الإجهاض في القانون التونسي بين التجريم والإباحة
الإجهاض في القانون التونسي بين التجريم والإباحة
إنّ أعظم حق يتمتع به الإنسان هو الحق في الحياة طبق ما اقتضته الطبيعة البشرية وطبق ما كرسته النصوص القانونية وأعطت قدسيته النصوص الدينية.
لذا فإن الحق في الحياة لا يمكن المساس به كما نصت على ذلك كل القوانين إلا في الإعدام أو إذا أجاز القانون ذلك أو في حالة الدفاع الشرعي.
لا تعرف معظم القوانين مفهوم الإجهاض وتترك الباب مفتوحا للفقه وفقه القضاء للتعريف.
خصّ المشرع التونسي ” الإجهاض ” بفصل وحيد وهو الفصل 214 من المجلة الجزائية.
كان الفصل عند الصياغة الأولى للمجلة متشددا في العقاب أقر فيه باعتبار فعل الإجهاض فعلا إجراميا يكيف في مقام الجنحة بالنسبة للمرأة الحامل والغير ويصبح جناية في نظر القانون بالنسبة لمن هم من أصحاب الاختصاص كالأطباء والقوابل والصيادلة يعاقبون بموجبها بعشر سنوات أشغال شاقة .
نقح الفصل فيما بعد بمقتضى القانون عدد 24 لسنة 1965 في غرة جويلية 1965 وأضيفت فيه فقرتين تبيحان الإجهاض في بعض الحالات ومن ثم تعديل الفصل مرة أخرى بموجب المرسوم عدد 2 لسنة 1973 والمؤرخ في 26 سبتمبر 1973.
ينص الفصل 214 في صيغته الحالية على ما يلي :
يتبين من خلال قراءة هذا الفصل أن الإجهاض جريمة إذا ما توفرت أركانها وأنه مباح باستثناءات تجيز إبطال الحمل وهي استثناءات عديدة.
1 – الإجهاض جريمة
إن الإجهاض في الفصل 214 مدرج ضمن القسم المتعلق بقتل النفس فالإجهاض فعل يرتكب على الجنين ويعتبر قتلا له في بطن أمه.
إنّ تجريم الإجهاض طبق ما ورد في الفقرة الأولى والفقرة الثانية للفصل 214 من المجلة الجزائية فيه حماية للجنين.
إنّ جريمة الإجهاض جريمة قصدية عمدية لا تنال الأم عقابا فيها إذا أجهضت بصفة طبيعية وتلقائية.
إنّ الركن المادي لجريمة الإجهاض يقتضي :
• استعمال وسائل للقيام بهذا الفعل من ذلك ما ذكرها المجرم مثل الأطعمة والمشروبات والأدوية ومنها ما فتح الباب فيها لتشمل أي وسيلة أخرى طبق عبارة الفصل ذاته.
• النتيجة الإجرامية : إنّ النتيجة هي الحمل ما يعني أن في الإجهاض إضرار بالجنين ومحاولة لإسقاطه. ويظل إجهاضا كل اعتداء على الجنين ما دام في بطن أمه إلى آخر لحظة في الولادة.
إنّ الركن المعنوي لجريمة الإجهاض يتمثل في
ضرورة توفر القصد لإحداث الجريمة وجريمة الإجهاض تقتضي قصدا جزائيا عاما وقصدا جزائيا خاصا.
تتدرج العقوبة في جريمة الإجهاض بحسب صفة الجاني :
• إن ارتكب الأم فعل الإجهاض وإسقاط جنينها : فعقابها السجن لمدة عامين و خطية قدرها ألفا دينار أو إحدى العقوبتين.
• إن ارتكبت الجريمة من الغير يكون العقاب مدة خمسة أعوام بالسجن أو بخطية قدرها عشرة آلاف دينار أو إحدى العقوبتين.
• إنّ المحاولة أو المشاركة موجبتان للعقاب كما أن ظروف التخفيف كظروف التشديد قابلة للتطبيق بالتخفيف من العقوبة أو التشديد فيها للضعف متى ما تكرر الفعل الإجرامي وذلك طبقا لمقتضيات المجلة الجزائية وطبق اجتهاد القاضي في تفريد العقوبة.
2 – إباحة الإجهاض
أبيح الإجهاض بمقتضى الفصل 214 في فقراته الأخيرة وذلك في احتمالين اثنين :
• الاحتمال الأول : هو قطع الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى بترخيص طبي.
• الاحتمال الثاني : هو إبطال الحمل بعد الثلاثة أشهر بترخيص طبي كذلك متى ما تم الخشية من انهيار صحة الأم البدنية أو العصبية أو توقع ولادة الجنين بمرض أو آفة خطيرة.
ويتم الإجهاض تحت الإشراف الطبي وفي المؤسسات الصحية المرخص لها.