بشأن المساواة في المعاملات (حوادث الشغل) الصادرة سنة 1925.
2 ـ الاتفاقية رقم 10 بشأن المساواة في الأجور الصادرة سنة 1951.
3 ـ الاتفاقية رقم 111 حول التمييز في مجال الاستخدام والمهنة الصادرة سنة 1958.
4 ـ الاتفاقية رقم 118 بشأن المساواة في المعاملات (الضمان الاجتماعي) الصادرة سنة 1962.
5 ـ الاتفاقية رقم 151 بشأن العلاقات المهنية في الوظيفة العمومية الصادرة سنة 1978.
6 ـ الاتفاقية رقم 156 بشأن إتاحة الفرصة والمعاملة المتساوية للعمال من الرجال والنساء من ذوي المسؤولية العائلية الصادرة سنة 1981.

أما الاتفاقيات الباقية فهي تتعرض إلى خصوصيات وضع المرأة العاملة، وهي:
1 ـ الاتفاقية رقم 3 بشأن حماية الأمومة الصادرة سنة 1919.
2 ـ الاتفاقية رقم 4 بشأن تشغيل النساء ليلاً الصادرة سنة 1919.
3 ـ الاتفاقية رقم 41 بشأن تشغيل النساء ليلاً (معدلة) الصادرة سنة 1934.
4 ـ الاتفاقية رقم 45 حول تشغيل النساء تحت الأرض الصادرة سنة 1935.
5 ـ الاتفاقية رقم 89 حول تشغيل النساء ليلاً (معدلة) الصادرة سنة 1948.
6 ـ الاتفاقية رقم 103 بشأن حماية الأمومة (معدلة) الصادرة سنة 1952.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر و الطباعة محفوظة لمجلة الميزان
إغلاق