الإقامة الجبرية في القانون التونسي
الإقامة الجبرية في تونس
الإقامة الجبرية في القانون التونسي – مجلة الميزان
مفدي المسدي مستشار رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي ، أنور معروف وزير النقل السابق والقيادي في حركة النهضة ، لزهر لونقو المدير العام للمصالح المختصة بوزارة الداخلية سابقا ، الطيب راشد رئيس محكمة التعقيب ، البشير العكرمي القاضي ووكيل جمهورية محكمة تونس سابقا ، زهير مخلوف نائب بالبرلمان التونسي، بلحسن بن عمر مستشار قانوني بحكومة الشاهد والمشيشي ورياض الموخر وزير البيئة السابق وأسماء أخرى عديدة….ارتبطت أسماءهم مؤخرا بقرارات وضعهم تحت الإقامة الجبرية.
تعددت في الآونة الأخيرة وتزامنا مع ما تعيشه تونس من إجراءات استثنائية طبق الفصل 80 من الدستور قرارات بوضع عديد الأشخاص تحت سلطة الإقامة الجبرية من نواب برلمان وقضاة متعلقة بهم شبهات فساد ورجال أعمال وغيرهم من منتمين سابقين لحكومة هشام المشيشي.
بتعدد القرارات الصادرة تعددت الأسئلة حول الأسس القانونية لصدور مثل هكذا قرارات ومدى شرعيتها من الناحية القانونية.
للإجابة عن هذه الأسئلة من المهم العودة إلى الأمر المتعلق بإعلان حالة الطوارئ في تونس والصادر في سنة 1978 تحت عدد 50.
يسمح هذا الأمر لوزير الداخلية بأن يضع تحت الإقامة الجبرية أي شخص يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن أو النظام العام.
يقوم وزير الداخلية بالوضع تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة، أي شخص من شأن أن يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين.
تعرف الإقامة الجبرية بأنها إجراء إداري وتنفيذي يتم بمقتضاه حرمان الشخصي المعني به من حريته دون توجيه اتهامات إليه وذلك لغايات أمنية خالصة.
إذن فالإقامة الجبرية هي تدبير استثنائي يدخل تحت طائلة حالة الطوارئ التي تجيز إصدار عدة قرارات مثل منع التظاهرات وحظر الجولان ….
يتم اللجوء للإقامة الجبرية لأسباب أمنية واستنادا لخطورة بعض الاشخاص على النظام العام خلال فترة الطوارئ.
لكي يكون القرار صحيحا يجب أن يكون مضمنا بصفة كتابية ومحددا لهوية الشخص المشمول بالقرار ومحددا لنطاقه الزمني أي مدته ونطاقه الترابي أي المنطقة المسموح للشخص بالتواجد فيها إذ قد يصل الإجراء لإلزام الشخص بالبقاء في حدود منزله فقط.
تلتزم السلطة الإدارية كذلك بضمان معيشة الشخص موضوع الإقامة الجبرية وعائلته ويسمح له بالتمتع بكل مستلزمات المعيشة والحق في الرعاية الصحية.
يتيح القانون التونسي لكل من صدر ضده قرار بالإقامة الجبرية بالطعن في القرار أمام المحكمة الإدارية لطلب إلغاءه ولطلب توقيف تنفيذه طبق إجراءات القضاء الإداري كما يمكنه من تحميل المسؤولية للدولة وطلب التعويض متى ما تبين أن القرار المتخذ بالإقامة الجبرية غير قانوني وأضر به.
كانت المحكمة الإدارية أمام فرصة الحسم في شرعية بعض الملفات القضائية التي قام أصحابها بالطعن في القرارات المتخذة ضدهم في خصوص الإقامة الجبرية لعدم مشروعيتها ومخالفتها لأحكام الدستور والحقوق والحريات الأساسية.
صدرت عن المحكمة الإدارية قرارات بإلغاء الإقامة الجبرية ولكن يبقى لدى بعض الباحثين اعتبار أن القرارات تخص الفرد المعني بالقضية ولا يمكن أن تعتبر موقفا قضائيا متكامل الذات من الإجراء بعينه.
وبالاطلاع على أحكام المحكمة الإدارية يتبين وأنها دائما ما تستند في حيثياتها على مخالفة القرارات لشرعية النص القانوني وخاصة على إحجام وزارة الداخلية عن تقديم تبرير لاتخاذ الإجراء أو ما يفيد أن الشخص تحت الإقامة خطير جدا هذا فضلا عن تنفيذ قرارات بالإقامة الجبرية دون إعلام أصحابها ذلك.
يبقى الجدل دائما مستمرا بخصوص شرعية القرارات الصادرة بالإقامة الجبرية إذ يرى البعض أنها قرارات ضرورية لحماية الأمن والنظام العامين وضمان عدم إتلاف أدلة الجريمة في حين يرى البعض الآخر أنه إجراء يحد من حرية التنقل.
ولم ينجح البرلمان التونسي رغم مرور ثلاثة سنوات في تمرير مشروع القانون عدد 91 لسنة 2018 الذي تقدمت به رئاسة الحكومة لوضع إطار قانوني واضح لحالة الطوارئ والإجراءات المتعلقة بها يلغي الأمر عدد 50 لسنة 1978 الذي صدر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة على خلفية أحداث الخبز والإضراب العام للاتحاد التونسي للشغل.