قيس سعيد يصدر بيانا من أجل تأسيس جديد
3 أوت 2013
“رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا“
يبدو المؤسسون اليوم على إختلاف إنتمائاتهم و تعدد مرجعيّاتهم غير قادرين على فهم دروس الحراك الثوري الذي شهدته تونس منذ نهاية سنة 2010 و تشهده العديد من الدول الأخرى . فالدستور في نظرهم كلهم لا يعدو أن يكون سوى وثيقة تبرر وجود الحاكم , يضعها على مقاسه كما يرى , و يعدلها إذا تغير المقاس كما يرى و يفعل بها كما شاء و إرتأى .
إن الدساتير ليست غاية في حد ذاتها , و إذا كانت غايتها الوحيدة إضفاء مشروعيّة شكليّة على الحاكم , فلن يكون لها أي معنى بل ستكون مرة أخرى أداة للحكم بل و أداة للإستبداد . و لينظر من أراد في تاريخ الدساتير في البلاد العربية عموما و في غيرها من البلدان الأخرى , فسيجد أن من أهم أدوات الإستبداد الدساتير ذاتها , لا من جهة الأحكام التي تتضمنها , فهي عموما نفسها مع إختلافات طبيعية تتصل بشكل الدول أو بطبيعة النظام أو بتوزيع السلطة بين هيئات هي في الظاهر فقط مستقلة , و في الظاهر فقط تعبر عن إرادة صاحب السيادة , و لكنها في الواقع هيئات لم يقع إنشائها إلا بهدف واحد و هو إستمرار سلطة الحاكم .
لم تكن الدعوة إلى إنشاء لمجلس وطني تأسيسي كما طالب الشعب التونسي بذلك بعد الرابع عشر من جانفي 2011 و خاصة بمناسبة الإعتصام التاريخي بالقصبة خلال شهر فيفري من نفس السنة لإعادة صياغة نص دستوري جديد , بل بهدف دستور يقطع نهائيا مع كل الأسباب التي أدت إلى ما كانت أدت إليه من قهر و إذلال و إستبداد , بهدف وضع إطار دستوري يستطيع بواسطته الشعب سيادته كاملة , يستعيد به كل حقوقه التي سلبت منه و كل ثرواته التي هي حق طبيعي .
و لكن ما يحصل اليوم بعد تقديم بعد تقديم المشاريع المتعددة داخل المجلس الوطني التأسيسي ليس سوى إعادة لنفس البناء الدستوري القديم حتى و إن أختلفت الصيغ و إختلفت بعض الأحكام فهي في الظاهر فقط مختلفة , و لكنها تقوم على نفس الفكر , و تنطلق من نفس التصورات .
و من بين أهم مظاهر إستمرار نفس هذا الفكر و التصور هو إعادة نفس البناء المركزي السابق , فبسرعة تم إغفال أهم مميّزات الحراك الثوري التونسي المتمثل في انطلاقه من الجهات الداخلية نحو المركز , و لكن على مستوى النص الدستوري المقترح العكس هو الذي يحصل و النقيض تماما هو الذي يجسد .
و إلى جانب إستمرار نفس أسباب فشل هذه التجربة الدسترية , التي هي في الظاهر فقط جديدة , تنذر الأوضاع التي تعيشها تونس اليوم بتطورات خطيرة على كيان الدولة و كيان المجتمع , فالفتنة التي تم زرع بذورها منذ الأسابيع الأولى التي تلت الرابع عشر من جانفي و صرف الأنظار عن القضايا التي طرحها الشباب نحو مواضيع تتعلق بالهوية و الدين , و هي قضايا محسومة تاريخيا و لم يطرحها إطلاقا خلال شهري ديسمبر2010 و جانفي 2011 . بل لم يطرحها إلا من إعتقد أن هذا الحراك الشعبي الثوري هو فرصته لبسط وصايته على المجتمع و فرض خياراته على الجميع .
و إلى جانب الفتنة , و هي أخطر ما يمكن أن يتهدد المجتمعات و الدول , تسيل دماء الأبرياء و تتالى عمليّات الإغتيال . و مع كل ضحية و شهيد تتعالى الأصوات منددة , و لكن دون حلول فعلية , بل أكثر من ذلك , توظف هذه الأحداث الخطيرة في حسابات السياسة . فدماء الأبرياء تسيل و كل يريد توظيفها لحسابه و صالحه . فالكل يستنكر و يجتمعون فقط للشجب و التنديد و فيهم فريق متمسك بموقعه , و فريق يتوثب للسلطة أو تقاسمها , و فريق يترصد اللحظة المناسبة للعودة من جديد .
فهل هذا تأسيس جديد أم إعادة لما كان عليه قبل الرابع عشر من جانفي ؟؟
ـ أولا: على المجلس الوطني التأسيسي أن يتحمل مسؤوليته التاريخية و يعترف أمام الشعب التونسي أنه فشل و السلط المنبثقة عنه في إدارة هذه المرحلة الإنتقالية , و عليه, ترتيبا على ذلك أن ينهي وجوده القانوني و أن يحل نفسه .
ـ ثانيا : ضمانا لإستمرارية الدولة التونسية , يضع المجلس الوطني التأسيسي , قبل إنهاء وجوده تنظيما مؤقتا جديدا للسلط العمومية لا تتجاوز مدته الستة أشهر يتم خلالها إنتخاب مجلس وطني شعبي .
ـ ثالثا : تتولى الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات , بعد إستكمال تشكيلها من قبل المجلس الوطني التأسيسي , الإشراف على إنتخابات المجلس الوطني الشعبي .
ـ رابعا يتم إنتخاب أعضاء المجلس الوطني الشعبي على النحو التالي :
يقع إنتخاب مجالس محلية من كل معتمدية من معتمديات الجمهورية و عددها أربع و ستون بعد المائتان بطريقة الإقتراع على الأفراد في دورتين إنتخابيتين .
و هذه الطريقة هي الكفيلة وحدها بالتعرف على المترشحين و على حقيقة انتمائاتهم بل و مسائلتهم و حتى سحب الوكالة منهم أثناء مدة نيابتهم إن لم يعودوا يحظوا بثقة أغلبية الناخبين و يحدد المقاعد في كل مجلس محلي بحساب نائب عن كل عمادة .
يقع تقديم الناخبين من قبل عدد من الناخبين و الناخبات على أن نصفهم ممن لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين سنة يوم تقديم الترشح و على أن يكون الربع منهم من أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل .
يضبط القانون الإنتخابي كل الجوانب المتعلقة بمختلف مراحل هذه الإنتخابات , و لكن طريقة الإقتراع على الأفراد و ضرورة تقديم المترشحين من قبل عدد من الناخبين من الشروط الأساسية لتحقيق تمثيل حقيقي .
يكون المشرف على الأمن عضوا حكما في المجلس المحلي و لا يتم تعيينه من قبل السلطة المختصة إلا بناءا على إقتراح من أغلبية أعضاء المجلس .
يكون ممثل من ذوي الإعاقة عضوا حكما في المجلس المحلي من كل ولاية و عددها أربع و عشرون .
ـ خامسا ينبثق مجلس جهوي عن المجالس المحلية في كل معتمدية , و يتم التداول في تمثيل المجالس المحلية في كل المستوى الجهوي , فعضو المجلس المحلي يمثل المجلس الذي ينتمي إليه امدة محددة يظبطها القانون ليعوض بآخر من نفس المجلس الذي هو عضو فيه وفق عملية قرعة تنظم في بداية كل مدة نيابية .
و من بين أهم إيجابيات التداول على التمثيل شعور النائب بأنه نائب عن الناخبين الذين إنتخبوه , مسؤول أمامه في المقام الأول , كما أن من شأن التداول على التمثيل وضع حد أو الحد على الأقل من كل الإنحرافات .
و تتولى المجالس الجهوية التنسيق بين مختلف المجالس المحلية من كل ولاية و خاصة في مجال التنمية الإقتصادية و الإجتماعية .
سادسا : تنبثق عن المجالس الجهوية الأربع و عشرين مجلس وطني شعبي يتكون من أربع و ستين و مائتي عضوا بحسب عدد معتمديات الجمهورية .
سابعا : تبثق لجنة خاصة من المجلس الوطني التشريعي لوضع دستور جديد لتونس في أجل لا يتجاوز الشهرين إثنين .
ثامنا : يضع المجلس الوطني التشريعي نظاما مؤقتا للسلط العمومية إلى حين تولي السلطات الجديدة مهامها بناءا على الدستور الجديد
تنشر مجلة الميزان الآراء التي عبر عنها الأستاذ قيس سعيد سابقا لفهم طبيعة افكاره السياسية